الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذات وهويتها الجنسية

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2016 / 9 / 14
الادب والفن


الذات وهويتها الجنسية

أين تقوم مشكلتنا الثقافية ـ الإجتماعية كعرب، على مستوى العلاقة بين الرجل والمرأة على وجه التحديد؟
من وجهة ثقافية صرف، قد يكون البناء الفلسفي للذائقة العربية هو المسؤول الأول عن تردي نوعية وسمو، أطر وأوجه التعبير والسلوك، لهذه العلاقة الجوهرية، التي تمثل أساس البنى الإجتماعية والأخلاقية والقيمية للبناء الإجتماعي ككل، وبنائه الثقافي ـ السلوكي على وجه التخصيص.
هناك قضية أثبتها العلم وبما لا يدع مجالا للشك في حقيقتها، وهي أن كل إنسان يتكون من بناء جيني، ذكري وأنثوي، في صلب تكوينه الفسلجي، وغلبة أي من هذه الجينات على صاحبتها هو من يمنح الجنين جنسه أو تركيبته وهويته الجنسية، ذكرا أو أنثى.. بمعنى إن كانت الغلبة لقوة وحجم الجينات الذكرية فسيكون جنس الجنين ذكرا، وإن جاءت الغلبة البنيوية للتركيبة الجينية للجينات الأنثوية، فهذا يعني أن جنس المولود الجديد سيكون أنثى..، ولكن غلبة أو طغيان أي من هذه الجينات ولدرجة منحها للجنين هويته الجنسية، لا يعني بالمطلق موت أو غياب جينات تركيبته التي تمثل الجنس الآخر، وإنما عملية تغييبها تكون فعلا (ثقافيا) صرفا... في التكوين، وفيما بعد بالثقافة الإجتماعية.. بمعنى أن البنية الثقافية، بإرثها ومرجعياتها الفكرية، هي المسؤولة عن تغييبها (من ناحية التركيب والأثر والتقبل السيكلوجي)، وبحسب بنية الوعي والبنية الثقافية والذوقية للعملية الإجتماعية التي تحكم حياة أي مجتمع من المجتمعات البشرية.
وفي ما يخص البنية الثقافية العربية ومرجعياتها في هذا الجانب، وهي بنية بدوية صحراوية تقوم على فكرة القوة والغلبة؛ فهذا يعني أن البنية الثقافية العربية، ولعدم إستنادها على بنية فلسفية (بحثية وتحليلية) تكون هي المسؤولة عن إعدام التركيبة الجينية المتراجعة أو الخاسرة في معركة تحديد جنس المولود (وإستبعادها بإعتبارها عارا أخلاقيا وقيميا يحط من قيمة صاحبه)، ولإعتبارات إجتماعية صرف تقوم على فكرة الخجل من إظهاره أو الإعتراف بالدور التكويني لتلك الجينات المتراجعة الدور للمرتبة الثانية وأثرها الذي يبقى يطل برأسه في بعض المناسبات السلوكية، على مستوى الحاجات، والذي تفهمه المرأة وتختصرها بمقولة (الرجل، أي رجل في حضور المرأة ـ على مستوى الحاجات النفسية ـ هو مجرد طفل كبير).
وعلى أساس هذا الفهم تقوم فكرة التربية للعائلة العربية على إعدام (بالتجاهل والمحق الظاهري طبعا) دور الجينات المتراجعة في روع وثقافة المولود بالتنشئة والتربية الإجتماعية والأخلاقية، بدفع المولود الذكر لأن يكون شديد ومكتمل الرجولة، وأن تكون الأنثى شديدة الوعي بإنوثتها لتكون امرأة كاملة.
أما تمظهر هذا البناء الإشكالي على أرض الواقع فيكون نابعا ومحصورا ومحكوما بفهم الخوف من التراجع في أي لحظة.. بمعنى أن الرجل يعمد للمبالغة في بناء ثقافته الذكورية لبسط سيطرته وهيمنة قبضته على المرأة، وهو ما يجبر المرأة على حصر تفكيرها في هذا الجانب، كرد فعل، على التسلح بما يسمح لها بالتمتع بجزء من سطوة أو حاجة جيناتها الذكرية، ومن هنا تظهر مشكلة الصراع وجنوح أوجه تمظهر وأوجه تعبير تلك الحاجات عن نفسها في جانب العلاقة عن قرب، في وجهها الحميمي وشكل تعبيره عن نفسه في نساج العلاقة الجنسية على وجه الخصوص، وهو الصراع الأزلي الذي عادة ما يتحول إلى صراع ارادات، ينتهي بفوز أحد طرفي العلاقة وخضوع الطرف الثاني، إستنادا إلى قوة فعل الجينات المتراجعة الدور وإيمان صاحبها بحاجته لها ولدورها في تركيبته النفسية.
ونظرا لهيمنة سلطة الخوف من سوء فهم الشريك وإستخدام (لحظة الضعف تلك) في الكشف عن الحاجة لتلبية حاجة البناء الجيني المتراجع خطوة إلى الوراء، للشريك (الآخر)، في العلاقة الحميمية على وجه الخصوص، كورقة ضغط (في حالات الخصام على وجه الخصوص) نرى أن كلا الشريكين يضطر لإشباع تلك الحاجة بطريقة ملتوية أحيانا قليلة، أو بطريقة الثورة المضادة أو العكسية، في أغلب الأحيان، والتي تنتج حالات التصرف السادي من قبل الذكر، وحالة التقبل الماسوشي من قبل الأنثى... وطبعا بطريقة مبالغ فيها وتصل حد الإنتقام في الذكر، وحالة جلد الذات والتلذذ بفظاعة الألم في حالة الأنثى، وطبعا كلا الطريفين محكومين بفكرة العار أمام المجتمع، في حالة تشهير الطرف الثاني بحاجة شريكه.
طبعا من نافلة القول أن نذكر هنا أن هذه القضية الإشكالية هي من المحرمات الإجتماعية، ويعتبر الخوض فيها وعرضها وطرحها للنقاش، أمرا محرجا... بل وخادشا للحياء والكرامة... ولكبرياء الرجل، على وجه الخصوص؛ ولذا فإنها بقيت دون نظر وتنظير يضعها في دائرة الضوء ويعالجها على مستوى الإعتراف والفهم والتقبل من قبل المنظومة الإجتماعية، والثقافية فيما بعد؛ ولذا فإنها بقيت معلقة، دون أن تتنازل عن حقها في الفهم والتقبل، رغم أنها لا تطالب بأكثر من تأسيس أرضية واعية لتفهم وجودها والإعتراف بدورها المؤثر في بناء شخصية الإنسان.
إذا الذات الإنسانية، بوجودها العياني الظاهر، هي مجموعة من التصورات الثقافية ـ الإجتماعية المفروضة من الخارج، وليست مجموعة التركيبات والبنى الفطرية المكونة للذات، وخاصة في الجانب السيكلوجي للإنسان؛ وعليه نرى أن أغلب الناس ينطوون على مجموعة من الأمراض والعقد النفسية التي تبقى معلقة، والتي تقود الفرد بإتجاهات الإنحرافات الجنسية، التي تتحول بدورها إلى أمراض وحالات عقدية مكبوتة تسبب الإنحرافات والنوازع النفسية الشاذة.. وفي المحصلة فإن كل هذا هو إشكالية ثقافية على مستوى البنى والفهم وطرق التعامل والمعالجة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال