الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- الإنسان العالق -

أحمد فيصل البكل

2016 / 9 / 3
الادب والفن


ما هو الإنسان؟ يقول الفرويدي إنه اللاشعور ، ذلك الوحش الكامن في كل منّا والذي لا يمكن التنبؤ برغباته ودوافعه ، ويقول الماركسي على لسان لينكولن إنه حيوان صانع لأدواته ، ويقول الأفلاطوني الهادىء الجالس على مكتبه إنه حيوان ناطق ، ودوستويفسكي المهووس بالخطيئة يقول إنه الجاحد الماشي على قدمين ، ويقول البيولوجي إنه قرد عارِ ، ولا يغير ذلك العراء من حقيقة قرديته في شيء ، ويقول المتدين إنه إبن الله ، ويتيه ذلك الكائن البائس بين القوالب وبين قالوا وقلنا ، وأتيه أنا الآخر بين الأنا التي تصف وبين الموصوف ، إنني أحاول أن أفهم وأنا أدرك أنني فوق كل فهم ، أصف وأنا أرفع من كل وصف ، تلكم الغربة وذلك الخواء الذي يعتصرني الآن هو شيء غير موجود في الأنثروبولوجيا ولا في كتب التشريح ولا في كل آداب الدنيا ، هو شيء لا تتسع له إلا تلك الهوة السحيقة في داخلي والتي لا أجد لها إسما .

وكيف ترى الطبيعة الإنسان؟ يقول الفيلسوف الأمريكي دانيال دينيت إن الطقوس الدينية تبدو لتطوّرى كذيل طاووس في ساحة مشمسة ، ويقول عالم الحيوان ريتشارد دوكنز إنه يندهش من سلوك هؤلاء الذين يضيعون سنوات من عمرهم في بناء كاتدرائية عظيمة دون أن يكون لذلك فائدة طبيعية داروينية ، وله الحق في تساؤله ، فالطبيعة على حد وصف البعض محاسب بخيل والانتخاب الطبيعي لا يفضّل كل سلوك به إضاعة للوقت والجهد دون فائدة تتعلّق بقدرته على البقاء ، ولكن أحدا من الماديين لم يبد مثل هذه الدهشة إزاء أعمال شكسبير ودانتي واللورد بايرون وغيرهم ، لماذا أضاعوا سنوات في إنتاج أعمالهم الشعرية دون أن يكون لذلك فائدة طبيعية داروينية؟ أليس الفن تبذير مثل الدين في نظر الانتخاب الطبيعي؟ ما الذي يدفع الإنسان للفن والفلسفة واللعب؟ الإنسان في نظر الطبيعة وانتخابها إنما هو كائن مبذّر ، استنزافى . إنهم بعبارة فلسفية يتسائلون : لماذا لا يكتفى الإنسان بطبيعيته؟ لماذا لا يكتفى بما هو طبيعي فيه مغامرا بسلوكات لا طائل منها؟ والواقع أن الإنسان بذلك يعبّر عن تراجيديا وجوده ، إنه يجد نفسه رغما عنه عالقا بين طبيعه لم ولن تشبعه وعالم آخر ربما يكون غير موجود ، وهو يسمح لنفسه بالتبذير والاستنزاف في سبيل ذلك العالم المشكوك في أمره . إنه يقف هنا في العالم بجسده الصغير ولكن قلبه يمتد إلى فضاءات اًخرى ، وهو يجد في قلبه النزعات الإلهية إلى جانب الغرائز البهيمية ، وفي لحظة ما تحدث القطيعة بين ذلك المخلوق المُغترب والطبيعة ولا يعود حينئذ شيئا كما كان ، وهنا يأتي دور الفن ، إنني لا أجد متعتي إلا في الفن الذي يجسّد ذلك التمزّق الداخلي ، المعزوفة التي تصوّر تلك اللحظة التي ينفصل فيها الإنسان عن الطبيعة ، هذا الفن الذي يدرك تمام الإدراك أن الإنسان لا مهرب له من اليأس ، وأن اليأس هو ذروة الوجود الإنساني ، ولكنه يأبى إلا أن يلوّن زوايا ذلك اليأس ، يرفض أن يفلت منه دون أن يزيّنه ويعطيه أبعاده . إن غاية مُراده التغنّى بالفاجعة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا