الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رجال على الممر - قصة قصيرة

السيد عبد الله سالم

2016 / 9 / 11
الادب والفن


لم يكن عبد المعبود في عملهِ كمديرٍ للأمن في هذه المؤسسة الاقتصادية العملاقة؛ يطمع في أن يكون أحد هؤلاء الرجال الذين يضعون السياسة الاقتصادية للمؤسسة، ويشرفون على تنفيذها.
ولكنهُ في صباح السادس من مايو، تلقَّى مكالمة هاتفية من السيد رئيس مجلس الإدارة على هاتفهِ المحمول، ملخصها :
"أن السادة رؤساء القطاعات، ورؤساء الإدارات المختلفة، ومديري العموم، والمديرين؛ جميعًا قد اتفقوا مع بعض أعضاء مجلس الإدارة؛ على خلعه من منصبهِ وتولية أحدهم مكانه".
وفي نهاية المكالمة سأل رئيس مجلس الإدارة الأستاذ عبد المعبود بوضوح إذا كان معه أو مع المتنافسين؟.
قد تعوَّد عبد المعبود منذ نعومة أظفاره، أن يكون وسطيًّا، لا مع هذا ولا مع ذاك، وإنما هو دائمًا مع مصلحتهِ الشخصية، ومصلحتهُ في هذا الأمر؛ أن تظلَّ المؤسسة تؤدي وظيفتها، وألا ينفرطُ عقدها، فيتشرَّد هو وآلاف العاملين والموظفين بها، لذلك ما إن وصلتهُ تلك المكالمة المشئومة؛ قام على الفور وارتدى زيَّه الرسمي، وقبل خروجه من غرفة نومهِ تأكد من أن مسدسه في جرابهِ تحت إبطهِ، وبهِ عددٌ لا بأس بهِ من الطلقات الصوتية.
وبالفعل كان عبد المعبود أول مَنْ وصل إلى المؤسسة؛ وفور دخولهِ مكتبهِ استدعى مساعديه من رجال أمن المؤسسة، وأصدر إليهم تعليمات صارمة:
- أولا: عدم إطاعة أي أوامر غير التي يعطيها هو بنفسه لهم، وضرورة الرجوع إليهِ قبل تنفيذ أي أوامر أخرى.
- ثانيًا: التعامل بحزم مع كل مَن تسوِّل له نفسه أن يُسيءَ إلى المؤسسة أو مصالحها.
- ثالثًا: ضرورة توخي الحيطة والحذر في الأيام المقبلة التي ستشهد أحداثًا جسامًا.
وبدأت سلسلة من المفاوضات، بين المتمردين من جهة ورئيس مجلس الإدارة من جهة أخرى، وأشرف على هذه المفاوضات رجل الوسطية الأوحد بالمؤسسة الأستاذ عبد المعبود، الذي قام بهذا الدور على أكمل وجه، فقد بسط رجاله سيطرتهم على كل الأماكن الحيوية بالمؤسسة، بما فيها مكاتب السادة كبار رجال المؤسسة، ومكتب سيادة رئيس مجلس الإدارة، ووضعها جميعًا تحت حراسة مشددة من رجال الأمن التابعين لهُ وللمؤسسة.
وفهم الأستاذ عبد المعبود أن الخلاف يعود إلى الطريقة التي يقود بها السيد رئيس مجلس الإدارة المؤسسة وسياساتها، فقد طالب المتمردون مزيدًا من اللامركزية في إدارة المؤسسة، وأن يكون لهم دورًا واضحًا في اتخاذ القرارات الخاصة بالعمل، وأن يكون لهم دورًا بارزًا في وضع السياسات الاقتصادية العامة للمؤسسة، وهذا ماكان يرفضهُ السيد رئيس مجلس الإدارة، ويعتبره تعديًّا واضحًا على سلطاته، إذ كان يعتبر نفسهُ هو المسئول الأول والأخير عن مثل هذه القرارات السيادية، وكان دائم تريد العبارة التي تقول:
"المركب اللي فيها ريسين تغرق".
ولما وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، وبدأت المناوشات العلنية بين المتمردين والمؤيدين؛ وأحس عبد المعبود أن كيان المؤسسة أصبح في خطر شديد، قام بزيارة رسمية إلى مكتب رئيس مجلس الإدارة وأبلغه ضرورة تقديم استقالته من منصبهِ، نزولاً على رغبة كبار رجال المؤسسة، ولصالح العمل، وحفاظًا على كيان المؤسسة ومصالحها، ولمَّا أحس عبد المعبود رفضًا من رئيس مجلس الإدارة لهذا القرار، شهر سلاحه في وجههِ، وأقنعهُ بكتابة استقالته فورًا على أن يذيلها بهذه العبارة:
"وتؤول كل مسئولياتي وسلطاتي إلى الأستاذ عبد المعبود مدير أمن المؤسسة لحين تدبير رئيس مجلس إدارة جديد".
وقام عبد المعبود بإرسال صورة الاستقالة إلى جميع الأقسام والإدارات بالمؤسسة، مع تعليمات مشددة لرجال الأمن الذين يحملون هذه الرسالة، باستعمال أقصى درجات ضبط النفس مع الذين يرفضون فحوى هذه الاستقالة.
وبعد أن أصبحت أمور المؤسسة كلها تحت سيطرة الأستاذ عبد المعبود ورجاله، دعا سيادتهُ إلى عقد مجلس إدارة طارئ، يحضرهُ جميع المعنيين بالأمر، وجلس سيادتهُ على صدر الطاولة، في حلتهِ الجديدة بعد أن خلع زيَّهُ الرسمي، وأشار للواقفين أمامهُ من أعضاء مجلس الإدارة بالجلوس، فجلسوا إلا واحدٌ منهم، ظلَّ واقفًا فسأله الأستاذ عبد المعبود:
- ما اعتراضك على سياسات المؤسسة يا أستاذ؟.
حاول الرجل أن يتكلم، ولكن عبد المعبود قاطعهُ ولم ينصت لكلامه، وقال:
- ما دمت غير معترضٍ على سياسات المؤسسة، فلماذا لا تجلس؟.
فتح الرجل فمهُ، وأشار خلفهُ، فصرخ فيه عبد المعبود:
- إذن أنت من هواة المعارضة!.
رفع الرجل يده ناحية الأستاذ عبد المعبود، يستمهلهُ حتى يتكلم، وتلفَّت حولهُ يريدُ أن يدافعَ عن نفسهِ، فقابله عبد المعبود بقوله:
- ما تفعله قد يؤدي إلى هدم المؤسسة، وتشريد العاملين بها، فهل ذلك ما تريده؟.
حينئذ دخل أحد رجال الأمن، ووضع سلاحهُ في جنب الراجل الواقف، ووكزه قائلاً:
- تفضَّل معي بهدوء، ولا داعي لاستعمال العنف.
تعجب الرجل من المشهد كله، وحاول أن يتكلم، فلم يجد حبالهُ الصَّوتية في مكانها، فقدْ فقدَ القدرة على الكلام، وخرج إلى خارج القاعة بصحبة رجل الأمن، في هدوء تام.
شعر الأستاذ عبد المعبود بعدها براحةٍ شديدة، وقال في صوتٍ رخيمٍ:
- يُمكننا الآن أن نجري حوارنا بشفافيةٍ شديدة، وديمقراطية حقيقية، بعد أن تخلَّصْنا من أخر الرجال المتمردين.
وعلى الفور دخل أحد الرجال في هدوءٍ يصحبهُ أحد السعاة وفي يديه مقعد مثل باقي مقاعد القاعة، وجلس في المكان الشاغر، حيث كان يقف ذاك الرجل الذي غادر القاعة منذ قليل.



د. السيد عبد الله سالم
المنوفية – مصر
7 نوفمبر 2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أعمال لكبار الأدباء العالميين.. هذه الروايات اتهم يوسف زيدان


.. الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت في مهرجان -كان- بفستان بـ-ألو




.. مهرجان كان 2024 : لقاء مع تالين أبو حنّا، الشخصية الرئيسية ف


.. مهرجان كان السينمائي: تصفيق حار لفيلم -المتدرب- الذي يتناول




.. إخلاء سبيل الفنان المصري عباس أبو الحسن بكفالة مالية بعد دهس