الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومات الغرب باعثة الإرهاب

مصطفى مجدي الجمال

2016 / 9 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


قال لي صديق الليبرالي (اليساري/ الناصري سابقًا) : لماذا توجه كل اتهاماتك، فيما يتعلق بأدران وكوارث الوطن، إلى الخارج والتاريخ الاستعماري؟ وأضاف: هذا كلام جامد وقديم ولا علاقة له بالواقع.

جدير بالذكر أن صديقي هذا منغرس عن اقتناع في أنشطة المنظمات الحقوقية منذ سنوات، ولا يتوقف عن عقد ندوات للتدريب على "الديمقراطية" بتمويل غربي طبعًا.

قلت : بالطبع يلعب العامل الاستعماري والاستعماري الجديد دورًا مهمًا، بل إن الكثير من العوامل الداخلية على تلك الكوارث كانت بإيعاز ودعم من الخارج، إلى جانب بواعثها الداخلية المحض طبعًا.

خذ مثلاً ظاهرة الإرهاب. لن أكرر لك ما نعرفه بالتأكيد عن دور الاستعمار البريطاني في تنصيب ودعم الممالك الخليجية، وهي نموذج في التخلف والقبلية والطائفية والاستبداد ونهب الأسر الحاكمة للمال العام ودعمها لكل النظم والحركات الرجعية في الإقليم والعالم بأكمله. سأذكرك فقط بأن جذور الإرهاب الحالي ترجع إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية وخروج الاتحاد السوفيتي منتصرًا بل وتمدد نفوذه في أوربا الشرقية وآسيا وحتى في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، لتبدأ الحرب الباردة.

في البداية سعت الإمبريالية العالمية إلى توظيف الحركات القومية في العالم الثالث ضد التمدد الشيوعي/ الأممي، لكن هذه المحاولة سرعان ما وأدها التطور الطبيعي لكثير من الحركات الوطنية ضد الغرب ككل (بنهج وطني راديكالي وتأسيس حركة عدم الانحياز)، بل وضد المنظومة الرأسمالية نفسها في بعض الحالات. فلم يكن أمام الإمبريالية منذ هجوم اليمين الموغل في الرجعية على السلطة في أمريكا وأوربا (ريجان وتاتشر وكول..) إلا أن تبحث عن أدوات جديدة، واستقرت أبحاث مراكزها البحثية على الإسلام السياسي.

وكان تدخل الاتحاد السوفيتي في أفغانستان هو الثغرة التي نفذ منها المخطط الجهنمي. فتكفلت نظم واستخبارات السعودية ومصر وباكستان والأردن أساسًا بتوفير المال والسلاح والأفراد والتدريب للمقاتلين الجهاديين. وكانت الحملة الحكومية في مصر لإنقاذ أفغانستان متناغمة مع حملة الإخوان والسلفيين وحتى الليبراليين، في الإعلام والمعاهد وأماكن العبادة. كما رأت دوائر أمنية مصرية فوائد خاصة في تصدير (التخلص من) المتطرفين إلى أفغانستان، مع قبض الأثمان من الغرب دعمًا ماليًا وسياسيًا.

ولكن خانهم ذكاؤهم فلم يتوقعوا أن يتسبب هذا في التطور التنظيمي الرهيب اللاحق للجماعات الإرهابية والخبرات الكبيرة التي اكتسبتها من الأنشطة الإرهابية، ومصادر التمويل الهائلة التي انفتحت أمامها كمغارة على بابا. كما لم يتوقعوا إلى أين يمكن أن يذهب هؤلاء بعد انتهاء المرحلة الأفغانية، حيث عادوا بالفعل إلى بلدان المنشأ، حتى وإن جرى استخدامهم مرحليًا في عمليات مثل البوسنة وغيرها. كذلك أصبحت العواصم الأوربية ملجأ مريحًا لكثير من الزعامات الجهادية والدعوية على السواء بدعوى الديمقراطية وحقوق اللاجئين، بل إن تلك العواصم لم تتورع عن استخدام جزئي لهذه الأدوات ضد النظم التابعة للغرب نفسها، بهدف انتزاع المزيد من "التنازلات" وربما للمساعدة في المزيد من تفكيك وإضعاف ما هو مفكك وضعيف أصلاً.

هكذا استفحل ما يسمى الإسلام الراديكالي الذي بقدر نجاحه في إنهاك القوى الوطنية الديمقراطية والتقدمية المحلية، بقدر ما خرج في بعض الحالات عن المرام منه، إلى حد إيذاء صانعيه ومموليه ومسلحيه. ولعل تنظيم قاعدة الجهاد خير دليل على ذلك، والذي أقدم على ضرب برجي التجارة العالمية والبنتاجون ذاته. فتفتق ذهن المحافظين الجدد (في عهد بوش الابن) عن استخدام ذلك ذريعة لتنفيذ مخطط الاستيلاء بالكامل على نفط العراق. وبعد الغزو تعمد الأمريكان هدم الدولة العراقية وتسريح جيشها الضخم، وكانوا على يقين نسبي (من منطلق الاغترار بقوتهم وعبقريتهم) بإمكانية السيطرة في نهاية الأمر على الجماعات الإرهابية التي ستنشأ نتيجة ذلك بعد أن تؤدي دورها في تدمير العراق والبلدان العربية الأخرى.

