الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سورية ارض الحروب الدائمة

صلاح سليم علي
(Salah Salim Ali)

2016 / 9 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


سورية ارض الحروب الدائمة:

من غريبات الصدف ان تتكرر في سورية ومنذ العهود الغابرة حالة حرب طوائف وجماعات وافدة على ارضها وان تبقى فيها نخبة من اهلها تواجه تلك الجماعات الوافدة محافظة على سورية سورية ضد مفارقات تعصف بها طمعا في ارضها او رغبة في تحقيق انتصارات احدها على الأخرى محولة ارض سورية الى ساحة قتال ليس للسوريين فيها ناقة ولاجمل.. فسورية وبحكم موقعها الجغرافي وجغرافيتها السياسية ومواردها الغنية وما تمتع به شعبها في حضاراته المختلفة من مهارات فنية وحرفية افتقرت اليها العديد من الشعوب والجماعات المجاورة لها، كانت بؤرة استقطاب الأمم المجاورة لها والبعيدة عنها مما جعلها ميدان اعمار ومعارك في الوقت نفسه ومنذ العهود الضاربة في القدم.. فبالإضافة الى مواردها الإقتصادية التي جعلتها سلة خبز مغرية للدول المجاورة لها الطامعة بثرواتها، يضعها موقعها المحوري في قلب الشرقين الأدنى والأوسط في الأهمية نفسها التي تميز العراق في كونها تسيطر على الطرق التجارية الحيوية بين الشرق والغرب على طريقي الحرير والطريق الملكي بين بلاد فارس وحتى الصين شرقا ومنافذ البحر المتوسط البحرية والطريق البري الى مصر وشمالي افريقيا غربا فضلا عن آسيا الصغرى والقارة الأوربية والقفقاس شمالا والطريق العربي المتصل باليمن والساحل الأفريقي جنوبا..كما تروي سوريا جملة من ألأنهار العذبة التي تغذي بساتين الفاكهة والحبوب في كل انحائها هذا الى جانب احتضان سورية لتنوع هائل في بيئاتها الطبيعية التي تتباين من الجبال الى الصحاري فالساحل المزدان بالجزر والموانيء الكبرى.. فالحياة المدنية جعلت سورية مهادا للحضارة الرافدينية شرقا والفينيقية غربا والآرامية والعربية والنبطية في الوسط واطراف الصحراء..ولم تكن حدود سورية في العهود القديمة مماثلة لحدودها في الوقت الحاضر فقد كانت تشمل بلاد الشام الكبرى التي تتضمن بالإضافة الى لبنان والأردن وجانبا من فلسطين الأراضي الممتدة جنوب الأناضول من الجزيرة وحتى ادنة وتشمل العديد من المدن التي يشكل العرب الغالبية فيها حتى الوقت الحاضر[في الواقع تعد منطقة جنوب شرقي تركيا منطقة آشورية من الناحية الحضارية لحين سيطرة العرب عليها وانتشارهم فيها في اعقاب الفتح الإسلامي غير ان غزو قبائل الغز التركمانية وتمددهم في تلك المنطقة في اعقاب الحكم السلجوقي وخلاله رجح كفة التركمان سكانيا لحين العهود الأخيرة من الحكم العثماني حيث شهدت المنطقة تمددا اثنيا آخر تمثل ببدو الفرس الأكراد الذين وظفهم الأتراك لإستئصال وإزاحة ألآشوريين والأرمن والعرب من السكان الأصليين للمناطق المذكورة واحتلال مدنهم وقصباتهم مشكلين بذلك اكثرية سكانية على حساب العرب والآشوريين وثلة من الترك الغرباء على المنطقة]..

وفي متابعتنا لمراحل الصراع بين الدول حول سورية على ارضها منذ العهود القديمة نسجل لأولى المواجهات بين الحيثيين [وهم جماعة هندوربية] الذين يحكمون من عاصمتهم حاتوشا بالقرب من انقرة حاليا والميتانيين [جماعة هندوربية] التابعين لهم في المراحل الأولى من جهة وفراعنة مصر من جهة ثانية، فقد سيطر الحيثيون على حلب منذ عام 1600 ق.م. وفي عام 1344 ق.م. قام الملك الحيثي سوبلي اولومس الأول بهجوم على العاصمة الميتانية "ووشوكاني" وعين ارتاتاما الثاني ملكا تابعا له فيها. وفي الفترة الممتدة بين 1322-1322 ق.م. قام الحيثيون بقيادة ملكهم سوبلي اولومس ألأول بغزو سورية، مما مهد لسلسلة من المواجهات العسكرية بين فراعنة مصر والحيثيين للسيطرة على شمالي سورية..حيث كانت مصر قد حافظت على مدن مهمة في سورية وعينت حكام موالين لها عليها بينما ضمنت ولاء حكام فينيقيين وعموريين في مدن أخرى كمدن قاديش وأمورو [اسم مدينة ومملكة وجماعة سامية اسست لممالك عديدة في سورية والعراق اهمها قطنة ويمحاض "حلب" والأمبراطورية الآشورية الأولى على حوض الخابور والسلالة العمورية في بابل وابرز ملوكها حمورابي]، وبيبلوس [جبلة] واوغاريت..فكانت بداية الهيمنة الحيثية فاتحة المواجهات بين مصر والحيثيين على سورية وبخاصة مدن الشمال والساحل السوريين بينما اتخذ الحكام المحليين مواقف متذبذبة من الولاءات والولاءات المضادة خدمة لمصالحهم وحفاظا على سلالاتهم الحاكمة، واستمر الحال على هذا المنوال لحين المواجهة الحاسمة بين مواتيللي الثاني ملك الحيثيين والفرعون المصري رمسيس الثاني عام 1274 ق.م. في معركة قاديش [تعني قدس او مقدس في الأكدية والفينيقية والآرامية] وتقع في موقع تل نبي مند بالقرب من حمص [وقد تحالف مع الحيثيين اتباعهم في سورية والأناضول حكام قاديش وحلب وقرقميش "جرابلس" واوغاريت وحلب وملك ميتاني ستورا]، وتمخضت المعركة عن معاهدة سلم استمرت حتى سقوط الأمبراطورية الحيثية، وبداية المرحلة الثانية من اصطراع القوى على الأرض السورية.. ولابد في هذا الصدد من الإشارة الى الصراع الجانبي على منطقة الخابور وجنوبي الأناضول بين سلالة الملك سرجون الأول او سرجون الأكدي للفترة بين 2334 و2218 ق.م. سواء مع الميتانيين والحيثيين ..حيث امتد النفوذ الأكدي عبر الخابور حتى ايبلا [تل مرديخ] التي قام حفيد ابن سرجون الأكدي نيرام سين بغزوها بعد ان بسط نفوذه دبلوماسيا على اوركيش بطريق المصاهرة [زوج نرام سين ابنته تار آم أكادا "وتعني احب أكد" لملك أوركيش"تل موزان" ريئيم أتال]..

ومع بداية الألف الثاني ق.م. اصبحت منطقة حوض الخابور وتحديدا سخنا [تل ليلان، في محافظة الحسكة العربية السورية"] مقرا لعاصمة الدولة الآشورية شوباط انليل [وتعني بيت الإله إنليل] ثم تمكن شمشي أدد الأول، انطلاقا من عاصمته الجديدة وبعد عقد تحالفات مع حاكم اشنونا [نوزي] في منطقة ديالى، من ضم شمالي العراق وبضمنه آشور ونينوى الى حكمه ثم قام بضم ماري[تل حريري شمال غربي البوكمال] المسيطرة على الطريق التجاري بين الأناضول وبابل الى مملكته مؤسسا من العاصمة السورية أول امبراطورية آشورية، مهدت للسلالة البابلية تحت حكم حمورابي الأول ومن بعده للسلالات الآشورية القوية التي ظهرت في أواخر الألف الثاني والألف الأول قبل الميلاد..

غير ان اكبر التدخلات في سورية وما اعقبها من حروب في العهود القديمة حدثت مع بدء الأمبراطورية الآشورية الوسيطة على عهد آشور ريشيشي الأول وابنه تكلاثبليزر الأول الذي اسس لنمط الغزوات السنوية الاشورية في ثلاث اتجاهات شمالا وشرقا وغربا..وكان الآشوريون يطلقون على بلاد الشام عبارة [عبري نهري] اي الأراضي عبر نهر الفرات، وكان تكلاثبليزر الأول 1114-1076 ق.م. قد عبر النهر باتجاه سورية عدة مرات لمواجهة الخطر الارامي المتزايد في عهده، وذكر انه في إحدى غزواته تمكن من دحر ستة قبائل من الآراميين عند سفح جبل بشري [جبل يقع الى الغرب من دير الزور والى الجنوب من مدينة الرقة يروى انه الرحم الذي انطلق منه الاراميون]، إلا ان غزوة ناجحة كهذه لم توقف تدفق الآراميين في اتجاه الساحل الفينيقي او حوضي دجلة والفرات او حوض الخابور حتى عهد آخر ملوك الأمبراطورية الآشورية الوسيطة آشوربيل كالا 1073-1056 ق.م. اذ سرعان ما دب الضعف في الدولة الآشورية واستمر لحين ظهور الملك توكولتي نينورتا الثاني وابنه مؤسس الأمبراطورية الاشورية الحديثة آشورناصربال الثاني 883-859 ق.م. الذي تمكن وابنه الملك شلمنصر الثالث 858-824 ق.م. من استرجاع قوة الأمبراطورية الآشورية وتوسيعها لتشمل اراض جديدة..وكانت اكثر جبهات هذين الملكين اشتعالا الجبهة الغربية حيث تمكن آشورناصربال الثاني من ضم بلاد الشام بأكمها تقريبا الى الأمبراطورية الآشورية، وكان على ابنه شلمنصر الثالث التعامل مع اقوى تحالف للممالك الغربية في شمالي سورية وجنوبيها في مواجهة تعرف بمعركة قرقر وهي أحدى اكبر المعارك التي دارت رحاها على ارض سورية:
وكان التحالف في حقيقة الأمر تحالفين اولهما تحالف شمالي سورية ويعرف بتحالف سمعل وباتينو
[وباتينو هي عنقي وعاصمتها كينالو في أعالي نهر العاصي وتقع حاليا في تركيا وموقعها يعرف بتل تيانات] ويضم التحالف الشمالي:[ حيانو حاكم سمعل "زنجيرلي"، وسبلولمي حاكم باتينا واخوني رئيس التجمع الارامي لبيت آديني، وسنجارا حاكم قرقميش ]،وتحالف جنوبي سورية ويعرف بتحالف دمشق وحماة ويضم [ حدد ايدير حاكم دمشق وايرحلوني حاكم حماة وهما المدينتين في قيادة التحالف ثم آخاب ملك اسرائيل وجنديبو العربي [ويعرف ايضا بجندب الذي اسهم الى التحالف الشامي بألف جمل مع مقاتلين بعددها] وبيبلوس "جبلة الفينيقية" ومصر ومتينو بعل حاكم ارواد وارقنتو واوسنتو وأدونو بعل من شنوا وبآسا من بيت رحبي والعمانيين "من عمان الأردنية"..ويختلف عدد الملوك في النصوص الآشورية المختلفة التي ورد فيها ذكر التحالف كما يختلف رقم القتلى فيتراوح بين 14.000 و 20.000 الى 25.000 ف 29.000 ..والغريب ان هذه القوى المتحالفة كانت في حال من التنافس والإحتراب فيما بينها قبل التحالف غير ان الذعر من الآشوريين وطبيعة الدمار الذي يلحقونه بخصومهم دعى هؤلاء الأعداء الى دفن الخلافات فيما بينهم والتحالف في مواجهة خصم وبيل لايعرف الرحمة..
وفي النص الآشوري للملك شلمنصر الثالث كما ورد في مسلته التي عثر عليها في اوجتبة التي تعرف بدمدموزا في النصوص الآشورية يصف الملك التحالف ونتيجة المعركة:

(في سنة دايان آشور [جرت العادة على اعطاء السنوات التي يمضيها الملوك الاشوريين في الحكم اسماء قادة او شخصيات مهمة في البلاط واحيانا اسم معركة او حادثة مهمة وتسمى هذه القائمة وهي نوع من الروزنامات السنوية بقائمة الليمو] وفي اليوم الرابع عشر من شهر أيار " عام 853 ق.م. غادرت نينوى [كانت العاصمة ألآشورية آنذاك كالخو اي النمرود وليست نينوى ولكن هذا النص يؤكد انها كانت مدينة عامرة او نقطة سوقية مهمة تتضمن معسكرات تدريب واسطبلات خيل وترسانات اسلحة قبل ان يحولها سنحاريب لاحقا الى عاصمة الامبراطورية الآشورية] وعبرت دجلة واقتربت من مدن خيامو [سم حاكم لعدة مدن في حوض نهر بليخ السوري وتكثر في حوض البليخ التلال الأثرية حاليا ومنها ما تم تنقيبها كتل اسود وتل البيعة عند التقاء البليخ بالفرات وتل جويرة وتل حمام التركمان وتل الصبي الأبيض وتل زيدان بالقرب من الرقة وتل سمعان وغيرها..] فامتلكهم الذعر من هيبة سيادتي وهول اسلحتي المخيفة فعمد نبلاء الحاكم خيامو الى قتله باسلحتهم، عندها دخلت الى كيتالا وتل شا مراحي [قصبتين لم يحدد موقعهما بعد] فجلبت آلهتي الى قصره [يقصد نماذج لآشور وغيره من ألآلهة ألآشورية] واقمت مأدبة، ثم فتحت خزائنه ورأيت ثروته وامتعته وممتلكاته وتلك جلبتها الى مدينتي آشور..وتحركت من كيتالا واقتربت من كار شلمنصر [قلعة حصينة في الجي في تركيا تعرف بقلعة الروم وكان شلمنصر الثالث هو من شيدها وأطلق عليها اسمه].وعبرت الفرات على جرب "منفوخة" من جلد الأجداء وكان عبوري الفرات للمرة الثانية في وقت فيضانه..فاستلمت على تلك الضفة من الفرات من سنجارا حاكم قرقميش وكونداشبي حاكم كموح "كموجين" ومن آرام ابن كوزي ومن لالي الميليدي "من ملاطيا"، ومن حياني ابن جهاري ومن كلبارودا الحاتيني [يقصد بحاتينا باتينا التي تعرف بعنقي اي وادي عاموق في سورية] ومن كالبارودا حاكم قرقم فضة وذهبا ونحاسا وأواني نحاسية وفي أينا آشور اوتير اشباط [اسم مدينة او قصبة] على تلك الضفة من الفرات، وفي نهر الساجور الذي يسميه اهل حاتي بيترو هناك استلمتها "الأتاوات"..ثم غادرت المكان واقتربت من حلمان "حلب" فغلبهم الخوف على مواجهتي فركعوا عند اقدامي واستلمت فضة وذهبا اتاوة منهم وفي حلب قدمت أضاحي الى الإله أدد.. واقتربت من مدينة ايرحلوني الحماتي [حاكم حماة] واستوليت على مدنه الملكية أدينو وبارجا وأرغانا [يقصد قصبات في الأرجح او قرى قريبة من حماة]، واستوليت على غنائمه وممتلكاته وعائدات قصوره واحرقت قصوره ثم غادرت ارغانا واتجهت الى قرقر مدينته الملكية التي دمرتها وخربتها واحرقتها بالنار..وكانت هناك 1200 عربة و1200 من الخيالة و20.000 جندي لحدد ازير "أو أيدير"الآرامي [حاكم دمشق]، و700 عربة و700 من الخيالة و 10.000 جندي لأرحوليني حاكم حماة، و 2000 عربة [يرجح عدد من الدارسين اليهود ان العدد كان 200 عربة] و10.000 جندي لآخاب الإسرائيلي [هذه اول مرة تذكر اسرائيل في نص قديم]، و500 جندي من الكويان و1000 جندي من المصريين، و10 عربات و10.000 جندي من الأركاناتيين و 200 جندي من ماتينوباايل الأروادي، و200 جندي اوسانتي، و30 عربة و[....] جندي من ادونو بائيل الشياني، و1000 جمل لجنديبو العربي و[....] جندي لبآسا ابن روهوبي العماني..هؤلاء الملوك الأثنا عشر جلبهم لدعمه في القتال والمعركة فوقفوا كلهم ضدي..لكن ثقتي بجبروت إلهي المعظم آشور إلهي الذي منحني اياها والأسلحة الجبارة التي قدمها لي نركال الذي يتقدم صفوف المعركة، خضت المعركة معهم..فدحرتهم من قرقر وحتى مدينة كيلزو..فذبحت بالسيف 14.000 من محاربيهم، [وفي نص آخر 20.000] ..ومثل أدد أمطرت عليهم الدمار، فتبعثرت جثامينهم في كل الأنحاء وملأت [غطت] وجه الحقول الجرداء حيث امتدت جيوشهم الكبيرة..وباسلحتي جعلت دمائهم تجري في وديان الأرض..وكان السهل صغيرا على استيعاب جثامينهم فدفنت في الريف الواسع..وانتشرت جثثهم في الأرانتو "نهر العاصي" و كأنها جسرا..في تلك المعركة اخذت منهم عرباتهم واخذت الخيول من فرسانهم..واخضعتهم لنير العبودية) ..

وباستثناء عدد من الحروب قصيرة الأمد حدثت على ارض سورية كالمواجهة بين آخر الملوك الآشوريين وحليفه المصري ضد الميديين والبابليين في اعقاب سقوط نينوى عام 614 ق.م. والحروب المحدودة بين خلفاء الأسكندر المقدوني في الحكم على مصر البطالمة واسرة انتيخوس ملك انطاكية وهي من السلوقيين ايضا والتي دارت رحاها في بلاد الشام بعد محاولة البطالمة الهيمنة على سورية بهدف توحيد امبراطورية الأسكندر المقدوني..لم تحدث في الفترة المذكورة مواجهات عسكرية كبرى في سورية فنكون بذلك قد وصلنا الى نهاية تاريخ ماقبل الميلاد الذي تزامن مع ظهور قوتين كبريين في العالم القديم اتخذتا من سورية ميدانا لمواجهات عديدة بينهما هما الأمبراطورية الفارسية على العهدين الفرثي والساساني من جهة والأمبراطورية الرومانية التي استورثت امبراطورية الأسكندر المقدوني في الشرق الأدنى باستثناء الهضبة الأيرانية وشرقي العراق الذي كان تحت السيطرة الفارسية..وكانت سورية ميدانا للعديد من المعارك والمواجهات المدمرة بين القوتين حيث وجد الفرس في نقل المعركة الى سورية التي كانت مقاطعة رومانية فائدة ستراتيجية في تجنيب الداخل الأيراني وبضمنه عاصمتهم في المدائن العراقية الات الحصار وحرب المدن التي تتفوق فيها روما على الفرس من جهة فضلا عن تكثيف الخسائر البشرية والحاق دمار اكبر في المدن والقصبات الرومانية في سورية كدورا يوريبوس وانطاكية العاصمة الأقليمية في سورية لروما..هذا علاوة على يسر التحرك التكتيكي في اراضي سورية مقارنة بمنطقة زاكروس، وعبر الفرات وبخاصة ازاء اعتماد الجيش الفرثي والساساني من بعده على الخيالة والمشاة [ تتميز حروب الفرس منذ العهود القديمة وحتى الحرب الأخيرة التي انتصر فيها العراق بالأعتماد على الكثرة العددية للمشاة] هذا الى جانب عدم امكانية نقل الأفيال [التي حصلت عليها ايران من وادي السند] او تسييرها لمسافات طويلة عبر الفرات مما حصر توظيفها على المعارك الدفاعية كما في حالات الهجوم الروماني على طيسفون او خلال معركة القادسية مع العرب..

وقد ورث العرب المواجهات في الثغور السورية الشمالية ضد الروم البيزنطيين، ولعل اقوى المعارك التي جرت بين الجانبين كانت فتح عمورية في قلب الأناضول وضمن مجال السيادة العربية على عهد المعتصم العباسي..لنصل الى مرحلة حاسمة في تاريخ النزاعات المسلحة على ارض سورية متمثلة هذه المرة بالحروب الصليبية..

وتلك مرحلة تماثل في تفاصيل كثيرة الحال التي صارت اليها المنطقة العربية وبخاصة في قلب الوطن العربي سورية الكبرى او بلاد الشام التي تعرف ببلاد الشمس الطالعة "ليفانت" والتي كانت قبل الإحتلال الصليبي لمناطق واسعة فيها تتألف من سبع ممالك او امارات هي:

أمارة أنطاكية وكان على رأسها الأمير : ياغي سنان
أمارة بيت المقدس وكان على رأسها الأميران : سكمان وايلغازي التركمانيان
أمارة طرابلس وكان يحكمها الأمير : أبو علي فخر الملوك ابن عمار
إمارة شيزر وكان يحكمها الأمير : أبو العساكر سلطان بن منقذ
أمارة أنطاكية وكان يحكمها الأمير : جناح الدولة ابن ملاعب
مملكة حلب وكان على رأسها الملك : رضوان بن تتش
مملكة دمشق وكان على رأسها الملك : دقاق بن تتش

فضلا عن لبنان والأردن وسهل اورفا الذي اغتصبته تركيا مع انطاكية بعيد الحرب العالمية الأولى..

فلما قدم الصليبيون عمدوا الى احتلال القسم الأكبر من الساحل الشامي وأقاموا اربع امارات صليبية تباعا هي امارة أنطاكية وأمارة الرها "اورفا"، وامارة طرابلس وامارة القدس.. وكانت المدن والحصون التي يحكمها المسلمون في حال من الفرقة والتنافر والإختلاف يصل احيانا حد الإقتتال فيما بينها بل والتحالف مع الصليبيين احيانا ضد خصومهم الفعليين اوالمحتملين من المسلمين في احدى الولايات المذكورة آنفا..كما لم تكن حالة الأمصار الإسلامية أفضل من الحال في سورية فقد كان الأمراء السلاجقة في خلاف أحدهم مع ألآخر وكان كبيرهم السلطان مسعود السلجوقي على خلاف حاد مع الخليفة المسترشد العباسي على الرغم من افتقار الأخير الى السيادة وتحكم الأمراء الترك في شؤون الخلافة في وقت سيطر الأتابكة على معظم الحواضر المشرقية التي كانت بيد السلاجقة وكان اقواهم اتابكة الموصل والشام..بينما كان التنافس على اشده بين وزراء العاضد الفاطمي شاور وضرغام بحيث اتجه الأول الى نورالدين محمود يستنصره على خصمه ويعده بجزء من ايرادات مصر وخاطب الثاني الحاكم الصليبي لإمارة القدس يطالبه بالزحف على مصر واحتلالها نكاية بخصمه..والى جانب الكيانات الظاهرة كانت هناك جماعات تعمل في السر وتؤثر على المشهد السياسي والعسكري والمدني بشكل واضح في تلك الفترة وأكثر تلك الجماعات ارهابيو الحركة النزارية الإسماعيلية المعروفة بالحشاشين بفرعيها الشرقي في ايران والغربي في بلاد الشام وكانت الجماعة الإرهابية في سورية بزعامة رشيد الدين بن سنان المعروف بشيخ الربوة او شيخ الجبل ومن مساعديه الفارسيين بهرام الأسترابادي والداعي اسماعيل الفارسي.. وقد نجح هؤلاء الحشاشون باستمالة والي حلب السلجوقي رضوان بن تتش الى مذهبهم، فكان يوجههم لإغتيال خصومه ويتوسط للأمراء الصليبيين عندهم لإغتيال خصومهم ومن قلاعهم في سورية قلعة بانياس و حصن قدموس وحصن مصياف[كان هذا الحصن عائدا لمولى من موالي عائلة ابن منقذ لكن الحشاشيين انتهزوا الدمار الذي احدثه زلزال في المنطقة فأصاب العديد من الحصون وخرب اسوارها فتسللوا الى حصن مصياف وقتلوا مولى اسرة ابن منقذ واستباحوا الحصن لأنفسهم] وحصن الكهف والخوابي، والمنيقة، والقليعة..وقد ناصبوا الزنكيين العداء وحاولوا اغتيال قادتهم أكثر من مرة..كما هاجموا حصونا عربية مقاومة للصليبيين والإسماعيلية في الوقت نفسه كحصن شيزر الذي يملكه والد الفارس العربي وصاحب كتاب الإعتبار الشهير أسامة بن منقذ..وكان الحشاشون يشكلون خطرا شخصيا حقيقيا على القادة والزعماء السياسيين كافة، وذلك لتجنيدهم الفدائيين الذين يستعدون للموت في تنفيذ اوامر شيخهم، اما طريقتهم في ذلك فتعتمد الأغتيال بطريق الخناجر المسمومة، فكانوا يتنكرون ويبتكرون وسائل واساليب شتى للوصول الى اهدافهم المحددة فكان اول ضحاياهم وزير الملك السلجوقي ملك شاه نظام الملك الذي اغتيل خلال تناوله الغذاء وهو في طريقه الى بغداد عام 1092..وفي سورية ومصر تنوعت اهدافهم لتشمل الأمراء والقادة والملوك بلاتمييز بين زنكي وايوبي وفاطمي وصليبي وسلجوقي..وكانوا يختارون اوقات محددة للإغتيال كاوقات الصلاة او تناول الغداء أو النوم وغيرها عندما تكون الضحية آمنة مطمأنة تماما من الخطر..ومن ضحاياهم على سبيل المثال لاالحصر جناح الدولة حاكم مدينة حمص في اثناء صلاة الجمعة، وابن البديع صاحب شرطة حلب عام 1119 وبوري بن ظاهرالدين طغتكين حاكم حلب السلجوقي عام 1131، و شهاب الدين ابن العجمي وزير الملك الصالح الزنكي في حلب سنة عام 1117، وحاكم حماة خال صلاح الدين الأيوبي شهاب الدين محمود بن تكش الحارمي، وفي مصر قاموا باغتيال الأفضل قائد الجيوش الفاطمية عام 1121، والحقوه بالخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله عام 1130، كما اغتالوا اميرا من بانياس اسمه براق بن جندل وقاموا بمحاولتين فاشلتين لإغتيال صلاح الدين الأيوبي نفسه عام 1175. ولم يسلم الصليبيون من اغتيالات الحشاشين حيث قاموا باغتيال المركيز كونراد منتفيرادو ملك القدس عام 1211 وريموند بن بوهمند الرابع حاكم مدينة انطاكية عام 1213 في كنيسة بمدينة طرطوس..وقد تنكر الحشاشون في الإغتيالين الأخيرين بزي رهبان..وتختلف المصادر حول اغتيال الحشاشين لقطب الدين مودود والي الموصل ابن عماد الدين زنكي خلال حملة اسناد قام بها لدمشق عام 1113 من عدمها..

غير ان الأسلوب الإرهابي الذي تنتهجه العصابات الإجرامية المعاصرة لم يكن غريبا او جديدا على الأراضي السورية كما يتبين من حركة الحشاشين المتزامنة مع الغزو الصليبي لبلاد الشام..
ونحن في مقارنة النزاعات القائمة اليوم في البلدان الإسلامية والعربية بصورة عامة وفي سورية بوجه خاص من جهة والنزاعات التي كانت قائمة في المناطق نفسها على زمن الحروب الصليبية التي استغرقت اكثر من قرنين، نلاحظ تماثلا بين اطراف النزاع في الزمنين مع اختلاف التسميات وحجوم القوى المتنازعة وتشكيلاتها: فالخلافة العباسية في بغداد كانت فاقدة للسيادة وخاضعة لإرادة الترك بينما يفتك في الشارع العراقي العيارون وقطاع الطرق واليوم نرى العاصمة العراقية بغداد مغلوبة على امرها فاقدة للسيادة يتحكم بارادتها الفرس والأكراد ويهيمن الأميركان على الجميع بينما يتعرض الشارع العراقي الى طائفة عريضة من الإعتداءات تسببت بضياع الأمن واستشراء الفساد وهيمنة اللصوص وقطاع الطرق من كل نوع..وفي مصر تتنازع السلطتين الدينية والعلمانية العسكرية السلطة بينما ينتشر الفقر والعوز في الشارع المصري تماما كما كان الوضع على العهد الفاطمي حيث تنازع الفاطميون والمماليك على السلطة وشق السودان عصا الطاعة كما كانت مصر احدى جبهات المواجهة مع الصليبيين في حملاتهم اللاحقة..وعندما نأتي الى سورية نرى ان السلاجقة تمثلهم تركيا المعاصرة في صراعهم مع الأطراف كلها طمعا بأراض تنتزعها من اصحابها الشرعيين..وتقابل الصليبيون وتشكيلاتهم الدائمية من الداوية والإسبتارية والتوتون في الوقت الحاضر القوى الغربية التي تسعى للمحافظة على مصالحها مع الأطراف المحلية المختلفة..بينما يمثل للسنة بالزنكيين والأيوبيين الذين واجهوا الجميع حفاظا على مشروعية الدولة التاريخية واستمرارها يقف الى جانبهم امراء عرب كامراء شيزر..وكما تواجد الأكراد في الجهات والجبهات كلها على عهد الغزو الصليبي، تواجدو في الحرب الحديثة على جبهات مختلفة..وكان الصليبيون قد وظفوا مرتزقة من التركمان يعرفون بالتركمانبولية الى جانبهم ضد المسلمين، تحالف تركمان سورية مع قوة معادية غاصبة هي تركيا التي تمثل الأجنبي وبذلك تلعب انقرة الدور الذي لعبته القسطنطينية نفسه أبان الحروب الصليبية..وفي الوقت الذي ارسلت حكومة العراق قوة للدفاع عن مقامات الشيعة في دمشق، ارسلت مدن العراق السني على عهد الحروب الصليبية قوة تتالف من 10.000 فارس اطلق عليها النبوية وهي طائفة معادية للشيعة استهدفت مقرات الإسماعيلية في سورية في الباب والبوزعة وتمكنوا من قتل آلاف الإسماعيليين..مما يعكس الأدوار بين الزمنين لكن الجبهة واحدة والقتال واحد..ويقابل النصيرية والإسماعيلية على عهد الغزو الصليبي، جماعة حزب الله والمتطوعين الأيرانيين الذين يقاتلون الى جانب حلفائهم في سورية ضد جماعات مختلفة..وعلى الرغم من اختلاف الحشاشية عن داعش في توجههم المذهبي والعقائدي هناك تماثل في الممارسات وفي التكفير والتحجر العقائدي بين الطرفين غير ان الحشاشية تختلف من حيث السرية وتحديد الأهداف بينما تتجاوز داعش الإعتبارات الإخلاقية كلها فتتلف الحرث والنسل وتدمر الحجر والبشر مجاهرة وبصلافة باجرامها..مما يضعها خارج نطاقي التاريخ والمقارنة مع اية نظائر في الماضي،والأقرب اليها في الواقع المغول الذين اختلفوا في كونهم وثنيين بلا عقيدة..مما يجعل من داعش ظاهرة فريدة تقع خارج التاريخ تماما..

وعودا على بدء نلاحظ ان سورية من بين امم الأرض كلها تميزت بحال من استمرار الحروب على ارضها..وماتناولته في الواقع لم اتعنى منه الشمولية ولا أزعمها بل تابعت خطوطا ومراحل تاريخية بعينها دون التفاصيل..مما يفرض جملة من الأسئلة او بالأحرى سؤال واحد كبير: لماذا سورية بالذات هي ارض معارك لقوى اجنبية تدور رحاها على الدوام ومنذ المراحل الغابرة الضاربة في القدم؟ والجواب على ذلك يكمن في جغرافيا سورية وبيئتها الحضارية فسورية أرض مفتوحة في الإتجاهات كلها تحيط بها قوى متحاربة فيمابينها فضلا عن حربها على سورية نفسها..ومالم تكن في قلب سورية دولة قوية بحجم امبراطورية كبرى كالدولة الأموية التي حكمت العالم كله تقريبا من دمشق، تتكالب عليها القوى من وراء الجبال والصحاري والبحار..وهذا ما اوضحته التجربة التاريخية عبر القرون الدامية فمرة هاجمها الفرس وأخرى الحيثيون وطورا فراعنة مصر وآخر قياصرة روما ثم ملوك اوربا..وفي الوقت الحاضر تدور الحرب في الأرض السورية بالوكالة عن قوى اقليمية وعالمية فضلا عن ارادات محلية طامعة..كل هذا وسورية محافظة على قلبها السوري ونبضها الشامي اليعربي ضد قوى الشر والظلام..وفي انتظار انتصارها النهائي لانملك الا ان نرفع ايدينا الى السماء وبصدق عاشق مخلص نصلي..

ملاحظات حول المصادر والصور:

اعتمدت على مصادر عديدة ورقية ورقمية في كتابتي هذه المقالة ابرزها كتاب قاديش 1300 ق.م. صراع الملوك المحاربين لميشيل هيلي، والجيوش العظيمة في العالم القديم لغبريال ريتجارد، وكتاب جيفري كريتركس روما وبلاد فارس في حرب..ومصادر عربية للحروب الصليبية اهمها المجلدين التاسع والعاشر لكتاب الكامل في التاريخ لأبن الأثير الجزري، وكتاب السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي، وكتاب عيون الروضتين في اخبار الدولتين النورية والصلاحية لأبي شامة وأخيرا كتاب الإعتبار لأسامة بن منقذ الذي يقدم صورة واضحة عن احوال سورية وعادات الصليبيين وتحالفاتهم كما يتناول تفاصيل عن الزلزال الذي ضرب سورية وآثاره على حصن شيزر مع تفاصيل عن الداوية [فرسان المعبد] والأسبتارية [فرسان القديس حنا] والحشاشية الإسماعيلية الذين استشرت في بحثي عنهم دراسات عديدة اهمها كتاب برنارد لويس الحشاشين:طائفة اصولية في الإسلام، وكتاب مارشال هوجسون: التنظيم السري للحشاشين، وكتاب بيتر وايلي قلاع الحشاشين، هذا الى جانب العديد من المصادر الرقمية والموسوعات والدراسات التي تناولت سورية في حاضرها وماضيها..

ملاحظات حول المصادر :

اعتمدت على مصادر عديدة ورقية ورقمية في كتابتي هذه المقالة ابرزها كتاب قاديش 1300 ق.م. صراع الملوك المحاربين لميشيل هيلي، والجيوش العظيمة في العالم القديم لغبريال ريتجارد، وكتاب جيفري كريتركس روما وبلاد فارس في حرب..ومصادر عربية للحروب الصليبية اهمها المجلدين التاسع والعاشر لكتاب الكامل في التاريخ لأبن الأثير الجزري، وكتاب السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي، وكتاب عيون الروضتين في اخبار الدولتين النورية والصلاحية لأبي شامة وأخيرا كتاب الإعتبار لأسامة بن منقذ الذي يقدم صورة واضحة عن احوال سورية وعادات الصليبيين وتحالفاتهم كما يتناول تفاصيل عن الزلزال الذي ضرب سورية وآثاره على حصن شيزر مع تفاصيل عن الداوية [فرسان المعبد] والأسبتارية [فرسان القديس حنا] والحشاشية الإسماعيلية الذين استشرت في بحثي عنهم دراسات عديدة اهمها كتاب برنارد لويس الحشاشين:طائفة اصولية في الإسلام، وكتاب مارشال هوجسون: التنظيم السري للحشاشين، وكتاب بيتر وايلي قلاع الحشاشين، هذا الى جانب العديد من المصادر الرقمية والموسوعات والدراسات التي تناولت سورية في حاضرها وماضيها..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض


.. واشنطن وبكين.. وحرب الـ-تيك توك- | #غرفة_الأخبار




.. إسرائيل.. وخيارات التطبيع مع السعودية | #غرفة_الأخبار


.. طلاب بمعهد ماساتشوستس يقيمون خيمة باسم الزميل الشهيد حمزة ال




.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