الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فوضى التكوين

سوسن مروة

2005 / 12 / 25
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


الكلمات كائنات حية تنبض بالألق المتربّع على عرش البياض وعروقها تصبو لقارئ يغمس روحه في تلوينات النص ناشداً المتعة وإشباع فضول لا يستقيم إن لم يعزف على إيقاع المعرفة .والمعرفة هي اللون الذي يستحيل ظلاًّ شاحباً إن لم يتلبّس عروق الحياة ونبضها الخلاّق.
وفي معرض حديثه عن الكتب والقراءة ،كتب فرانز كافكا الى صديق له يقول:"أنا أظن،على المرء ألاّ يقرأ إلاّ تلك الكتب التي تعضّه وتخزه.إذا كان الكتاب الذي نقرأه لا يوقظنا بخبطة على جمجمتنا فلماذا نقرأ الكتاب إذن؟كي يجعلنا سعداء ؟يا إلهي،كنا سنصبح سعداء حتى لو لم تكن عندنا كتب...إننا نحتاج الكتب التي تنزل علينا كالبليّة التي تؤلمنا ،كموت مَن نحبّه أكثر مما نحب أنفسنا،التي تجعلنا نشعر وكأننا قد طردنا إلى الغابات بعيدا عن الناس مثل الإنتحار.على الكتاب أن يكون كالفأس التي تهشّم البحر المتجمد في داخلنا
ورغم انني أعتقد أن نصيبنا من القراءة يجب أن يشمل الجانبين اللذين قد يبدوان متناقضين للوهلة الأولى ،السعادة والألم،المتعة الكسولة والفائدة المنهكة الدؤوبة،إلا أنني أوافق على أن عملية القراءة يجب أن تؤدي إلى اغتراف سوائل الروح والعقل ورجّها وخلطها وإعادة تشكيلها كما يفعل البركان الذي وإن أسال حممه على عناصر الطبيعة وسبّب بالفوضى فهو يعيد تشكيلها ويحييها استجابة لقانون الوجود الذي يحتفل بتعاقب الموت والحياة في ملحمة من أعجب الملاحم التي قد يتصوّرها العقل البشري.
والقراءة ،قراءة الكلمة ،بالنسبة لفيلسوف التربية البرازيلي، باولو فيريري،"تمكّن من قراءة العالم" التي تعني القراءة الناقدة التي تستنهض العقل المحلّل الواعي حيث كل قراءة واعية تمكّننا من مراجعة قراءاتنا السابقة للعالم.قراءة العالم تتخذ النقد سبيلا ووسيلة وبهذا هي دراسة كاشفة أو مستكشفة .
وقد عرف الحكّام الديكتاتوريون قوّة الكلمة وسلطتها الغير محدودة المنافسة لسلطاتهم كما عرفوا دائما أن الجماهير الأمية والجاهلة سهلة الإنقياد .وقد قال فولتير أن "الكتب تشتت الجهل ،هذا الحارس الأمين والضامن الحريص للدول ذات الأنظمة البوليسية.
لذلك تحاول السلطات القمعية فرض رقابتها على الكتب ومحتوياتها والتاريخ حافل بمحاولات منع الكتب إلى حرقها والأمثلة كثيرة على تلك الشهوة العارمة لتدمير ذاكرة الشعوب .
وتلك الشهوة وجدت متنفُّسها ابتداء بتدمير المكتبات العامة في مصر في القرن الرابع عشر ق.م.مع أخناتون الذي دمّر النصوص السابقة القديمة في طيبة بدافع نشر الوحدانية إلى تدمير مكتبة الملك أشور بنيبعل ومكتبة الإسكندرية والمكتبة الفاطمية ومكتبة المنصور في قرطبة وتدمير مكتبة بغداد حين أمر هولاكو بطرح الكتب في دجلة مرورا بالصليبيين الذين كانوا يشكّون كتب القسطنطينية في رؤوس رماحهم. وفي اسبانيا أحرقت محاكم التفتيش الكتب العربية والعبرية انتهاء بنهب وتخريب المكتبة العراقية في بغداد والمكتبة الإسلامية الرئيسيةفي العراق تحت ظل الإحتلال الأمريكي للعراق

حين نقرأ نخلق صورنا الخاصة استنادا الى تجاربنا الحياتية الخاصة وانعكاسا لحاجاتنا الفردية الخاصة .ويقول برونو بتلهايم أن الكتاب الجيد ينبّه الذهن ويحرّره في الوقت ذاته ،والقراءة تشتمل على شكل مركّب من النشاط العقلي .فيتدرّب العقل على مهارات التركيز،وتنمو قدرات الخيال والتصور العقلي .والقراءة عملية ثنائية الإتجاه بحيث أن القارئ يعيد تدوير النص المقروء .من ناحية أخرى فالقراءة المتقدّمة التي يطلق عليها التفكير الإستدلالي هي القدرة المكتسبة على استخلاص الإستنتاجات وتكوين الأحكام وتفسير وخلق أفكار جديدة من خلال ما يقرأه الإنسان وهو ما يشكل أساس القراءة الهادفة في الأدب والتاريخ والعلوم وغيرها من المجالات.دون هذه القدرة المركّبة تمسي القراءة ممارسة سطحية ضحلة
لكن الكلمة المطبوعة اليوم،في عصر طغيان الصورة ،عصر الفضائيات والفيديو كليب والكومبيوتر والإنترنت ،تلك الكلمة تعاني من حصار يتجاوز منع التداول وفرض الرقابة على تداولها كما يتجاوز فرض الضرائب الباهظة على الكتاب المطبوع في عالمنا العربي .
الكتاب يعاني من إعراض القارئ عنه بسبب طغيان فتنة الصورة والإستهلاك الرخيص لدى جيل الشباب بشكل خاص ،هذا الجيل الذي فتح عينيه على عالم عربي ممزق مبعثر يعاني من الشيزوفرينيا والإحباط من توالي الهزائم والإنكسارات .جيل يسأل عن هويته وانتمائه ومكانه في هذا العالم الذي تخنقه العولمة المتوحشة أحدهم قال أن الثقافة هي الخندق الأخير والشباب هم حرّاس هذا الخندق.والثقافة المقاومة هي المعنية بالدرجة الأولى..وهنا يبرز تساؤل يكتسب شرعيته من عمق الأزمة التي تعصف بنا:ألسنا جميعا معنيين بإيلاء قضية ثقافة الشباب الصاعد المركز الأول في سلّم اهتماماتنا ؟أليسوا هم خندقنا الأخير ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح والعلاقات بين مصر واسرائيل .. بين التوتر والحفاظ على الم


.. الجدل المتفاقم حول -اليوم التالي- للحرب في غزة.. التفاصيل مع




.. حماس ترد على عباس بشأن -توفير الذرائع لإسرائيل-.. فما انعكاس


.. قتلى ومصابون في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل وحزب الله | #ر




.. جدل مستمر وخلاف إسرائيلي وفلسطيني حول مستقبل حكم غزة | #التا