الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تدابير الحرية

محمد ابداح

2016 / 9 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


كلما اعتقد طاغية بأنه قد أحكم قبضته على المستضعفين في الأرض، اكتشف بأن للحرية تدابير أخرى لذلك المشهد الأخير، لم يكن لأي شخص القدرة على رسمها بهذه الدقة والخيال سوى الإنسان الحر ، تلك حقيقة تاريخية سواء أقبل بها الحكام العرب أم لا، قد تختلف جرعات الموت وأصنافها، من تلك التي يسقيها معظم الحكام العرب لشعوبهم، فمن الدمار الشامل والمباشر كمجازر حماة 1 (حافظ الأسد) وحماة2 (بشار الأسد) ومابينهما من داريا والغوطة ومضايا وغيرها، إلى الضربات الخاطفة والساحقة على الطريقة الإسرائيلية كما في رابعة وسيناء، دولة بحجم مصر اختزلت بمكتب عسكري يضع الدستور كما تضع المرأة مكياجها، ودمية دميمة منتفخة اسمها عمر البشير لم يخجل من نفسه وهو يرقص على المنبر أمام العالم غداة توقيعه قرار تقيسم السودان !!، ومئات الألوف من شعبه بين لاجيء وجائع برسم الموت.
استبق بعض الزعماء العرب شر تدابير الحرية، فغرفوا بيدهم غرفة صغيرة من عوائد النفط المنهوب، وحفروا القنوات المائية في الصحراء ودعموا الشباب والشيّاب المتلهفين للزواج، ومنحوا القروض السكنية ودعموا المشاريع التنموية الصغيرة، وابتعثوا أبناء النخب للدراسة في أوروبا والولايات المتحدة، فأثمر ذلك الجهد عن تأمين بعض الإستقرار النسبي، وكل ذلك يحدث دون تأثير يذكر على طبقة الفساد الإجتماعية، أما أولائك الحكام العرب ممن لايملكون آبار النفط ، فلديهم العديد من الحيل السياسية التي تشغل بال الرأي العام الشعبي كالانتخابات النيابية ، فيتم حلها كل عامين لينشغل الشعب بكل فئاته بما يدعى العرس الوطني الإنتخابي، ورغم أنه لا تكاد تخلو دولة عربية من مصادر الثروات والمعادن الطبيعية، فضلا عن الطاقات البشرية المؤهلة، إلا أن حجم الفساد بتلك الدول لايجعل لها سبيلا للقيام بأي دورهام في التنمية.
مقارنة بحكام الدول النفطية قد يكون من الصعب على نظرائهم في تلك الغير نفطية تجاهل ماسيحدثه قرارهم بمكافحة الفساد على ردة فعل أنصارهم من الطبقة المستفيدة والنافذة، وذلك بهدف توفير بعض المال لصالح مشاريع التنمية، وبخلاف الإعتقاد السائد بأن الثورات الشعبية تحدث من القاع فإن الطبقة الأرستقراطية هي المسؤولة عن الثورات الشعبية وهي من يحركها ويدعمها .
وعليه قد يكون من المنطقي فهم أسباب فشل الأمة العربية عموما وعلى كافة الاصعدة السياسية والاقتصادية والإجتماعية والتعليمية والاعلامية، بل يمكن مقارنة الوضع العربي الراهن بالعصور الأوروبية المظلمة، حيث أن استقراء التاريخ يفرز لنا امثلة على سقوط أنظمة ضعيفة يتبعها نهوض دول قوية، غير أن امتنا تعيش ومنذ فترة طويلة في حالة هستيرية من السقوط المهين والفشل المتكرر فمن ظلمة الاستعمار إلى نيران القصف الاسرائيلي والامريكية إلى حالة الفجوة الكبيرة بين الحكام العرب وشعوبهم.
صور عديدة من واقعنا العربي هي نتائج طبيعية لحالة السبات العميق الذي تمر به الأمة وليس ابلغ دليل على الوهن العربي الكبير المتمثل في عقم العقول العربية والذي يعجز بسببه الفرد العربي عن الابداع والابتكار ؛ حتى الثقافة العربية اصيبت بالتجمد وتكرار نفسها ، وتمزقت الأمة بين الحروب الطائفية والقومية والدينية والقبلية، وتعددت الهوية وانعدم الانتماء، ناهيك عن تعثر التنمية التعليمية العربية، وعن سوء بالغ في الإدارة والتخطيط ومنهجية الحكم والتشريع، فضلا عن فقدان المؤسسات التعليمية والخدمية في الوطن العربي الرؤى والأهداف الطموحة وطرق تحقيقها أو عدم السعي نحوها بجد ومثابرة.
ترافق هذه الصور المخزية مجموعة من الحقائق المثيرة للجدل ، فقد وضع الفساد المالي والإداري أكثر من نصف العرب تحت خط الفقر، بل إن مجموع الناتج القومي لكل الدول العربية مجتمعة يعد أقل من دولة واحدة كاسبانيا، كما أن أكثر من ثلث الدول العربية تعاني شح المياه، فيما ينعم الكيان الصهيوني بها، وستواجه مصر قريبا كارثة بيئية بعد بناء سد النهضة في أثيوبيا، نتيجة ضعف السياسات الخارجية لمصر وانعدام هيبتها على الساحة الدولية، ولو كان بناء ذلك السد بهدد أمن الكيان الصهيوين مائيا لتحركت الأخيرة وقامت بقصفه فورا، أما على الصعيد السياسي فيحظر ثلث الدول العربية قيام الأحزاب السياسية ، كما تفرض الدول العربية قيودا مشددة على حرية الرأي والتعبير والصحافة ، لذا فلا عجب أن جميع الدول العربية مرصودة في السجل السيئ للتقارير الدولية والعربية عن حقوق الإنسان وممارسة الحريات العامة.
من المؤكد أنه نتيجة كل ما سبق فضلا عن تردي الخدمات الصحية والتعليمة، وسلب الحريات العامة في الوطن العربي، وتفشي البطالة، وهوان الأمة العربية والإسلامية على العالم أدى لانعدام الشعور العام بالوطنية والإنتماء كما عكست حالة يأس بين قطاعات من الاجيال العربية وخصوصوا تجاه الشعارات التي يرفعها الحكام العرب .
وبمناسبة الحديث عن شعارات حكام العرب ، فلو لجأنا لمقارنة وضع المنطقة العربية ووضع دول جنوب شرقي آسيا نجد الفرق حيث أن دول المنطقتين كانتا على نفس الخط من الناحية الاقتصادية والعلمية والتنموية، وخلال العقود الاربعة الماضية قفزت دول جنوب شرقي آسيا قفزات هائلة اقتصاديا وتكنولوجيا لتصبح دولا صناعية حقيقية وينظر لها باحترام عالمي، اما المنطقة العربية فكانت في مسار عكسي خلال هذه العقود بدون أن تنفعها الثروة النفطية إلى لبناء المزيد من مخيمات اللاجئين، وقد يكون من المفيد القول بأن الفساد في الوطن العربي له علاقة وطيدة بإنعدام السيادة الوطنية.
محمد ابداح








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا