الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تظاهرات شارع الداخل

ستار جبار سيبان

2016 / 9 / 7
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


لم نكن نعلم سبب هذا الرتل الطويل من السيارات الصغيرة والكبيرة
التي امتدت على طول الشارع الواصل بين سوق إعريبه في شارع الداخل ومستشفى الچوادر ، سيارات جي أل ، لانگروزر ، مارسيدس ، كل سيارة تقل نفرين من اصحاب الشوارب والبدلات السفاري ، كانت دارنا تقع على هذا الشارع ، وكنت اقف في بابها ، انهم ينظرون اليّ والى كل من يمر شزراً وشرراً ، تتناهى الى اسماعنا اصوات بعض العيارات النارية المتفرقة ، كان ذلك في مساء من بدايات صيف عام 1979 ، نظرات الخوف والرعب على وجوه رجال الأمن بدت واضحة حين بدأت تتعالى اصوات الرصاص ، وبدأوا يصرخون مرعوبين عليّ وعلى الواقفين قرب البيوت المجاورة ( طبوا جوه .. يلا ) ، وأشهروا مسدساتهم باتجاهنا ، واطلقوا رصاصهم فوق رؤوسنا وعلى واجهات البيوت المحاذية للشارع ، ازدادت اعداد المركبات بسيارات اخرى تختلف عن التي كانت متوقفة بالرتل الطويل ، كانت سيارات مكشوفة تحمل جنوداً بزي عسكري مرقط كتب على جوانبها بالخط الكوفي ( القوات الخاصة ) وبيريات ذات لون احمر داكن ، كان الكثير منهم من تقنع بقناع لايبرز منه الا عينيين بارزتين يملأها الحقد والتكبر ، دخلنا بيوتنا على مضض وكان في كل منا ثورة تفور في داخله ، وشعور بفرح خفي لنهاية حزب بغيض ، اصوات الرصاص لاتهدأ ، تمزق صمت المدينة الاجوف احياناً ، وخجولة بعيدة في احيان اخرى ، حتى خبت واختفت ، لم نسمع بعدها سوى بعض اللغط حيث بدأ الناس بالخروج من بيوتهم بعد ما اختفت سيارات الامن ومن يساندها من القوات الاخرى ، تبين فيما بعد بأن سبب تواجد هذه الحشود العسكرية ، هو خروج تظاهرات مناوئة للسلطة من جامع قطاع 49 بقيادة السيد قاسم المبرقع صاحب الجامع ، احتجاجاً على اعتقال السيد محمد باقر الصدر ، وحين بدأ المتظاهرين مسيرتهم من نهاية شارع الداخل متجهين الى حضن المدينة باتجاه سوق عريبه ، تصدى لهم بعض البعثيين المتواجدين هناك ، واطلاق العيارات النارية فوق رؤوسهم لبث الرعب وتفرقتهم ، وقامت إحدى النساء بالدوران بطريقة ذكية موجهة ضربة قاتلة من طبرها التي كانت تخفيه تحت عباءتها على رأس أحد البعثيين الذي فارق الحياة على اثرها ، ولم يخلده سوى مقهى لرگع الطاولي والدومنه قرب فلكة الطابوق يحمل أسمه ( مقهى الشهيد عبد الرحمن موسى عبيد ) ، وعلى اثر هذه الاحداث وبنفس الليلة بدأت حملة الاعتقالات الكبرى ، حيث اصبحت المدينة وليس لها الا المفاجآت باعتقال فلان وفلان وفلانه الذين غيبتهم السجون والمقابر .
في اليوم التالي لحملة الاعتقالات الكبرى التي شنتها قوات الأمن في ساعة متأخرة من ليلة أمس ، كنا نراقب بحذر من وراء النوافذ المظلمة ، حركة رجال بملابس عسكرية ومدنية ، يحملون بنادق ومسدسات ، ويتوسط بين رجلين ، رجل يرتدي دشداشة بلون غامق ، متنقباً كوفية يلف بها وجهه الذي اختفى بين كوفيته وظلام الدربونة ، مشيراً بيمينه الى بيت جارنا ( علي ) ، وهو يهمس للرجلين الذين يتوسطهم ، فما كان من احدهم ان يلتفت خلفه ويشير لأحدهم الذي بادر راكضاً وهو يحمل على كتفه سلما حديدياً واتكأه على جدار البيت المجاور لبيت ( علي ) ، وتسلقه بسرعة محترف ، وتبعه بارتقاءه رجلين اخرين ، هذا مارواه احد معارفي الذين يسكنون الزقاق الذي يلي دارنا المطلة على شارع 60 ، حين التقيت به في صباح اليوم التالي لليلة الاعتقالات ، كان الصباح كئيباً اسود في وجوه المارة ، العيون يملأها الحزن والهم ، ام علي دشر لازمت دارها ولم تخرج منها ولم تفتح دكانها في قطاع 43 كعادتها كل صباح ، بعد ان داهمت بيتها قوات الامن الليلة الماضية بدلالة صاحب الكوفية .
خالد شقيق جواد كاظم لعيبي رأيته هائماً شارد العينين والبال وهو يحدثني عن ليلة اعتقال اخيه جواد الطالب في الصف الرابع في اعدادية الثورة ، وكيف تمكنوا من اعتقاله هو ومجموعة من ابناء وبنات قطاع 44 ، وكان لصاحب الكوفية الملثم دوراً كبيراً يفوق الاجهزة الامنية مجتمعة باعتقال كل مشبوه بالتآمر على الحزب والثورة في جميع قطاعات المدينة .
بعد اكثر من سنة وبعد ان ملّ اهالي المعتقلين البحث عن ابنائهم وطرق ابواب دوائر الامن والفرق الحزبية وابواب المسؤولين والقوادين والعاهرات ، ومقابلات الحجي الذي قال لهم من اخبر عنهم يعرف مكانهم نحن لانعرف مكانهم .
توالت توابيت المعدومين تصل الى دوائر الأمن وبدورها تستدعي احد ذوي المعدوم باستلام التابوت الذي كتب عليه بخط عريض ( خائن ) ، مهددين ومتوعدين إياه بعدم نصب مجلس عزاء او الصراخ والبكاء بصوت عال ، ودفع مبلغ الرصاصات التي اطلقت على ولدهم لقطع سني حياته التي كتبها الله له .
الكثير من اهالي المعتقلين ، لم يفقدوا الأمل ببقاء ابنائهم احياء في زنزانات السلطة ، وسيطلق سراحهم الحاكم في نزوة من نزواته ، او حين يدحرجه القدر من عرشه ويهوي به الى مزابل النسيان .
بعد سقوط الصنم عام 2003 شاهدت احدهم يحمل كيساً على صدره يحتضنه بكلتا يديه ، بعد ان نزل من سيارة الاجرة الصغيرة ، وهو يتمتم بكلمات تشبه الى حد ما ترتيل ايات من قرآن او غناء بطور سيد محمد ، ولايمكنه مسح دموع سالت على لحيته البيضاء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا