الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


# هوامش فوق هامش التوضيح #

صلاح زنكنه

2016 / 9 / 15
الادب والفن


إذا كان العمل الأدبي تعبيراً عن رؤيا العالم كما يذهب لوسيان كولدمان ، فالشعر كصنف من أصناف الكلام ، هو خلقٌ وابتكارٌ لهذا العالم ، عالم أكثر بهجةً وإشراقاً عالم من كلماتٍ حتى ولو كانت مجرد كلماتٍ بلا معنى محددٍ لأنَّ الكلماتِ ليست بمعانيها وإنما باستعمالاتها وذلك راجعٌ من حيث المبدأ السيمولوجي لاعتباطية اللغة.
والشاعر أمير الحلاج يشتغل على اللغة وفق هذا المبدأ في العديد من قصائده التي تنحو منحى ذهنيا ناسجا رؤاه بحتمية الشعرِ كخطابٍ ذاتيٍّ فردانيٍّ في مواجهة العالم نائياً بها عن مزالق الدارجِ والسائدِ حتى تبدو جمله الطويلة الملتوية ، معقدة وملغزة وغير مستساغةٍ للذائقة العامة ولا تعطي نفسها من الوهلة الأولى خصوصا في مجموعته (نقطة فوق هامش التوضيح) الصادرة عن مكتبة المنصور1997 التي أنا بصددها .
طوبى لك أيتها الحمى الخارجة من مكبس العاصرين
فلأجلك زفر الزافرون لا الهواء الملوَّث
زفروا المترسب في استكان الروح من حلم الرفرفة ص 15
هذا البناء المركب الشائك يكاد أن ينفرد به الحلاج بين أقرانه ويميزه عنهم ليقترب أحياناً من (العجمة) ولسان الترجمة بنية وصياغة محايثاً آليات أدونيس وأنسي الحاج ، متناغما مع الشاعر اللبناني الذي يكتب بالفرنسية صلاح ستيتية من حيث الصقل والصلابة والتهويمات الذهنية ، فالقصيدة لدى الاثنين رغم فارق التجربة والتجريب والمثاقفة (الشاعران ينهلان من روح الشرق والصوفية) واخزة ، مضغوطة ، حشوية ، تجمع بين الطقوسية الشعرية العتيدة والقصيدة الحديثة الساعية نحو التجديد والمغايرة ، باختصارٍ ثمة نحت وثمة تجريب وثمة كثافة في التجربتين تفترقان وتلتقيان في آن ، هذا لا يعني إن الحلاج تأثر أو أفاد حسب قناعتي الشخصية من ستيتيه بقدر ما يعني تناسب المزاج الشعري والتأمل الظاهراتي في الأفق الكتابي لدى الشاعرين :
لنقارن بين نموِّ التصحّرِ
وانتظارنا نواة التمر أن تزيحَ بعضَ الهواءِ
حتى طور النخلة
وافتقادنا البلابل إلا المحكومة إيداعا في الأقفاصِ
فمن تيبس الأشجار تناثرت الأعشاش ص 19
إن الهمّ الوجوديَّ الذي يضفي بظلاله على نفس الشاعرِ ليسحبه الى التجريد الذهني والتهويمات اللفظية أضفى - في الوقت ذاته - حسّاً مأساوياً على قصائده المليئة بالشجن والأنين والوجع ، واتخذ طابع النجوى والشكوى والخشية من الغد فيهمس:
فأيّ غدٍ صوّروه غيوماً تمطر أفراحاً لم تعد في الحسبان
وبدواخلنا الأوجاع حقول اخضوضرت بالوخزات
والارتعاش رعبا من أيما ماشٍ في الخلف
أو من دقة الباب
أو من رنين الهاتف أو من الظل المتجاوز طول القامة ص 18
وهو كأقرانه من الشعراء الشباب من جيلِ الحربِ والحصار لم ينج من سطوة الحربِ ومفرداتها المسربلة بالدم والألم والموت والتفاعل مع مجريات الواقع العراقي الساخن أبداً متخذاً من قصيدة النثر العراقية هويةً شعريةً بعدما أصدر عام 1989 مجموعته الأولى (مواجيد الحلاج) ضمن شعر التفعيلة .
لترجع الشوارع في المرايا المرمرية
تعكس الغارب من عقد عمرٍ تفتح في وردة النوم محنطاً بالسكينة
راسماً فراشةَ الحضوةِ خلف شبكاتِ الشبابيك
تحت زعيقِ صواريخِ الحربِ وانفجار القنابل ص 28
أمير الحلاج شاعر دؤوب آخر يضاف الى رعيل الشعر العراقي الأصيل ، يجاهد أن يمتلك صوته الخاص ويقتطع مساحة ولو ضيقةً من مساحات الشعر الفسيحة ليسجل حضوره قدر المستطاع متشبثاً بالشعر الخالص.
...
تنويه .. المقال منشور في جريدة العراق 18 / 1 / 1998 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع