الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدم السوري و التفاوض الدولي

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2016 / 9 / 8
مواضيع وابحاث سياسية



قد تبدو مفارقة – ربما للوهلة الأولى – أن يعلن البيت الأبيض ان المباحثات الأميركية مع روسيا للتوصل الى اتفاق لوفق اطلاق النار، لم يحقق اي نتيجة حتى الآن. لكن السؤال المهم، هل تريد واشنطن – حقاً – وقف اطلاق النار في سوريا، بالصورة العاجلة التي تقود الى وقف قتل السوريين من جميع الاطراف المتآلبة المتكالبة عليه؟ أم أنها تساوم في الدم السوري كي تحصل على ما تريده بهدوء، وبزمن لا يهمها، كرمى لمصالحها الاستراتيجية في المنطقة، والتى تتبدى اليوم في ان تحقق وجوداً نوعياً أمام حضور روسي أكثر أهمية وفاعلية في المنطقة السورية ؟
ففي الوقت الذي كانت تتواصل فيه المباحثات بين القوتين الأعظمين المتدخلتين في سوريا، كان كل طرف منهما ينشط على الأرض، فيما يشبه السباق الزمني. وجه راتني رسالته الاخيرة الى المعارضة السورية، واعلنت الخارجية الأميركية فشل التوصل الى نتائج في مباحثاتها مع موسكو، غير أن الوزير كيري – صديق الأسدية - ألمح أن الاتفاق سوف يتم لاحقاً، وأن ثمة تفاصيل دبلوماسية حسب موسكو لا بد من انجازها. شئ ما يشبه صراع المافيات في سوريا، سوريا التي لا شئ يشبه تسلط العصابات على مقاديرها من النظام: صبيها، الى قادتها الاميركيين والروس، وأدوات كل منهما على امتداد البقاع السورية المكلومة بكل الكوارث من كل نوع، دون أن يابه احد ما من تلك القوى الدولية والإقليمية، بحجم الخسائر في الأرواح والممتلكات التي يضحي بها السوريون رغما عن أنفسهم حينا، وبإرادتهم من اجل الحرية في أحايين كثيرة، غير أن جسامة التضحيات ما كانت لتصل الى هذا الحد لولا التخلي الدولي عن واجباته تجاه حماية المدنيين والتخفيف عنهم، ودعمهم.
تبدو موسكو شديدة الوضوح في توجهاتها، لمزيد من تدعيم نظام الأسدية في سوريا حتى آخر مدى ممكن، وبكل الوسائل. لكن واشنطن مراوغة الى درجة كبيرة يدفع السوريون ثمنها دماً كثيراً، دون ان يثنيها عن المتاجرة بدماء السوريين الستمائة الف أي شئ حتى الآن. الموقف الأميركي لم يتغير في اللعب الدائم بمصائرنا، ولم يتوقف أيضا عن خلق تعقيدات أشد في الحالة السورية. وكل ما يتسرب من بنود لاتفاق اميركي – روسي، هي ليست اكثر من تزجية وقت ريثما تستطيع الدولتان تقاسم النفوذ وتحقيق كل طرف ما يرنوا اليه خاصة في الشمال السوري، أما ما يتعلق بالنظام الأسدي، فثمة اتفاق واضح لا يحتاج الى المناقشة يقضي باستمرار تأهيله لقيادة مرحلة انتقالية، يتركانها للتفاوض عبر الأمم المتحدة، بعد ان يُنجزان تفاهمهما بشأن سوريا.
نتحدث عن دور اميركي مخادع مرير، لأن واشنطن حتى اليوم لم تبد جدية فعّالة تقود – حقيقة – الى وقف المعارك، وقف القتل اليومي المستمر منذ خمسة اعوام، ولأنها لاتملك القدرة على وقف التدخل الروسي، الذي يستعيد اليوم قدرته العسكرية في مواجهة التحديات على الأرض، نتيجة لغياب أي دعم للمعارضة السورية، يُمكّنها من تثبيت مواقعها على الأرض، اياً تكن القوى العسكرية الممثلة للمعارضة وغيرها المناوئة للتدخل الروسي – الإيراني في سوريا. وهذا ما مكنها من استعادة السيطرة على المواقع التي تم تحريرها في معركة فك الحصار عن حلب، لكي تتبدى المسألة أشد وضوحاً بأنها معركة بين واشنطن وموسكو، ولن توافق الأخيرة، على أية اتفاقيات او تفاهمات ما لم تكن موسكو صاحبة القرار في حلب.
كل منهما يلعب لعبته الدامية في سوريا، وبذلك تستمر حالة الصراعات والنزاعات بعيداً عن تحقيق هدف السوريين في الثورة: الحرية و الكرامة.

في الوقت الذي كانت فيه موسكو و واشنطن تتبادلان التصريحات حول التوصل الى اتفاق، من عدمه، كان الطيران الروسي يشن مئات الغارات على حلب ويمكّن لقوات الأسد استعادة فرض الحصار على شرقي المدينة، فيما كانت الولايات المتحدة تواصل لعبتها في تشبيك الخيوط وخلط الأوراق في الشمال السوري، عبر قيام بريت ماكغورك ممثل الولايات المتحدة في التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية - داعش " بزيارة الى المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، على راس وفد أميركي التقى " سياسيين من الإدارة الذاتية الديمقراطية في مقاطعتي الجزيرة وكوباني، وممثلين وقيادات عسكرية من وحدات حماية الشعب الكردي وقوات سوريا الديمقراطية ".
ليس هناك من داعٍ لتأكيد ان الزيارة تستهدف إظهار دعم واشنطن المستمر، في الوقت الذي تتواصل فيه عملية " بركان الفرات ". هذه الزيارة من شأنها أن تؤدي الى مفاعيل غير محمودة أولاها ، إضعاف الحرب ضد داعش، والدفع باتجاه مواجهة محتملة بين الجيش الحرّ وقسد، في سياق التناحر الدولي والإقليمي، في بحر الشهور المقبلة التي تتبدى لنا اكثر سخونة مما سبق، على صعيد السعي المحموم لاغلاق فترة اوباما التي منحت الروس القدرة على التدخل المباشر سياسيا وعسكريا في سوريا، وبالتالي تعطيل كل القوى الداعمة للثورة السورية بشكل أو بآخر.
قبل ما يزيد على ثلاث سنوات، بينت دراسة استقصائية، قامت مراكز دراسات ومؤسسات مجتمع مدني، على أن الحلّ في سورية لن يكون سوى بتدخل قوى خارجية، تضغط على مجمل الأطراف السورية، للجنوح إلى حل سياسي عبر التفاوض. لكن معطيات اليوم توضح تماماً أن الأطراف السورية مجتمعة، لم تعد تملك القرار، ليس لعدم قدرتها، بل لأن الإرادة الدولية تمنع عن السوريين تحقيق غاية الثورة السورية، وأيضاً فإن واشنطن وموسكو تمركزان خيوط الحالة السورية بإيديهما،وتريدان امتلاك كل شئ لوحدهما، بما فيه الاتفاق على الحل في سوريا، فما هو شكل المحاصصة المستقبلية بينهما .. وأي ثمن سوف يستمر السوريون في دفعه ؟
______________________
كاتب سوري
مدير مركز الدراسات المتوسطية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون استهداف سفينتين في البحر الأحمر والمحيط الهن


.. لجنة مكافحة الإرهاب الروسية: انتهاء العملية التي شنت في جمهو




.. مشاهد توثق تبادل إطلاق النار بين الشرطة الروسية ومسلحين بكني


.. مراسل الجزيرة: طائرات الاحتلال تحلق على مسافة قريبة من سواحل




.. الحكومة اللبنانية تنظم جولة لوسائل الإعلام في مطار بيروت