الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جبهة الضدّ ضدّ نظام الضدّ : أي جبهة شعبية نريد

محمد محسن عامر

2016 / 9 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


لم يكن تأسيس الجبهة الشعبية سنة 2012 وليد منطق إرادوي ذاتي بالنسبة للحركة اليسارية التونسية , بل كان وليد الضرورة في لحظات حاسمة من تاريخ الحركة الديمقراطية الناشئة و الاخطار التي تهددتها بتغول القوى الدينية الراديكالية , و أزمة النظام الحاكم الذي عجز عن تحقيق أهداف الثورة الاجتماعية و بالتالي أنتج نفس شروط الاحتجاج الاجتماعي و فتح الباب امام عودة الجماهير إلى الشارع . يضاف إليه لون فاشي بدأ يطبع المجتمع التونسي بازدهار المجموعات الدينية المتطرفة كأنصار الشريعة و الجمعيات الدينية التي أخذت بالتوسع و الازدهار بتواطئ ظاهر من النظام الحاكم .
لقد كانت انتخابات 23 أكتوبر 2011 امتحانا حقيقيا أظهر اختلال التوازن الفادح في موازين القوى لصالح الإسلام السياسي و حركة النهضة. بالتالي أصبح من الضروري توحيد جهود قوى المجابهة الاجتماعية و السياسية ضدّ محاولة رسكلة النظام القديم و خلق مساومات مع قوى النهب الاقتصادي التي ما فتأت ان أعادت ترتيب سياقات الهيمنة بعد حالة الإرباك التي خلقتنا الإنتفاضة سنة 2011. لقد خلقت عقود الاستبداد السياسي في تونس حالة تصحر للقوى المدنية و الديمقراطية و أنتجت أرضا بورا غير صالحة إلا على دمج المعطى الماقبل مواطني داخل سياقات العمل السياسي , هكذا فقط انتجت الإنتفاضة في تونس كيانات ديمقراطية شديدة الهشاشة و الضعف و أثبتت أن الإسلام السياسي هو أكثر القوى تنظيما و أستعداد للعب دور حصان الرهان الرابح بالنسبة للفاعلين الإقليميين الذين أعادوا النظر في مواقفهم الممانعة للإسلام السياسي مقابل استعداد الإسلاميين للعب نفس الأدوار السياسية و الاقتصادية السابقة .
داخل هذه الظروف استوعب اليسار بمختلف تلويناته الفكرية و الأيديولوجية أن الأيديولوجيا شديدة الرمادية مقابل شجرة حياة خضراءا على الدوام. و عاد سؤال ما العمل التاريخي ليطرح من جديد سياسيا أي ممارسيا بعيد عن السجال الأيديولوجي الفوقي الذي يحدث على سطح المعطى الاجتماعي لا ضمن مفاصله اليومية . قد يكون هذا أكبر منجز حققه اليسار في تاريخه المرير من الإنشقاقات و التفتت و الضعف .
مهام ثلاث طرحت على الجبهة الشعبية :
أوّلا : مقاومة التوجه الفاشي القمعي الذي بدأ يظهر بعد اعتلاء الإسلاميين للسلطة , فبعد أحداث العبدلية و اطلاق يد مليشيات رابطات حماية الثورة و قمع الإحتجاجات الاجتماعية في سليانة باستعمال أساليب تشبه ممارسات نظام بن علي في الرديف 2008 و أحدث 7 و 9 أفرييل بالعاصمة . بدى جيدا ان حرية التعبير المكسب الوحيد تقريبا الذي حققته الثورة أصبح على محك و بدأ شبح إيران و سودان جديدة يلوح في الأفق .
ثانيا : المسألة الوطنية و ضرورة الوقوف ضد إعادة ربط تونس بالخيارات الإقتصادية التي تكرس النهب . و الاهم ربط تونس بأحلاف إقليمية مرتبطة بمصالح اجنبية معادية للسيادة الوطنية و الأمة العربية خاصة مع تحول النظام التونسي زمن التروييكا إلى صوت دعاية و جزأ من حلف قطري تركي أمريكي حول تونس بمنجزاتها الحداثية إلى أكبر مصدر للجهاديين لبؤر التوتر في سوريا و ليبيا.
ثالثا : المسألة الاجتماعية , و مناهضة التفقير و مزيد تراكم البؤس الإجتماعي و البطالة أمام عجز النظام بحكم تكوينه البنيوي على حل الأزمات الاجتماعية و تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار الاجتماعي. .
تتحدد الممارسة على قاعدة الصراع , أي ضمن ضدية خيارات اجتماعية غير وطنية و مشروع سياسي مواطني و كفاحي . على هذه القاعدة وضع الأساس الأول لمشروع الجبهة الشعبية و على ضوئه تحددت مهامها السياسية. ولدت الجبهة الشعبية ضمن الفعل الاحتجاجي المقاومي لا ضمن حساسابات السياسة الذرائعية , ضرورة توحيد الضد من أجل تحويل موازين القوى المختلة لصالح القوى الشعبية و مهام العدالة الاجتماعية و السيادة الوطنية .
لقد نجحت الجبهة الشعبية في الخطوة الأولى و تغير أشكال الإشتباك السياسي من المقاومة الاجتماعية في الشارع لتتحول إلى قوة سياسية واقعية لها تمثيليتها داخل البرلمان و أصبحت قادرة على ممارسة دور أكثر تأثير عن طريق نقل الفعل السياسي من الشارع إلى ما تحت قبة البرلمان .
أي جبهة شعبية نريد :
الجبهات لها شروطها التي تنبني عليها من أجل تحويلها إلى أفق قوة معبرة حقيقة على الشعب. إذ أن هذا الالتقاء السياسي بين مكونات الطيف اليساري كانت مهمة شديدة الخطورة و الحساسية باعتبار تاريخ طويل من الاختلاف و التناحر أحيانا بين منظمات قليلة العدد موسومة بالتطرف و الدوغمائية الفكرية . بالتالي فتذويب هذا المعطى يحتاج إلى صيرورة طويلة من العمل المشرك الوحيد القادر على تفتيت الاختلاف الفكري لصالح المشترك السياسي.
لا يمكن بأي حال خوض اشتباك سياسي ناجع من حيث المردودية إلا بتكوين تنظيمي شديد التنظيم و التجانس . هذا قد يطرح إشكالات قد تنعكس على مستوى الأداء و تجانس المواقف . إذ كما هو معلوم مازالت الجبهة الشعبية رغم محاولات المؤسسة و الخطوات النوعية تتحرك ضمن مؤسسة عليا تنزع نحو خلق استقلالية بين الأحزاب و لا تنحو تذويبها . بالتالي تواصل هذا التمشي إلى اختلال توازن أساسه وزن الأحزاب المكونة للجبهة الشعبية لا الجبهة الشعبية في ذاتها . إذا لا خيار من أجل جبهة شعبية تتحرك كجد سياسي و احد سوى تفتيت المركزة لصالح مؤسسات الجبهة لا مؤسسات الأحزاب المكونة لها , فالتنظيم في ديناميته الداخلية يتحدد عبر مركزة السلطة و العمل و إعادة توزيعها من جديد بطريقة جدلية مع مراعاة ديمقراطية القرار داخل مؤسسات الجبهة بالشكل الذي يجعل الجبهة الشعبية كيانا حيا متحركا تشارك كل أعضائه في تشكيل المهمات السياسية و المواقف العامة .
ثالثا , وضوح البرنامج هو المحدد في وضوح التكتيكات و المواقف السياسية و صياغة الإستراتيجيات . إذا ان فكرة مع من نمضي كقوى سياسية مقاومية تظل دوما فكرة منقوصة لو تغافلنا عن فكرة إلى أين نمضي. الممارسة السياسية هي فعل إدارة العمل الممارسي و هو امر مناط دوما للتنسيب و الخطأ باعتبار التغير للدائم للمعطى السياسي و موازين القوى و التحالفات . و من المقبول في الممارسة السياسية التراجع خطوات إلى الخلف أحيانا من أجل التقييم و رسم التكتيكات من جديد. و لكن هذا يجب أن يكون موضوعا على ميزان البرنامج الإستراتيجي حتى لا يبتلع اليومي المهام الحقيقية للجبهة الشعبية.
العمل السياسي ليس خطا مرسوما طويلا معلوم البدأ و النهاية كشارع الحبيب بورقيبة . و إنما هو مجال شديد الصعوبة و العورة كجل الشعانبي , بالتالي يحتاج دوما إلى زاد حقيقي و معرفة بالتضاريس و المخاطر و يقبل أحيانا التراجعات و الأخذ الأنفاس و لكن الأهم من كل شي عدم الإستكانة للسفوح و النظر بكل وضوح نحو القمة .. من أجل أن تتحول الجبهة الشعبية إلى قوة حقيقة معبرة عن تطلعات الشعب تحتاج إلى صيرورة طويلة من ترتيب البيت الداخلي و تثبيت البرنامج و التعاطي الناجع مع المتغير السياسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض


.. واشنطن وبكين.. وحرب الـ-تيك توك- | #غرفة_الأخبار




.. إسرائيل.. وخيارات التطبيع مع السعودية | #غرفة_الأخبار


.. طلاب بمعهد ماساتشوستس يقيمون خيمة باسم الزميل الشهيد حمزة ال




.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