الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ي تدبير استراتيجي لمأسسة الأمازيغية بعد ترسيمها في دستور 2011؟ الجزء الثالث: قوة الحجة في مواجهة -سنوات الرصاص الثقافية-

الحسين أيت باحسين

2016 / 9 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


لقد اتسمت، عموما، مرحلة "سنوات الرصاص الثقافية" (1967 – 1994)؛ أي منذ تأسيس أول جمعية ثقافية أمازيغية (الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي) إلى الإعلان، في الخطاب الملكي لسنة 1994، عن إدماج "اللهجات" الأمازيغية في الإعلام وفي التعليم؛ بعنف رمزي شديد ضد مطلب رد الاعتبار للأمازيغية. لكن تجدر الإشارة إلى أن هذا العنف الرمزي ضد الأمازيغ والأمازيغية يجد له جذورا في مراحل سابقة عن هذه الفترة المحددة أعلاه، وإن كان مُقَنَّعا بقضايا وبخطابات وممارسسات تبدو "حقا"، لكنه "حق أريد به باطل". ومن بين مظاهر ذلك العنف الرمزي ما يسمى ب "الظهير البربري" و"قراءة اللطيف" وما شَكَّل "خلفيات الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير والصراع على السلطة أثناء الحماية وبُعَيْد الاستقلال"؛ كما يجد ذلك العنف الرمزي امتدادات له في ما بعد هذه المرحلة؛ لكن على لسان أصوات منعزلة متشبعة إما بأيديولوجية التيار العروبي البعثي أو بالتيار السلفي والإسلاموي الإخواني. ولكن "ظلم ذوي القربى أشد مضاضة" وهم الناطقون بالأمازيغية المنتمون للأحزاب المغربية الموالية للأيديولوجيا العروبية البعثية أو للتنظيمات الإسلاموية التي تبنت أيديولوجيا الإخوان المسلمين أو الموالية للفكر الوهابي. ويجد عنف و"ظلم ذوي القربى ..." مبرره في كونهم يدَّعون أنهم يجمعون بين "شرعيتين": "شرعية" كونهم، أيضا أمازيغ ("حتّا أنا شلح"، "مّي شلحة"، "بّا شلح"، "جدّاتي شلحة"، "جدّي شلح"، إلى آخر غصن شجرة شلحيتهم)؛ و"شرعية" أيديولوجيتهم العروبية البعثية والإسلاموية الإخوانية والوهابة، في مقابل ما يتهمون به الحركة الأمازيغية من حنين العودة بالمجتمع المغربي إلى الوثنية البائدة، أو إلى ما يصبو إليه "الظهير البربري" من تفتيت الوحدة الوطنية وتمزيقها إلى إثنيات وطوائف وتمسيح المغاربة (أن يصبحوا نصارى) وإجهاض وحدة العالم العربي من الخليج إلى المحيط وكذا وحدة العالم الإسلامي.

كان وقع ذلك العنف الرمزي جد قاس على الحركة الثقافية الأمازيغية، خاصة وأنه كان يصدر، في نفس الوقت، من الذين يعملون بوعي من أجل "إبادة اللهجات البربرية" (أي اللغة الأمازيغية)، ومن الذين يحتقرون لغتهم وثقافتهم، بوعي أو بدون وعي، بل وبالاعتقاد أن الانتماء لهوية متأسسة على تلك "اللغة والثقافة"، لا يمكن أن يطعم من جوع ولا أن يسقي "ظمآنا والكأس في يده" !!!

ولقد تجلى ذلك العنف الرمزي الشديد؛ الذي يجد صداه في الحياة العامة وفي وسائل الإعلام الحزبية ذات التوجه العروبي البعثي، وكذا في بعض وسائل الإعلام المستقلة وفي بعض الكتب المدرسية، بل وحتى في وسائل الإعلام العمومي، السمعي منه والسمعي-البصري؛ في ما يلي:
أولا: في كثرة النكث التحقيرية والشتائم والسباب والنعوث التحقيرية التي كانت توجه؛ من جهة للغة والثقافة الأمازيغية، من قبيل: "الشلحة ما هي كلام"، "اللهجات البربرية"، "الفلكلور البربري"، "الثقافة الفلكلورية" وغيرها من المصطلحات التحقيرية التي تسعى لإماتة اللغة الأمازيغية؛ ومن جهة أخرى للحركة الثقافية الأمازيغية، ومن خلالها للعنصر الأمازيغي، من قبيل: "البربر"، "كانوا يسكنون الكهوف ويلبسون الجلود"، "الشلوح"، "شلوح الخنز"، "الكرابز"، "البقالة"، "الشلح الزقرام" وغيرها مما لا يليق ذكره هنا.

ثانيا: في كثرة الاتهامات بالعنصرية وبالانفصال وتشتيت الوحدة، التي تجد لها صدى في وسائل الإعلام الحزبية ذات التوجه العروبي البعثي والإسلاموي السلفي والإخواني وفي كتابات أتباع هذه التيارات الحزبية وتلك التنظيمات الإسلاموية، وكذا من قبل جمعياتها الثقافية وتنظيماتها الاجتماعية والنقابة. وقد كانت هذه الاتهامات تُوجَّه للأفراد كما كانت تُوجَّه للتنظيمات الجمعوية التي تسعى إلى رد الاعتبار للأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة. ولم تسلم حتى بعض الدول المغربية الأمازيغية، التي تأسست قبل دخول القبائل العربية التي تشكل أساس االعنصر العربي داخل المجتمع المغربي (بنو هلال وما ينسحب عليه إسمها من قبائل عربية أخرى مثل بني سليم، بني معقل، بني رياح وبني زغبة، نظرا لشكيمة بني هلال مقارنة مع هذه القبائل)؛ ومن بين تلك الدول الأمازيغية التي تتهم بالعنصرية: دولة برغواطة التي تأسست كرد فعل على عنصرية بني أمية ضد الأمازيغ في شمال إفريقيا عامة وفي الغرب الإسلامي (المغرب والأندلس) خاصة، والتي كانت وراء قيام مفهوم وواقع الشعوبية ثقافيا وسياسيا في عصرها وحتى في ما بعد. ولقد شكل نعث "البرغواطيون الجدد" أقسى اتهام وجه للحركة الثقافية الأمازيغية أثناء انعقاد الدورة الأولى للجامعة الصيفية بأكادير صيف 1980.

ثالثا: في كثرة الاتهامات التخوينية والعمالة لأجندة أجنبية من طرف الخصوم العقائديين عامة ومنتمين إلى أحزاب سياسية ذات توجه عروبي بعثي أو إسلاموي سلفي وإخواني أو وهابي. وهذا الصنف من الاتهامات (التخوينية والعمالة لأجندة أجنبية) تجد جذورها، بصفة خاصة، في توظيف واستغلال "ظهير 16 ماي 1930" وتسميته كذبا ب"الظهير البربري" وما تلى ذلك من تداعياته السياسية وتصفية حسابات حزبية واغتيالات في صفوف المقاومة وجيش التحرير؛ كما تجد جذورا لها في خلفيات وتداعيات "قراءة اللطيف" بمجموعة من مساجد كبريات المدن المغربية، ومن بينها سلا وفاس والرباط ومراكش والدار البيضاء. هذا الظهير الذي لم يتم التخلص من التلويح به؛ في إطار هذه الاتهامات التخوينية والعمالة لأجندة أجنبية كلما حل "16 ماي" من كل سنة ، في كثير من وسائل الإعلام الحزبية وغير الحزبية؛ إلى أن حل حدث مفجع لكل المغاربة يحمل "تاريخ 16 ماي" 2003 في مدينة الدار البيضاء، حيث وقعت سلسلة من الهجمات المتزامنة بالأحزمة الناسفة والتي كانت أسوأ حدث دموي في تاريخ المغرب. لقد كان "16 ماي" قبل هذا الحدث مقرونا بالتلويح بالاتهامات التخوينية والعمالة لأجندة أجنبية ضد الحركة الثقافية الأمازيغية التي لم تلجأ قط إلى وسيلة من وسائل العنف المادي، بل وحتى الرمزي؛ إذ لم يكن سلاحها سوى "قوة الحجة" في مواجهة "حجة القوة". ولقد شكل نعث "حفدة ليوطي" و"الفلكلور البربري في خدمة الظهير البربري" أقسى اتهام للحركة الثقافية الأمازيغية في إطار مختلف الاتهامات التخوينية والعمالة لأجندة أجنبية. هذا في الوقت الذي جعل الأمازيغ؛ إلى جانب كل المغاربة الذين حاربوا المحتل؛ المستعمر، الفرنسي والإسباني معا، لا يهدأ له اطمئنان في تحقيق مآربه في كل من شمال المغرب (الريف) وفي وسطه (الأطلس المتوسط) وفي الجنوب (سوس والصحراء).

ورغم كل أصناف هذه الاتهامات وأنواعها وقساوتها؛ في تلك الفترة التي تعتبر بحق "سنوات الرصاص الثقافية" ضد الحركة الثقافية الأمازيغية التي لم تكن تطالب إلا بحقوق لغوية وثقافية واجتماعية، وبأسلوب سلمي؛ فإن الوسيلة التي اختارتها هذه الحركة هي "قوة الحجة" في مقابل "حجة القوة". كما أن تلك الاتهامات لم تكتف بممارسة العنف الرمزي فقط ضد مطالبي تلك الحقوق، بل أرفقتها، أحيانا، السلطات العمومية بمجموعة من المُنوعات والمضايقات التي تستهدف تنظيم أنشطة فكرية وثقافية وفنية هنا وهناك، كما لجأت تلك السلطات العمومية، أحيانا أخرى إلى الاعتقالات الفردية والجماعية، هنا وهناك، بل ووقع إختفاء قصري في صفوف المناضلين الأمازيغيين. ويتجلى مطلب التشبث بالحقوق اللغوية والثقافية والاجتماعية والتشبث بأسلوب "قوة الحجة" في مواجهة "حجة القوة" (المتمثلة في أساليب مواجهة مطالب الحركة الثقافية الأمازيغية طيلة مرحلة "سنوات الرصاص الثقافية") في القدرة على الاستمرار في خلق نسيج جمعوي أمازيغي في مختلف مناطق المغرب، وفي إدماج البحث العلمي والأكاديمي الأمازيغي في الجامعة المغربية وفي جامعات خارج المغرب (بحوث جامعية على مستوى الإجازة والكتوراة)، وفي تنظيم أنشطة ثقافية (ندوات ومعارض كتب أمازيغية) وفنية (سهرات ومهرجانات غنائية ومسرحية وسينمائية) واجتماعية (مخيمات صيفية) في مختلف مناطق المغربية، بدءا من المدن الكبرى مثل الرباط ومراكش والدار البيضاء والناضور وأكادير والقنيطرة وفاس، وفي تنظيم أنشطة وطنية في مجموعة من المدن المغربية (الرباط والدار البيضاء ومراكش وأكادير والناضور)، وداخل بعض المؤسسات الجامعية المغربية (مدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط، المعهد الوطني للبحث الزراعي بالرباط). كما تم إصدار نشرات ومجلات وجرائد وكتب وبحوث ودراسات وأطروحات ساهمت في تمهيد الطريق لرد الاعتبار للأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة.
وتتجلى، أيضا "حجة القوة تلك، في القطائع التي أحدثتها هذه المساهمات العلمية والأكاديمية والثقافية والفنية والاجتماعية في سيرورة الانتقال من مفهومي "البربر" و"البربرية" ومن مفهومي "الثقافة الفلكلورية" و"الثقافة الشعبية" إلى مفهوم "الثقافة الأمازيغية"؛ وفي إنتاج بحوث ودراسات أكاديمية وعلمية ساهمت في إحداث قطيعة مع خطاب "اللهجات البربرية" السائرة نحو الانقراض والمبرمجة في خانة ما ينبغي إماتته.
وتوج كل ذلك بإصدار "ميثاق أكادير"، في 5 غشت 1991 في أعقاب الدورة الرابعة لجمعية الجامعة الصيفية بأكادير الذي يتضمن مجموعة من مطالب الحركة الثقافية الأمازيغية وأهمها المطالبة بالإقرار، في الدستور المغربي، بكون اللغة الأمازيغية، لغة وطنية إلى جانب اللغة العربية؛ كما توج ذلك، أيضا، بالخطاب الملكي بتاريخ 20 غشت 1994 كمحطة تاريخية رسمية وضعت الصراع بين الحركة الثقافية الأمازيغية وبين مناهضي الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية في سكة جديدة، ستكون موضوع الجزء الرابع من التساؤل الرئيسي: أي تدبير استراتيجي لمأسسة الأمازيغية بعد ترسيمها في دستور 2011؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مناورة ترسيم الأمازيغية
عبد الله اغونان ( 2016 / 9 / 9 - 02:15 )
انها مجرد مناورة
ترسيم الأمازيغية في الدستور
وفي الواقع لاشيئ
فدعاة ونشطاء الأمازيغية لايتكلمون بها ولايكتبون
وهناك صعوبات تنزيلها في الواقع
وجل المتمزغين يعرفون ذلك
لكن كل مايهمهم هو استغلال الامكانيات المادية
انهم يتخذونها كبقرة حلوب
أما الأمازيغ الطبيعيون فلا يهتمون بهم
انها مجرد حيلة ونصب واحتيال
والمتتبع لمايقع يعرف أنها مجرد أسطورة سيبين التاريخ زيفها
لقد فشل الاستعمار في تطبيق الظهير البربري
وهاهم متمزغون يحاولون تطبيقه
فالنقرأ اللطيف

اخر الافلام

.. علامات استفهام وأسئلة -مشروعة- حول تحطم مروحية الرئيس الإيرا


.. التلفزيون الرسمي الإيراني يعلن نبأ مصرع الرئيس إبراهيم رئيسي




.. دعم وقلق.. ردود فعل على حادث طائرة الرئيس الإيراني


.. ردود فعل دولية وعربية بشأن وفاة الرئيس الإيرانى إثر حادث تحط




.. الشعب الإيراني مستاءٌ.. كيف تبدو الانطباعات الشعبية بعد موت