الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهمة الوطني الديموقراطي نضال ضد الاستبداد وتصدٍ للمستعمرينَ الجدد

الحزب الشيوعي السوري

2003 / 2 / 5
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

بعدَ أكثر من عقدٍ من الحصار الخارجي، وعقِبَ عقودٍ طويلةٍ من الحصارِ الداخلي، يدخل الشعب العراقي الآن في تجربةٍ أصعبَ بما لا يقاس وأكثرَ تعقيداً من كل تجاربه الماضية التي مرَّ بها منذ تأسيس الدولة العراقية في 1920 فالهوية والكيان على مفترق طرق.
فهذا الشعب ليس فقط مرشحاً لأن يعاني من مآسي حربٍ أكثر فتكاً وتدميراً من الحربين الماضيتين، ومن حروبٍ أهلية وتقسيماتٍ واقتطاعات إقليمية وكياناتٍ إثنية ومذهبية..، وإنما من ظروف احتلالٍ استعماريٍ أمريكيٍ مباشر للأرض والشعب والدور. هذه هي المخاطر التي تهيمن على الحال العراقية الآن.
فالولايات المتحدة تهدف إلى: الهيمنةِ الكاملة على العراق وثرواتِه النفطية، وتحويلِه إلى القاعدة الأمريكية الرئيسة لتشغيل دومينو السيطرة المباشرة على كل دول المنطقة، وهي تعتبر مثل هذا الإنجاز خطوة حاسمة على طريق إحكام سيطرتها على العالم وتطويق منافسيها المستقبليين في أوراسيا(الصين، روسيا، أوربا، الهند، اليابان..)؛ وإضافة إلى هذه الدوافع الاستراتيجية فحربها العتيدة على العراق تحركها عوامل داخلية أمريكية من أهمها: الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تعوِّل الإدارة الأمريكية على حلها عبر تنشيط الحروب والصناعات العسكرية وعبر التحكم باستثمارات النفط العراقي والهيمنة على منظمة أوبك؛ وبالطبع لا يمكننا هنا أن نغفل دور التيار اليميني المتطرف القوي التأثير على الإدارة الحالية، والمنحاز انحيازاً مطلقاً لإسرائيل والذي يعتبر السيطرة العسكرية الأمريكية على العراق أنها يمكن أن توفر حلاً توراتياً لقضية الشرق الأوسط.
تغطي الولايات المتحدة أهدافها هذه بذريعتين: ذريعة التخلص من أسلحة التدمير الشامل في العراق التي تشكل خطراً على الأمن القومي الأمريكي وأمن حلفائها؛ وذريعة تحرير شعب العراق من النظام الاستبدادي ومساعدته على بناء نظامه الديموقراطي. بكل بساطة يعلن الحكام الأمريكيون أنفسهم محررين للعراق لا غزاة!! ويحملون «الديموقراطية» للعراقيين وليس فقط صواريخَهم ودباباتِهم وطائراتهم وقنابلهم النووية «التكتيكية"!! هذا سلاح أمريكا الإيديولوجي في هذه الحرب. ومما يدعو إلى الأسف أن هذه الإيديولوجيا لم تبق أمريكية أو بريطانية فقط، وإنما يروج لها الآن عدد غير قليل من المعارضين العراقيين، وفي مقدمتهم الذين كانوا أكثر التصاقا بالنظام لفترات طويلة. ولم تقف الأمور عند هذا الحد بالنسبة إلى الديموقراطية الأمريكية المزمع تصديرها لمنطقتنا، فلقد تطوع في حملة تسويقها بعض المثقفين والأكاديميين العرب المعروفين. فهنالك اتجاه الآن يعتقد بأن العرب لن يستطيعوا الانتقال من التخلف إلى الحداثة إلا عبر حملةٍ عسكريةٍ أمريكيةٍ هائلة لا تبقي ولا تذر!!
الوضع العراقي الراهن لا يشكل مفارقة في التاريخ، فدوماً حين كان يتعاظمُ استبداد الطبقة الحاكمة ويزداد نهبها الداخلي، وحين كان يتفاقم ضعفُ الدولة ويستبد اليأس بالناس، يصبح الغزاة على مرمى حجر!! وفي مثل هذه الأحوال التي تتسم بالبؤس على كل المستويات يمكن أن يتنازل الحاكم ويسلِّم كاملَ أوراقه، ويريق كلَ ماء وجهه، فقط من أجل أن يبقى في السلطة؛ ويمكن أن يرى البعض ممن كانوا يوماً ألصقَ الناس بالحاكم أن مصالحَهم تتفق مع مصالح الغازي المحتل؛ ويمكن لبعضٍ آخر أن لا يجدَ غضاضة في أن يسهمَ في «جرِّ عربة قائد الحملة» إلى ساحة مدينته المغزوَّة، ويمكن لآخرين أن يصدِّ قوا أو أن يتوهموا بأن الغزاةَ محرِرين، ويمكن.. ويمكن..ولكن في نهاية المطاف تجد أكثريةُ الشعبِ نفسَها أمامَ تحدي الواقع الذي لا مناصَ من مواجهته، وهو جدل العلاقة بين المحتلِ(الفاعل ) والمحتلِ (المفعول)، جدل مقاومة المغزوين للغزاة بشتى الوسائل وبغض النظر عن فروق ميزان القوى. هذا الجدل ليس عابراً في التاريخ وهو قائم أمامنا اليوم في فلسطين منذ أكثر من نصف قرن. نحن لا نعتقد أن هذا الكلام يدخل في نطاق الإيديولوجيا أو «التبشير» كما يعتبره «الواقعيون جداً»؛ إن الأمريكيين سيخيبون آمال هؤلاء ولن يجلبوا إلينا لا تحريراً ولا ديموقراطية ولا حداثة. فتاريخهم منذ نشأتهم لم يكن هكذا، لا في حدائقهم الخلفية في أميركا اللاتينية ولا في آسيا وأفريقيا.
