الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقوق الأقليات .. أزمة دولة أم غياب لتشريع

سجاد سالم حسين

2016 / 9 / 9
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير



يتداول ناشطون عراقيون ما يسمى ب "مسودة قانون حقوق الأقليات في العراق", لم نعثر على ما يشير الى ان مسودة مثل هذه موجودة رغم ان اخبار سابقة تشير الى موافقة رئاسة مجلس النواب العراقي على تشكيل لجنة لصياغة مثل هكذا قانون عام 2012 وخبر اخر يشير الى نية نواب تركمان تقديم مشروع قانون لحماية حقوق الأقلية التركمانية, ومطالبات من مختلف المكونات الاثنية والدينية في العراق لتشريع قانون خاص لكل اقلية او قانون لكل " الأقليات".
وتبعا لذلك والكلام بشكل عام عن قانون لأقليات لا استبعد أيضا مشاركة الخبراء التابعين للوكالات المتخصصة للأمم المتحدة في الدفع بهكذا مشاريع لتسجيل خطوة عند الأمم المتحدةبنجاح موظفيها المحليين, وهو ما توافق عليه الدولة "مغمضة العين" لتسجيل خطوة حقوقية ممتازة لدى المنظمة الدولية, ويالها من فرحة تعقب اشادة الأمم المتحدة بحكومة العراق في مسألة الأقليات وكانها ستمحو تصدرالحكومة مراتب الفساد وتذيلها قوائم حقوق الانسان.
قلنا اننا لم نعثر على مسودة ولكن اذا ظهرت هذه بعد حين فستكون مجرد تكرار لمبادئ عامة دستورية وقانونية متضمنة في القوانين العراقية, ولا يعتبر رجماً بالغيب القول بما ستتضمنه مواد هذا القانون المقترح, فهي لا تتجاوز الكلام الانشائي حول اتخاذ التدابير اللازمة لحماية لحقوق الأقليات وحقهم في انشاء مدارسهم واستخدام لغتهم الخاصة والاتصال الحر والسليم فيما بينهم وانشاء روابطهم وجمعياتهم الخاصة وحرية التعبير عن هويتهم وخصائصهم ومشاركتهم في السياسات والبرامج الوطنية.
سوف لا تتجاوز ذلك لان القانون حتما سيكون نموذج لإتفاقيات دولية اهمها اعلان الأمم المتحدة بشان الأشخاص المنتمين الى اقليات قومية او اثنية او أقليات دينية او لغوية عام 1992, وزيادة على ان القانون بالنظر للظروف الحالية سيفقد الفعالية بلا شك فالسبب من تشريعه هو مسايرة الدولة العراقية للموضة او التقليعة الحقوقية السائدة في العالم, المهتمة جدا هذه الفترة بحقوق الأقليات خاصة في مناطق العالم الثالث والشرق الأوسط .
لكن حتى هذه المبادئ التي ستتضن بالقانون فخ للاقليات وتحجيم لأدوارها, مثلاً النص على "مشاركتها بالسياسات" وهذا ما ورد في إعلان الأمم المتحدة الخاص بشان الأقليات, نص المشاركة بالسياسات في المفهوم المخالف هو انفراد وتفويض ألأغلبية لإقرار السياسة, وهذه لغة منظمات دولية ثم انتقلت الى عالم السياسة تفرق بين سياسة policy وبين سياسات politics الأولى هي الهدف والثانية مجرد تنفيذ لأهداف الأولى, للأكثرية رسم الأهداف والسياسة العامة وللأقلية المشاركة في وسائل تحقيق الأهداف التي حددتها الأغلبية!
نجزم كما قلنا ان القانون سيكون بلا فعالية, فالبرلمان يصدر مئات التشريعات وهذا التشريع اذا تم سيكون امتياز " ولو تشريعي فقط " لأقلية او مكون حاله حال تشريعات البرلمان السابقة حول امتيازات لشرائح مهنية دون غيرها, مثل قانون حماية الصحافيين وقانون حماية الأطباء, وهذا القانون سيكون كما سبقته قوانين كثيرة محاباة ومجاملة وإضافة الى رصيد حقوقي وسمعة دولية متدنية أصلاً للحكومة العراقية.
في إقليم كوردستان صدر قانون حماية حقوق المكونات في الإقليم بالرقم 5في 21/4/ 2015 وفي الذكرى الأولى لصدوره 21/4/2016 أقام عضو البرلمان في الإقليم سليم سرور مقدسي دعوى قضائية على حكومة الإقليم لعدم تنفيذها القانون, ذات الموضوع سينطبق في بقية العراق, امراء الطوائف يساهمون بالقوة للتحشيد في تشريع هذه القوانين رغم علمهم بعدم الجدوى ( في تصريح لمدير عام دائرة الوقف المسيحي رعد عمونوئيل: ان الدستور كفل حقوق جميع المكونات، لكن لا ضير ان يكون هناك قانون خاص بالاقليات!) والكرة في ملعب الحكومة دائماً والنتيجة هي تبييض صفحة الامراء واذكاء مشاعرمظلومية دائمة وضرب منطق التعايش والسلم الأهلي .
لكن اين الازمة وأين الخلل بالضبط يقع في مسألة الأقليات رغم اقرارنا ان أوضاعهم غير مثالية كما يعلم الجميع في العراق؟
إن ازمتهم هي جزء من ازمة دولة, فماذا يمكن ان تحقق لهم دولة فاشلة يستهدف الإرهاب كل مفاصلها وكل مكونات شعبها, وبالكلام من منطق الانتماءات البدائية السائد في المجتمع فأن الإرهاب هو اكثر جدية في استهداف اغلبية طائفية في العراق, فاقرار الحماية لاقلية معينة سيذكي بالضبط في زمن النزعة الطائفية إقرار قوانين حمائية للبقية بحجة ان الاستهداف أعمى لا يستثني أحدا, وهذ مقبول اذا أُقرت الحماية لطرف دون اخر.
مسالة الأقليات وشعورها بالظلم راجع الى ضعف الدولة أيضاً, ما يعني ذلك بروز الانتماءات البدائية الطبيعية للإنسان لتعويض هذا الضعف (الدين والعشيرة والقومية) بالتالي تصبح الحقوق في الدولة مسألة قوة وغلبة عددية لا مسألة مواطنية, هنا تشعر الأقليات بالفارق العددي الكبير بينها وبين ألأغلبية, وما يعظم هذا الفارق أنه يجري في دولة ريعية تتخاصم أشكال تكويناتها السياسية للاستحواذ على توزيع ريعها النفطي وفي سبيل ذلك لا تمانع من اذكاء اشد النزعات بدائية او اتخاذ اكثر الوسائل تخلفاً وهمجية.
وفيما يتعلق بجانب العدالة خاصة للاقليات التي عانت من سياسات النظام البائد السابقة فتكون المشكلة مزدوجة هنا رغم كونها جزء من مشكلة عامة أيضا لا تميز بين مكون وغيره, وتكون إضافة الى انها جزء من ازمة دولة هو أزمة اصطدامها بالبيروقراطية واصطدامها بالجهاز الإداري والوظيفي للدولة العراقية, وهذه مشكلة تصيب أي مواطن حيث تهان كرامته ويتعرض لاشكال الرشى والابتزاز في ابسط معاملة امام دائرة حكومية, مثالنا على "أقلية" ارتبطت تجربتها بهذا الجانب هم الكورد الفيليين في جنوب العراق, بعد سقوط النظام برزت القضية الفيلية بشكل لافت, لأنهم تعرضوا لتسفير ظالم وحملات إبادة ممنهجة استهدفت وجودهم وتعريبهم بشكل تام, لا شك انهم شكلوا جزء مهم من القاعدة الاجتماعية للتغيير بعد عام 2003 وعدد كبير من نواب ووزراء ومسؤولين كبار في الدولة من أصول كوردية فيلية, وترحيلهم القسري الى ايران وضع بعضهم في مواضع قيادية في أبرز الأحزاب الدينية التي تولت المسؤولية والحكم في عراق بعد صدام وشكلوا مادتها الأساسية في فترات المعارضة خارج الوطن.
رغم كل ذلك ورغم احقية قضيتهم ورغم التشريعات المتعددة التي أصدرتها الدولة لتيسير نيل حقوقهم وإدانة قرارت مجلس قيادة الثورة سئ الصيت ضدهم لكن بقت القضية الفيلية بلا حل, بل نحن نكتب الان وحوالي 50000 حسب تقديرات الأمم المتحدة من الفيليين هم عديمي جنسية يعيشون في ايران من الجيل الأول والثاني للمسفرين وهذا وضع عار ومخجل لدولة في القرن الحادي والعشرون حيث لم يبقى عديمي جنسية في العالم الا في العراق وبعض دول الخليج, وما هي الا سنوات قليلة وسنتكلم عن مشكلة الجيل الثالث من المسفرين الذين يعانون من انعدام الجنسية.
فقد عجزت الدولة في كل مؤسساتها ومع كل الوجود الفيلي في هذه المؤسسات وفي مواقع عليا للمسؤولية أحياناً عن تيسير إجراءات حصول خمسين الف كوردي فيلي على الجنسية العراقية, ولغاية الان تصدر شهادة الجنسية للفيلي وفيها ما يشير للتبعية ولغاية الان يراجع الفيلي شعبة الأجانب في مديرية الجنسية العامة.
بعد سنوات عديدة يتضح لمن يعمل بالمجال الحقوقي للأقليات ان المسألة تتجاوز التشريع وان التشريع وحده تجريد نحن في غنى عنه, بعد سنوات عديدة سيكتشف ان حل قضاياهم بتشريع ( وربما هذه افضل ما تمنحه حكومة عاجزة ) حل بلا افق, ألحل هو اندماج الأقليات في المجال العام للبحث عن صيغة حل عام, النتيجة المؤكدة في هذا الوطن انه لا أحد بإمكانه أن يفر وحيداً أو سالماً من أزماته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل


.. السيناتور ساندرز: حان الوقت لإعادة التفكير في قرار دعم أمريك




.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال