الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


باريس ولندن والكيس أبو خمسة قروش

سندس القيسي

2016 / 9 / 8
الصحافة والاعلام


باريس ولندن والكيس أبو خمسة قروش

كنت أشعر باستياء كبير عندما أدفع فوق كل الأرباح التي تصب في أرصدة البنوك التابعة للشركات متعددة الجنسيات، ثمن تكرير أكياس البلاستيك التي توضع البضاعة المشتراة فيها. ويبدو أن هذه عادة حكومية مطبقة في عدد من الدول الأوروبية ومنها فرنسا للحد من استعمال أكياس البلاستيك. لذلك عندما كنت في باريس العام الماضي لطالما انتقدت الكيس أبو خمسة قروش لأَنِّي لم أجد له مبررًا ولا مسوغًا سوى صعوبة تكرير البلاستيك، والذي يستغرق أعوامًا طويلة جدًا لكي يتحلل. فهل هذه سرقة عيني عينك؟ تمامًا مثل الضرائب الباهظة المفروضة على السجائر بحجة منع الناس من التدخين. فأنا لا أعرف أي شخص امتنع عن التدخين بسبب غلاء الضرائب المفروضة على علبة السجائر، التي قد يصل ثمنها إلى عشرة جنيهات استرلينية. مع ذلك تستخدم الحكومة هذه الحجة وتجني من وراء المدخنين ضرائب طائلة! وكيف ستمنع الخمسة قروش الناس من شراء الكيس البلاستيك؟ ولماذا ينبغي أن تخرج هذه الفلوس من جيب المستهلك؟ وكأنما الشركات الكبرى ستفلس بسبب الكيس أبو خمسة قروش. ولم لا تفرض الحكومة على المتاجر العالمية تزويد المستهلكين بأكياس ورق عوضًا عن البلاستيك، كما كان الأمر في بدايات القرن الماضي، زمن الأكياس الورقية. وظللت أبرطم بأن الأمر مختلف في بريطانيا، ويسعد لي بريطانيا وهل هناك مثل بريطانيا في العالم؟ كل هذا بسبب الكيس أبو خمس قروش.

وعندما عدت إلى بريطانيا تسوقت من متجر يعتبر نفسه أخلاقيًّا ورحت أعبئ أغراضي في أكياس البلاستيك بشراهة غير معهودة وكأني كنت في حالة حرمانٍ شديدة! وحملت حاجياتي وذهبت إلى بيتي سالمة غانمة، مغتنمة الأكياس البلاستيكية، التي أكرر استعمالها كأكياس للقاذورات المنزلية ثم أرميها في الصندوق المخصص. وباي باي أيها الكيس البلاستيك. لكن أن أدفع فيك خمسة قروش، فلا وألف لا! وخاصة إذا كانت نهايتك الزبالة! لكن في المرة الثانية التي ذهبت فيها إلى المتجر بعد أيام، فوجئت بموظف الصندوق وهو يسألني: " هل تريدين أكياسًا بلاستيكية؟". ،فسألته مازحة: "لماذا تسألني؟ أم هل أصبحتم مثل فرنسا تتقاضون خمس قروش على الكيس البلاستيك؟" طبعًا أنا كنت متوقعة جوابًا في سياق "بلا هبل، إحنا نعمل زي فرنسا؟" لكن الجواب جاء كالصاعقة: "نعم، سيدتي". فجادلته وقلت له أنا لا أتفق مع المبدأ لأن معالجة وتكرير البلاستيك لا يجب أن يكونا على حساب المواطن. وسألته: " متى تم تطبيق هذا الإجراء؟ " فأوضح لي بأن ذلك تم منذ زمنٍ قريب جدًا. يعني في المرة الأولى دفعت ثمن الأكياس البلاستيك دون أن أدري، لكن هذه المرة، سأشتري كيسًا كبيرًا ومتينًا لكل المرات، لكن علي أن أتذكر جلبه معي عندما أخرج للتسوق. ولن أخضع لابتزاز الشركات الكبرى. وأصبحت كل ما أدخل محالاً تجارية، أشتري أكبر وأمتن وأغلى كيس عندهم. إذ أني كنت أنسى أن أخذ كيسي الذي اشتريته المرة الماضية معي. وصرت أجمع الأكياس الكبيرة المتينة التي نزلت إلى السوق بكثافة، أم الجنيه وأكثر نابذة الكيس أبو الخمس قروش. فهل وقعت في فخ الإستهلاك؟ أم هل تخليت عن استهلاكي للكيس البلاستيكي، المناهض للبيئة والطبيعة؟ شكلي بدال ما أكحلها عميتها! وفي الحالتين، وقعت في الفخ!

وهكذا تحطمت آمالي فور عودتي للندن، فبالأمس الكيس أبو خمسة قروش واليوم الكيس أبو جنية وماذا غدًا؟ والمضحك في الموضوع أنه من غير الجائز للمستهلك بأن يشتري الكيس أبو خمسة قروش لأنه عليه دعاية بإسم المحل. يعني المستهلك بيعمل دعاية مجانية وهو حامل الكيس وفوق ذلك يدفع خمسة قروش على كل كيس. وقد اعترض بعض المستهلكين على ذلك، إلا أنه لم يغير من الأمر شيئًا. والمفارق في الموضوع أن أصحاب المحال الصغيرة يعطونك كيس بلاستيك أزرق مجاني وبدون أي دعاية عليه، حتى أنه أمتن من الكيس أبو خمسة قروش. أين العدل؟ أليست هذه هي الرأسمالية؟ الغني يزيد ثراءً والفقير لا يستطيع اللحاق بالغني! إن خمسة قروش لا يستهان بها، فكم كيس يبيع المتجر كل يوم؟ وكم متجر يوجد في كل مدينة؟ علينا أن نحسبها صح.

هناك أسباب لتسوقنا في المتاجر الكبيرة، فنحن نجد النوعية والسعر الجيدين، ربما أرخص حتى من المتاجر الصغيرة. وهذا له علاقة بالكميات المهولة التي يتاجر بها المتجر الكبير وإمكانياته المادية. لكن هناك طرق للتسوق، نستطيع أن نحد بها من اعتمادنا على المتاجر الكبرى. فهناك العديد من الأسواق الشعبية التي تبيع الخضروات والفواكه الطازجة بكميات وأسعار جيدة. وهناك متاجر اللحم والدواجن والسمك الطازجة والمعقولة الأسعار. قد يتطلب هذا جهدًا. ففي حين أن المتجر الكبير يحتوي على كل شيء في مكانٍ واحد وقد يكون قريبًا من مكان سكنك، إلا أن الأسواق الشعبية قد تكون في مناطق متفرقة وعوضًا عن أن تتسوق في يوم. قد تحتاج إلى أكثر من يومٍ للتسوق. أنا أرى أن الأمر يستحق لأن متعة التسوق في الأسواق الشعبية لا يضاهيها أي متعة. فقد تعرفت مجددًا على سوق جملة للسمك في شرق لندن وإسمه بيرلنغتون، ويفتح في ساعات الصباح الأولى بعد الإنتهاء من الصيد ويقفل بعد عدة ساعات بعد أن يطير السمك وجميع المأكولات البحرية. وهذا سوق سمك رئيسي في لندن، يشتري منه تجار السمك وأصحاب المطاعم، لذلك تجد الأسعار طرية بسعر الجملة. والتسوق فيه في وقتٍ مبكرٍ جدًا من الصباح، ممتعٌ للغاية. وفوق هذا وذاك، الأكياس هنا مجانية ولا تحتاج أن تشتري الواحد بخمسة قروش! ولندعم أصحاب المحال الصغيرة، فلندعم الطبقة العاملة وعائلات المجتمع عوضًا عن الشركات متعددة الجنسيات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ايباخ
فريد جلَو ( 2016 / 9 / 8 - 15:32 )
كلمن صخم وجه وكال انا حداد


2 - اتفق معك جدا
قاسم حسن محاجنة ( 2016 / 9 / 8 - 20:55 )
تحياتي لك

اخر الافلام

.. تحدي الشجاعة داخل نفق مظلم.. مغامرة مثيرة مع خليفة المزروعي


.. الحوثي ينتقد تباطؤ مسار السلام.. والمجلس الرئاسي اليمني يتهم




.. مستوطنون إسرائيليون هاجموا قافلتي مساعدات أردنية في الطريق


.. خفايا الموقف الفرنسي من حرب غزة.. عضو مجلس الشيوخ الفرنسي تو




.. شبكات | ما تفاصيل طعن سائح تركي لشرطي إسرائيلي في القدس؟