وبالنسبة إلى مواقف الأنظمة العربية من الحرب المتوقعة على العراق، ففي الواقع هنالك عوامل كثيرة توحد هذه المواقف المتسمة بالخوف والارتباك والتردد وعدم المبادرة وفقدان الفعالية وطغيان اللفظية السياسية عليها واختلاف خطابها المعلن عن خطاب كواليسها. ومن أهم هذه العوامل:
1- افتقاد المجتمعات العربية للحياة السياسية والمجتمع المدني وحصر القرار بالطبقات الحاكمة، وضخامة الفجوة بين الحكام والشعوب، وشمولية الاستبداد والقمع وغياب القانون والصحافة الحرة واستقصاءات الرأي العام؛ إضافة إلى طغيان سياسات النهب وإفقار الشعب المتواصل وتدمير الطبقات الوسطى، وتطويل طوابير المنتظرين أمام السفارات الأمريكية والأوربية والكندية والاسترالية بحثاً عن فرصة العمل ولقمة العيش. وإذا كان هنالك من فروقٍ بين هذا البلد العربي أو ذاك، فهي طفيفة وعاجزة عن منح النظام العربي أية فعالية إزاء الهجمة الخارجية الراهنة.
2- شمولية الاحتلالات وأشباه الاحتلالات في الوطن العربي كله، فإلى جانب الاحتلالات المباشرة، هنالك القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في أماكن كثيرة من الوطن العربي، وهنالك المناورات العسكرية الأمريكية السنوية ونصف السنوية، والمعونات العسكرية والمخابراتية إلى معظم الدول العربية لمساعدتها في مكافحة الإرهاب.
3- خوف الأنظمة العربية من شعوبها أفقدها ظهيرَها الداخلي، وهذا ما جعل خوفها أكبر في هذه الفترة التي تشعر بإمكانية انقلاب ظهيرها الخارجي عليها في اية لحظة إذا اقتضت مصلحته ذلك.
تعيش الأنظمة في هذه الحقبة حلقة مفرغة، فهي حفاظاً على بقائها في السلطة وعلى مصالحها ومنافعها ومواصلة نهبها، تخاف من أن تفسح في المجال لدخول شعوبها المجال السياسي وإسهامها في القرار، ومن جانب آخر تخاف من انفتاح مصائرها على الانهيار والفوضى.
وأما فيما يتعلق بالمواقف السياسية الشعبية العربية، فهي لا تتناسب على الإطلاق مع الأخطار المحدقة بوطننا العربي الآن. وإذا كان افتقار الشعوب العربية للقدرة على صد الأخطار الخارجية، يعود في قسم كبير منه لعوامل ضعف الأنظمة ذاتها، وافتقاد المجتمعات العربية للديموقراطية، فهذا لا يعفي الحركات والأحزاب السياسية العربية من تحمل جزءٍ من المسؤولية عن الوضع العربي الراهن. إذ لم تستطع هذه الحركات والأحزاب السياسية بناءَ معارضات موحدة وقوية في أقطارها على نطاق الوطن العربي، وبكلمة لم تستطع هذه القوى أن توطد الحياة الديموقراطية في داخلها وفيما بينها، ولم تتمكن تحريك الأنظمة قيد أنملة عما هي فيه من تسلط واستبداد ونهب وفساد. فممانعة الأنظمة للإصلاح وعجز المعارضة عن التغيير يجعلان المجتمع والدولة نهباً لتأثير عوامل الخارج بعد أن انتفى تأثير عوامل الداخل.
لكن أي تغيير خارجي بالقوة سرعان ما يتنابذ مع عوامل الداخل تحت وطأة الاحتلال. هذا في رأينا ما يجب أن يحدد مواقف الأحزاب والحركات السياسية والمعارضات العربية الآن. فلا يمكن لأي معارضة أن تحتفظ بوطنيتها وتنخرط في حربٍ أمريكية على العراق.
وإن مقاومة الغازي الأمريكي لا تتعارض مع مقاومة الاستبداد والكفاح من أجل الديموقراطية. فالديموقراطية سمة العصر، ولكنها لا تُمْنَح بل يحوكها ويصوغُها ويصنعُها طلابُها.

الرأى
 نشرة سياسية  يصدرها الحزب الشيوعي السوري
العدد15/تشرين الثاني/ 2003








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جامعة كولومبيا الأميركية تهدّد ب«طرد» الطلاب الذين يحتلّون أ


.. دونالد ترامب يحمل نتنياهو مسؤولية هجمات 7 أكتوبر 2023| #مراس




.. ما تداعيات ومآلات تدخل شرطة نيويورك لفض اعتصام الطلاب داخل ج


.. مظاهرة لأهالي المحتجزين أمام مقر وزارة الدفاع بتل أبيب للمطا




.. الرئيس الأمريكي جو بايدن: سنعمل مع مصر وقطر لضمان التنفيذ ال