الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أطفال داعش .. اندماج .. أم قنابل مخبأة

فارس حميد أمانة

2016 / 9 / 4
حقوق الانسان


أطفال داعش .. اندماج .. أم قنابل مخبأة

ماذا بعد مرحلة داعش ؟ ما هي السيناريوهات المحتملة لموضوع يثار في الآونة الأخيرة عن نقطة حساسة بل خطيرة في هذا الموضوع ؟ وأقصد بها التداعيات المحتملة لمصطلح " أطفال داعش " .. هل نستطيع الخوض في هذا الجانب بعقولنا فقط وبعد أن نضع عواطفنا جانبا ؟ هل سننظر بعين متفحصة إلى الجانب المستقبلي الأبعد والأخطر لهذه المشكلة واضعين نصب أعيننا إن المستقبل القريب سيشهد سجالا قويا بين الرفض الشديد المتعنت وبين التقبل الحذر والتطعيم المبكر لإكساب المجتمع المناعة المطلوبة ؟ من خلال نقاشات بين من أتناقش معهم حول هذه النقطة ومطالعات لما ينشر في صفحات التواصل الاجتماعي لا أجد في الغالب إلا تيارين مختلفين في وجهتي نظرهما وهما الأغلبية مع نسبة ضئيلة من شريحة لا تهمها المشكلة. كل ما أطلبه في هذا المقال النظرة المتفحصة للخروج بالحل الأمثل مع توقعي لكيل من سباب لا أستطيع كبح جماحه أو رد فعل متشنج من البعض الآخر .

إن مصطلح " أطفال داعش " يعني محورين هما محور من تعرض لغسيل الدماغ من أطفال عراقيي الأبوين ومحور من ولد من زواجات قسرية أو حوادث الاغتصاب أو السبي كما سنرى لاحقا .. إن تربية جيل مقاتل قوي ليس جديدا في التاريخ .. فقد كان السلطان العثماني أورخان غازي (وهو ثاني أبناء السلطان عثمان مؤسس الدولة العثمانية ) قد شرع منذ بداية تسلمه الحكم عام 1326 بوضع اللبنات الأولى لتأسيس الجيش الانكشاري المستند أساسا على الأيتام والمشردين الأتراك والأطفال المسيحيين ممن جلب من الدول المجاورة بعد احتلالها ومن ثم يتم ربيته في معسكرات مغلقة أول أبجدياتها إن السلطان هو الأب الروحي لهذا الجيش وان الفروسية والجلد والتدريب العنيف هو المفردة المهمة الثانية وليصبح هذا الجيش من أقوى الجيوش التي قضمت بها أوربا قطعة قطعة .. كان هذا الجيش يتقدم على القطعات التي يقودها السلاطين ويقاتل بشدة مقدما التضحيات الأولى للاقتحام فكان بذلك أول الأفكار التطبيقية للانتحاريين الحاليين .

وقد استثمر صدام حسين قبل حرب عام 2003 وتغيير نظامه ببضع سنوات فكرة الجيش الانكشاري وحورها ليخرج علينا بجيش " فدائيي صدام " من المئات من المستعدين للقيام بعمليات انتحارية ضد الجيش الأمريكي الذي احتل البلد عام 2003 .. ويبدوا أن داعش استثمر فكرة انتحاريي الجيش الانكشاري وفدائيي صدام ليخلق جيشا جديدا من أطفال تتراوح أعمارهم بين العاشرة والسادسة عشر ليخلق جيشا من أطفال تمت تربيتهم عقائديا على أفكار وعقيدة التنظيم الإرهابية مع التدريب القاسي على تحمل المشاق والقتال لاسيما في سوريا والعراق وبالتالي تنفيذ أجندات التنظيم المريضة .

إن القضاء على داعش سينتهي بظهور هذا الجيل الجديد من الانتحاريين والمقاتلين الذين ذاب بعضهم بين صفوف النازحين من مناطق القتال بينما قتل البعض الآخر .. إن البعض بالتأكيد أجبر على عملية غسيل الدماغ لكن البعض أيضا قد انخرط برغبته وعقيدته وهؤلاء هم الأخطر .. على الجهات الأمنية والاستخباراتية رصد هؤلاء وتتبعهم والعثور عليهم وان على الجهات الاجتماعية والمنظمات المهنية تلقف ومعالجة المجبرين على ذلك ومنحهم الدعم لتسهيل مهمة اندماجهم في مجتمعاتهم مرة أخرى على اعتبار أنهم ضحايا للتطرف والإرهاب والعنف الذي وردته المخابرات الخالقة لمسرحية داعش التي انطلت على غالبية المجتمع لكن هذه المهمة ستكون عسيرة جدا لكنها خطوة لابد منها .

إن المحور الثاني من مصطلح " أطفال داعش " يتمحور حول الولادات الجديدة من أطفال بأسباب مختلفة .. لننظر أولا وبروية إلى حجم المشكلة ابتداء من المئات من الفتيات ( ومعظمهن في سن الطفولة ) والنساء ممن وقعن في أسر التنظيمات الإرهابية من الأيزيديات في الغالب والقليل جدا من التركمانيات استثمارا لعقلية التنظيم المريضة بكون من يقع في الأسر فهو وماله ملك للمقاتلين " المسلمين " مسيئين بذلك للدين والإنسانية و العالم أجمع لكن باسم الإسلام وهو براء منهم .. ما هو الوضع القانوني والاجتماعي لثمرات هذه الحالات وأقصد بها إنجاب أطفال قد يعرف آباء البعض وقد لا يعرف بسبب البيع المتكرر أو الإهداء واضطرار الأيزيديات السبايا للتنقل المهين من بيت رجل إلى آخر ؟.. إن الحقيقة المرة هو انه لا تتوفر لدى السلطات الحكومية العراقية إحصاءات دقيقة حول الأعداد ما عدا بعض المعلومات القليلة والشهادات المرعبة التي أوردتها بعض الناجيات والهاربات من أسر التنظيم ممن قابلتهن ووثقت شهاداتهن المنظمات الإنسانية كمنظمة " Human Rights Watch" التي تعنى بحقوق الإنسان ومنظمة " Amnesty" أي منظمة العفو الدولية .. وقد وردتني معلومة من ناشطة أيزيدية تعيش في السويد تعلمني انه وفقا لشهادات الناجيات فانه لا يزال هناك ما يقرب الألف من السبايا الأيزيديات الأسيرات من العراقيات سواء ممن هن في العراق أو تم بيعهن في سوريا .
هناك جانب آخر من هذه المأساة وهو زيجات طبيعية لا غبار عليها عقدت بين رجال ونساء ممن وقع تحت حكم التنظيم الإرهابي الذي يرفض إجراء عقود الزواج في المحاكم القضائية الحكومية على أساس أنها باطلة وكافرة وتم الاكتفاء بتوثيق تلك العقود التي تمت في ما يسمى بمحاكم التنظيم الشرعية التي تعقد وفق الشروط والأحكام الشرعية الإسلامية وتسجل بسجلات خاصة وبشهود ولكنها بالمقابل غير معترف بها في المحاكم الرسمية العراقية باعتبارها خارج نطاق سيطرة الدولة وهذه المحاكم قد تتعرض إلى القصف أو الحرق أو الإتلاف أثناء العمليات الحربية ليفقد توثيق مهم لمستقبل الأطفال الناتجين من هكذا زيجات إن لم يكن بعض هذه المحاكم ووثائقها قد تعرض للتلف فعلا .. وعلى صعيد متصل هناك زيجات عقدت بنفس الطريقة لفتيات مع عراقيين متورطين في التنظيم قتل أغلبهم ( أو فقد ) فما سيكون مصير ومستقبل التوثيق لهؤلاء الأطفال ؟

هناك نقطة حساسة جدا وهي احتمال عقد زيجات من فتيات عراقيات لإرهابيين من جنسيات أخرى .. إن المتتبع لما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي سيجد كما هائلا من سباب وقذف ودعوة لإحراق الدنيا مع ردود متشنجة للطرف الآخر عند بحث هذه النقطة .. ترى ما سيكون النشر والرد فيما لو كانت داعش قد احتلت مدنا جنوبية ؟ دعونا ننظر للموضوع كعراقيين يبحثون أزمة وليس كأشخاص يقيمون الدنيا ولا يقعدونها .. بحث المشكلة ووضع الحلول لها مطلوب ولكن ليس من قبلنا نحن أفراد الشعب بسيطي التفكير بل من قبل جهات حكومية مشتركة من باحثين اجتماعيين ومتخصصين قضائيين وأساتذة جامعات .. ستكون هناك حالتان مختلفتان في موضوع السبيات أو المغتصبات .. أمهات سيقررن التخلي عن أطفالهن وهذه الحالة هي الأصعب والأخطر لكون تخلي الأم والمجتمع والدولة أصعب على نفسية الطفل مستقبلا لذا على الدولة أن تتخذ إجراءات مدروسة لتوفير الرعاية لهؤلاء الأطفال لاسيما إن إجراءات الإجهاض "في حال كون الطفل لم يولد بعد" هي إجراءات غير قانونية في العراق .. أما الحالة الثانية وهي الأهون بأن تقرر الأمهات الاحتفاظ بالمواليد مع عدم معرفة الأب الحقيقي فتحتاج أيضا إلى تقديم الدعم للأمهات والأبناء والتعامل معهم من منطلق كونه ضحايا لابد من دمجها في المجتمع .

إن التعامل السلبي المتشنج مع هؤلاء الأطفال والدعوة اللامنطقية لعدم الاعتراف بهم ستجبر هذه الشريحة على الوقوف إلى جانب من يعترف بشرعيتهم وأقصد التنظيمات الإرهابية .. ستكون هذه الشريحة القنابل الموقوتة التي لا يعرف أحد متى ستنفجر .. على الدولة التعامل مع هؤلاء الأطفال على أنهم ضحايا لا ذنب لهم في كل ما حصل وعدم محاربتهم نفسيا واجتماعيا .. هذا الموضوع يذكرني بما فعله المأفون بول بريمر من حل الجيش والمؤسسات العسكرية الذي هلل لقراره الكثير لتجد هذه الشريحة المطرودة نفسها خارج المجتمع منبوذة ومرمية في الشارع بدون رواتب أو امتيازات ولم يتم التعامل معهم كأنهم موظفين حكوميين صرفت أموال طائلة لتأهيلهم وإعدادهم الإعداد الأمثل وإنهم أولا وأخيرا جزء من المجتمع "ماعدا بالطبع من كان سيدان بقضايا جنائية مختلفة" .. ما كانت النتيجة ؟ إن معظم قياديي التنظيم هم هؤلاء الذين نبذهم المجتمع من القياديين والعسكريين السابقين .. لا بد من التعامل العقلاني مع هذه الشرائح ولا سيما من الفتيات ممن تزوجن في ظل التنظيم والتعامل معهن على أساس إنهن ضحايا السبي والإجبار والوضع الجديد ولا يصعب على الجهات الحكومية المتخصصة فرز من هو إرهابي أو إرهابية بعقيدته وإيمانه ..

ستكون تلك الخطوة مهمة جدا إن درست بحذر حيث أن القادم بعد مرحلة داعش سيكون الأخطر على المجتمع حيث سيتقاتل الأخوة الأعداء بعد تجيير كل فئة شعبية مسلحة النصر لها وبالتالي محاولة الاستئثار بالامتيازات على حساب الفئات الأخرى التي ساهمت أيضا بالقتال وتحرير الأرض .. حينها سيضخ داعش قنابله الموقوتة التي أشرت إليها لتفعل فعلها التدميري الإضافي ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفوض الأونروا: إسرائيل رفضت دخولي لغزة للمرة الثانية خلال أس


.. أخبار الساعة | غضب واحتجاجات في تونس بسبب تدفق المهاجرين على




.. الوضع الا?نساني في رفح.. مخاوف متجددة ولا آمل في الحل


.. غزة.. ماذا بعد؟| القادة العسكريون يراكمون الضغوط على نتنياهو




.. احتجاجات متنافسة في الجامعات الأميركية..طلاب مؤيدون لفلسطين