لكن المتوالية الهندسية لنمو الجماعات الإرهابية حجمًا وأنواعًا وخبرات فاقت حدود التوقع الاستخباري وأخذت تضرب في الحواضر الغربية ذاتها. ومع ذلك استمر البعض من المخططين في الرهان على "الإسلام المعتدل".. بل ساعدوه أكثر وحاولوا تمكينه من السلطة في بعض البلدان العربية حتى لا ينفلت عقال التمرد الديمقراطي الوطني ويأخذ أبعادًا راديكالية حقيقية، وعلى أمل أن يكون هؤلاء المعتدلون بمثابة "الإسفنجة" التي ستمتص الجماعات الجهادية.. وهذا هو الحال الذي تعاينه الآن..

واستطردت : فهل يمكنك ياصديقي أن تتهمني بالمبالغة في اتهام الحكومات الغربية في جزئية الإرهاب فقط.. ناهيك عن إسناد النظم الدكتاتورية والوحشية الموالية لها، والتدابير الاقتصادية/ الاجتماعية التي تمليها المالية الدولية والتي تتسبب في الفقر الفاحش والبطالة والفساد.. ليضيف المزيد إلى البيئة الحالية المواتية لمزيد ومزيد من الإرهاب والتخلف..

ومن هنا بادرت صاحبي بالقول: لن يمكنك القضاء على الإرهاب بدون الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحفاظ على استقلال الدولة المصرية وملكية القرار الوطني.. وقبل هذا وبعده بالوقوف ضد المنظومة الرأسمالية العالمية ومؤسساتها، وفي مقدمتها النظم الغربية.. ومن ثم لن يكون من المنطقي أن تعقد ندوات ودورات تدريبية وإصدار نشرات بتمويل غربي يجيء بالأساس من ميزانيات الحكومات التي فعلت ببلداننا هذا. وبدون نقد الحكومات الغربية حتى في هذه الأنشطة لن تكون ثمرة جهدك طيبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أنت تبالغ بالفعل!
عبد القادر أنيس ( 2016 / 9 / 8 - 11:55 )
أنا أيضا اراك تبالغ كثيرا في توجيه (كل اتهاماتك، فيما يتعلق بأدران وكوارث الوطن، إلى الخارج والتاريخ الاستعماري).
قناعتي أن الفكر الديني المتخلف وما أفرزه من تشدد وتطرف ثم من إرهاب، مرده أصلا إلى فشل تغلغل قيم الحداثة في أوطاننا، بسبب غياب الحريات وتدني مستوى العقلانية في حياتنا. في تاريخنا البعيد والقريب تحالف الاستبداد دائما مع رجال الدين لمحاربة الفكر الحر باسم المحافظة على الدين وعلى المقدسات عموما. في العصور الإسلامية الأولى (محنة المعتزلة وابن رشد وغيره شاهدة) لعب الدين ورجاله الدور الأبرز في إسناد الحكام ضد ما كانوا ومازالوا ينعتونه بالأفكار الدخيلة الخطيرة على هوياتنا.
في العصر الحديث راحت أفكار الحداثة تشق طريقها، ولو بصعوبة، باسم العقلانية والديمقراطية والحريات المختلفة، لكن، للأسف الشديد، برز، هذه المرة، خصم لدود لها، مع بروز الفكر اليساري المستهين بحقوق الإنسان. كان النموذج السوفييتي قد أوهم نخبنا بأن الخلاص من التخلف ممكن، وكانت قيم الحداثة هي المستهدف الأول باعتبارها قيما برجوازية. وفي هذا جرى تحالف ضمني بين اليسار واليمين الديني ضد أسباب التقدم الحقيقية، وكان ما كان.


2 - فلنراجع موقفنا نحن
محمد البدري ( 2016 / 9 / 8 - 14:32 )
لن اجادلك في تحميل القوي الخارجية المسؤولية فذلك أمر جعجع به زعيم الامة طوال فترة رئاسته حتي نفق في 28 سبتمبر 1970. فلا أمل إذن الا برؤية ما لدينا في ثقافتنا العروبة والاسلامية التي هي صهيونية باكثر مما نتهم به اسرائيل من فساد وانحطاط لا مثيل له شرقا او غربا. فعداؤنا لانفسنا بسبب تلك الهوية الظالمة امر لم يعد السكوت عليه ممكنا

اخر الافلام

.. من يتحمل مسؤولية تأخر التهدئة.. حماس أم نتنياهو؟ | #التاسعة


.. الجيش السوداني: قواتنا كثفت عملياتها لقطع الإمداد عن الدعم ا




.. نشرة إيجاز - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجزيرة


.. -تجربة زواجي الفاشلة جعلتني أفكر في الانتحار-




.. عادات وشعوب | مدينة في الصين تدفع ثمن سياسة -الطفل الواحد-