الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق وشعبه قبل اي شئ آخر

تقي الوزان

2005 / 12 / 24
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



الخطاب الاخير للرئيس الامريكي بوش , والذي جاء حصيلة اربعة خطابات متتالية حول الوضع في العراق . خلص الى ان امريكا والعالم الحر تخلص من نظام صدام احد اعمدة نظم محور الشر في العالم . وأن العراق في طريقه لبناء نظام ديمقراطي راسخ . وأشاد بالانتخابات العراقية الاخيرة لتوديع المرحلة الانتقالية . وقال ايضاً , ان اميركا وحلفائها سوف لن ينسحبوا من العراق الا بعد ان يتأمن جيش وقوات أمن عراقية قادرة على حفظ النظام . ولن يتركوه لبقايا عصابات النظام المقبور , وعصابات الزرقاوي والتكفيريين الاسلاميين لاقامة إمارات إرهابية على أراضيه .
كل هذا صحيح وجيد . ولكن السيد بوش وإدارته يعلمون جيداً إن لا عودة للبعث مرة اخرى مع شعب ذاق مرارتهم وظلمهم لثلاثة عقود ونصف . وبمجرد ان كسرت حلقة سيطرة صدام , فلن تكون له عودة ثانية . رغم كل ما يقومون به من جرائم بشعة سماها البعض مقاومة " شريفة " أما الزقاوي وتكفيرييه فأن شأنهم أقل بكثير . لأنهم يعتاشون على متضرري إزاحة النظام المقبور , ويفتقدون لتحديد أي هدف إنساني . وأي تحسن في الوضع الامني يأتي من إنهاء حالة الاحتقان الطائفي والقومي . ويأتي بدلا عنه التنافس الحر للمكونات السياسية العراقية , سينهي هذه المجاميع , حتى بدون قتال .
السيد بوش أشاد بالاقبال الكبير للعراقيين على الانتخابات . وأعتبره أكبر علامة لنجاح السياسة الامريكية في العراق . وتجاهل النتائج المترتبة على مثل هكذا أنتخابات , والتي تعتبر هي المحك الحقيقي للنجاح , فيما أذا وضعت العراق في الطريق الصحيح لبناء الديمقراطية , أم وضعته في الطريق الآخر الذي يمزق العراق ويمزق وحدته الاجتماعية .
النتائج الاولية للانتخابات أكدت بما لا يقبل الشك , أن هذه الانتخابات لا تختلف عن انتخابات صدام أو الانظمة العربية الاخرى بنسبها التسعينية , ووسائل الخداع , وشراء الذمم , والتزوير الذي رافقها . بل وحتى جرائم قتل بحق قوائم اخرى منافسة . مثلما حدث لشهداء القائمة العراقية الوطنية . واذا كانت نسبة التسعينات تعود لحزب السلطة فقط عند صدام والانظمة العربية الفاسدة الاخرى , مما جنبها الصراع الدامي على السلطة ، فأن نسبة التسعينات في هذه الانتخابات حدثت للاقطاعات الثلاث الشيعة , السنة , والاكراد في مناطق نفوذها . مما زاد في عمق الاحتقان الطائفي الذي كرسه الحاكم الامريكي السابق " بريمر " لمجتمع هش عانى ما عانى من سلطة غاشمة . والذي زاد من الصراع للحصول على أكبر قدر ممكن من السلطة , أن الاصوات الانتخابية هي اللاعب الوحيد في العملية السياسية , دون توفر الاركان الاساسية الاخرى , بناء الدولة , الامن , الاستقرار , إنهاء البطالة , الاقتصاد , السكن , الوعي الاجتماعي والسياسي .......الخ .
كل هذه النواقص , مع العجلة الامريكية في إقامة دولة ديمقراطية تكون نموذجاً لباقي الانظمة في الشرق الاوسط , جعل من العراق ساحة صراع دولية . وكل دوله تدعم الفئة التي تخدم مصالحها . والصراع الابرز والاشد خطورة على وحدة العراق والعراقيين هو الصراع الايراني الامريكي . والذي تجسد في النتائج الاولية للانتخابات الاخيرة , والتي عبرها بوش ولم يشر اليها في خطابه كونها العلامة الابرز في فشل السياسة الامريكية في العراق . وأشاد فقط بالمشاركة الكبيرة للعراقيين في الانتخابات .
الايرانيون ومنذ اليوم الاول لسقوط النظام , دخلوا العراق بكل قوتهم . محددين هدفهم بكل وضوح , أن يكون العراق تابعاً لهم , ويكون الورقة الاقوى بيدهم في تعاملهم مع الغرب وبالذات الولايات المتحدة الامريكية . ومثلما فعلوا عام 1991 عندما دخل بعض رجالهم وحاولوا أن يجيروا الانتفاضة الجبارة لشعبنا لصالحهم برفع بعض الشعارات الطائفية . وكان ذلك قبل سقوط النظام , مما دفع قوات التحالف للتريث بأسقاط النظام , وتركوا صدام ليفتك بالشعب العراقي , وأنسحب الايرانيون الى داخل حدودهم . هذه المرّة دخلوا العراق يوم سقوط النظام .
لقد دعمت ايران بعض الاحزاب في قائمة الائتلاف الشيعية التي نشأت وتطورت ولا زالت تأخذ رواتب منتسبيها من الاستخبارات الايرانية . وأستخدمت لذلك كل الوسائل ليضمنوا فوز قائمتهم بهذه النسبة الصدامية التي تمكنهم من تشكيل الحكومة . الامريكان الذين شجعوا هذا الانحياز الطائفي في البداية , ظناً منهم بأنه سيمكنهم من لزم العصا العراقية من الوسط , ويتم التحكم من خلاله بباقي الاطراف , ولم يدركوا حجم الاستغلال الايراني للمسألة الطائفية .
أنكشاف الخسارة الامريكية بهذا الوضوح أمام الانتصار الايراني البين , وضع الادارة الامريكية في موقف لا تحسد عليه . وأعاد الكثير من الأسئله المحرجة , وأولها : لماذا الحرب ؟! ما دام أزاحة صدام سيضع العراق بيد ثاني دول محور الشر ايران . فماذا فعلنا ؟!
الاختراق الايراني في العراق كبير . والسلطة الحقيقية في العراق بيد الامريكان وحلفائهم , وبتفويض من الامم المتحدة . وزير الدفاع الامريكي رامسفيلد في زيارته قبل يومين الى العراق قال لجنوده بالاستعداد والتمترس بمعسكرات حصينة , وأن الظروف في العراق ربما ستكون صعبة في الايام القادمة , في أشارة لتوقع صدامات كبيرة . وقبل عدة ايام جرت مناورات مشتركة بين القوات العراقية وقوات التحالف على الحدود الشرقية مع ايران . ويبدو أن تصريح السفير الامريكي زلماي خليلزاده بوجوب أن لا يكون وزير الداخلية القادم طائفي . وتسريب الاخبار عن أعتقال القوات الامريكية لوزير الداخليه السيد بيان جبر لعدة ساعات , والتحقيق معه في عدة أمور , كان أهمها التدخل الفاضح لقوات الامن والشرطة في الانتخابات لصالح قائمة الائتلاف , أول رد فعل أمريكي على هذه الخسارة . والتي يدفع ثمنها العراق وشعبه قبل كل شئ آخر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إسقاط مسيرة إسرائيلية بعد استهدافها في أجواء جنوبي لبنا


.. كيف ستتعامل أمريكا مع إسرائيل حال رفضها مقترح وقف إطلاق النا




.. الشرطة تجر داعمات فلسطين من شعرهن وملابسهن باحتجاجات في ا?مر


.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا




.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا