الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مادام مجتمعنا يرزح تحت خيمة وظلال ادعياء الدين فلا خيرا يرجى

امين كريم فرحان

2016 / 9 / 12
مواضيع وابحاث سياسية



لقد اقترنت التجربه التاريخيه المسيحيه – الاوربيه ، وتحديدا حركة الاصلاح الديني البروتستانتي ، بصعود الرأسماليه الاوربيه .
ومع تكامل التفكك الداخلي للسلطنه العثمانيه في القرن التاسع عشر ، وندحارها امام صعود اوربا الدنيويه بات واضحا ان الدوله العثمانيه التي كانت مثالا للمجتمعات الاسلاميه طوال اربعة قرون ونصف ما عادت قادره على الصمود امام اوربا الجديده غير المتدينه ، اوربا التي خرجت من عباءة الدين وظلاله الى الدنيا ومن الاستبداد الديني الى الديمقراطيه بعيدا عن هيمنة الدين المسيحي ممثلا بسلطة الكنيسه ورجعيتها ومعاداتها لكل حقوق شعوب اوربا واضطهادها لكل من ينادي بالتنوير وخنق انفاسه .
بعد كل هذا وبعيدا عن هيمنة رجال الدين استطاعت اوربا الجديده ان توحد العالم بنمط علومها وصناعتها ومواصلاتها ومعارفها وكذلك باستعمارها ، اي بنمط انتاجها الراسمالي وحياتها الجديده واكثر من ذلك برؤيتها الدينويه الجديده للعالم .
ان مصطلح (( حركة الاصلاح الديني )) مأخوذ عن التجربه المسيحيه الاوربيه وكما حلل (( ماكس فيبر )) في كتابه (( الاخلاق البروتستانتيه )) في ان ظهور اوربا الجديده وصعود الراسماليه حينها كان قد انهى هيمنة الكنيسه على مقدرات اوربا بمعنى نهاية هيمنة الدين على سلطة دول اوربا .
في مجتمعنا العربي لم يحصل اي اصلاح ديني ولم تكن هناك في يوم ما اية مناخات لذلك ، ولم تكن الاجواء مهيئه له قطعا ، ولذلك بقى مجتمعنا محافظا على قيم باليه اتعبته ولليوم ، وعملت على عدم انبثاق قيم التقدم بمساراتها المختلفه من سياسيه واجتماعيه وتربويه وثقافيه واقتصاديه ومعرفيه وتكنولوجيه ، ومضافا له التاخر في مجالات حقول العلم .
ولقد لوحظ ولاول مره مصطلح (( الاصلاح الاسلامي )) في كتاب (( حاجي خليفه )) ( دستور العمل لاصلاح الخلل 1653 م ) وهي الفتره التي كانت تتزامن مع الصعود الاوربي والتدهور الاسلامي .
ان الاصلاح الديني كي يحصل ينبغي توفر عاملين اساسيين وذلك قياسا على التجربه الاوربيه الحديثه والتي لامثال غيرها وهما :
أ- تغيير اجتماعي وفكري عام في وضعية المجتمع ونمط انتاجه ورؤيته الزراعيه – الدينيه القديمه .
ب- حركة انتقاد فكري جذري للدين كطريق او كنظريه في المعرفه او كرؤيه للعالم او كلاهم اجتماعي ،.
تساهم مع التحديات والضغوط الخارجيه – الحياتيه في تغيير الدين من داخله ، او في وضعه موضع الدفاع العلني والمساءله ومناقشة نفسه وتاريخيته ورؤيته للعالم ، وهذا يقتضي حركة نقد جذريه للكتب المقدسه وللدين وللتاريخ الاسلامي ، ونزع القداسه والمرجعيه عن هذا كله ، وتحديد مجال الدين كمجال شخصي للضمير والمعتقد .
ان النقد الجذري المباشر للدين كان نادرا جدا وقد تمثل في بعض مقالات في بعض المجالات سابقا مثل (( العصور )) لاسماعيل مظهر ، و ((الدهور )) لسليم خياطه وهما مجلتان ظهرتا اواخر العشرينيات واوائل الثلاثينيات من القرن الماضي بالاضافه الى كراس عنوانه (( لماذا انا ملحد )) سنة 1937 م لاسماعيل ادهم ، وكتاب (( نقد الفكر الديني )) سنة 1968 م للدكتور صادق جلال العظيم ، والى حد ما كتاب الدكتور نصر حامد ابو زيد (( نقد الخطاب الديني )) عام 1991 م .
ان نقد الدين ومسألة اصلاح الدين كلاهما يقتضيان هاتين الحركتين واللتان هما :
نقد من الخارج عن طريق اظهار وقائع مستجدات الحياة وضغطها على النصوص والمقدسات وتناقضها معها ، ونقد من الداخل عن طريق نقد جوهر الدين وتاريخيته وتبيان تناقضاته وحصره في مجال المعتقد الشخصي والتاريخ الثقافي .
في الاسلام الحديث لم تقم حركة اصلاح ديني جذريه او جديه بل قامت حركات نكوصيه دفاعيه وهي أنغلاقيه في مجملها ، وتمثلت اولا في الحركات الدينيه السياسيه النكوصيه في النصف الاول من القرن العشرين ،ثم الحركات العنفيه – الارهابيه الدينيه في النصف الثاني من القرن العشرين وخصوصا في سوريا والجزائر وذلك على ارضية من عدم انتاج المجتمعات الاسلاميه لحركة تحديث وتغيير في بناها او في نمط الانتاج محليا ، بمعنى عدم قيام علوم وتكنولوجيا تهدف للتغيير وكذلك لانظريه معرفه تستوعب مايجري ولاصناعه ولا رؤيه جديده للعالم .
او اية اوضاع جديده وحديثه تسهم في تغيير الرؤيه الدينيه القديمه والمطلقه ، كي تنطلق بالفرد والمجتمع عموما في رؤيتها من القديم الى الجديد ومن مجتمع الزراعه وعقليته الساكنه الى مجتمع الصناعه وعقليته الديناميكيه او من الاستبداد الى الديمقراطيه ومن المطلق الى النسبي ومن الاستيلاء العنفي والتامري والوراثي على السلطه الى تداولها السياسي السلمي .
وعلينا ان نلفت نظر شعوبنا الى حقيقه حصلت وهي انه بمقدار ماكان العالم يتغير ويتقدم كانت الحركات الدينيه الاسلاميه تزداد رجعيه للوراء وتسير بخطى متسارعه للانغلاق على نفسها وعلى مجتمعها وتركض متسارعه نحو العنف واضطهاد الاخرين وترفع شعار الموت بلا رحمه وبدم بارد لشعوب مجتمعاتها .
تلك هي المسيره المؤسفه والشاقه من جمال الدين الافغاني وبأماله للتوحيد والنهوض والتغيير الاسلامي ومن محمد عبده بوعوده التنويريه والاصلاحيه للاسلام والمسلمين الى بن لادن بعنفه الشامل على مجتمعاتنا وعلى العالم بمجموعه وعلى كافة الصعد ، ومن انظمة الاستبداد العربيه الى المؤامرات الامريكيه – البريطانيه – الاسرائيليه والى خفوت صوت العقل ضمن مجتمعاتنا المغلوب على امرها بقيادة سلاطينها الدمى واللذين لم يسمحوا لقدرات شعوبهم بفعل التغيير التقدمي الوطني اطلاقا .
ان مجتمعاتنا العربيه تقف اليوم على حافة الانهيار .
ان الانغلاق والنكوص هما جوهر الحركات السياسيه الاسلاميه في ردها على الرأسماليه في النصف الاول من القرن العشرين مثلما ان العنف والارهاب وسيله اكثر هذه الحركات في مواجهة تحديات الراسماليه والعولمه في النصف الثاني من القرن العشرين وبداية الالفيه الثالثه ، ان الامال ضعيفه جدا ان لم نقل انها معدومه في وجود حركة اصلاح اسلامي ، اما مسالة (( تحدي العصر )) وتحدي قيمه الحديثه باعادة طرح القيم القديمه بدل الاندراج في العصر من موقع المشارك فيبدو انها مسأله فات اوانها ، فتحدي العصر انما يكون بظهور انماط انتاج وقيم وافكار تتجاوز الموجود وترتقي به وليس بالنكوص مئات الاعوام الى الوراء بدعوى (( فكره )) صالحه لكل زمان ومكان ، واذا لم نتخل عن ذاتنا القديمه فلن نصل الى ذات ا والى وجود حديث بل سنكتفي بالوقوف خارج العصر نقيم حفلات الذكر والندب او التغني بالماضي وادانة الحاضر والحضاره .
المصدر :
حدود الاصلاح الاسلامي وافاقه ،،، محمد كامل الخطيب
من سلسلة دراسات ومقالات في الاسلام ،،، مجلة الطريق اللبنانيه العدد الخامس لسنة 61
كتب الموضوع (( بتصرف )) من قبل الباحث
ستوكهولم – السويد 08 -09 -2016
طبع صباح الكلمشي بتكليف من صاحب المقال








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من ساحة الحرب إلى حلبة السباقات..مواجهة روسية أوكرانية مرتقب


.. محمود ماهر يطالب جلال عمارة بالقيام بمقلب بوالدته ????




.. ملاحقات قضائية وضغوط وتهديدات.. هل الصحافيون أحرار في عملهم؟


.. الانتخابات الأوروبية: نقص المعلومات بشأنها يفاقم من قلة وعي




.. كيف ولدت المدرسة الإنطباعية وكيف غيرت مسار تاريخ الفن ؟ • فر