الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نداء إلى مثقفي غزة: الأسباب الحقيقية للحصار !

عبدالله أبو شرخ
(Abdallah M Abusharekh)

2016 / 9 / 16
القضية الفلسطينية


لماذا يسمح لجميع عمال الضفة الغربية بالعمل داخل إسرائيل بينما يمنع من ذلك عمال غزة حتى وصلت البطالة في غزة لأكثر من 70 % بين الشباب والخريجين ؟؟!
لماذا تلغي الأردن جوازات سفر الغزيين بينما تسهل مرور أهل الضفة ؟؟! لماذا يحتاج أهل غزة عند السفر للأردن ورقة عدم الممانعة التي تحتاج لشهور وقد يأتي الرفض بينما يستطيع أهل الضفة السفر إلى الأردن في أقل من 24 ساعة من الجسر المفتوح طوال الوقت ؟؟!
لماذا أغلقت مصر معبر رفح في وجه الغزيين بصورة تامة ؟؟!
أي أن غزة والأردن وإسرائيل تضع العراقيل الكأداء أمام حركة وتنقل الغزيين .. فما السبب يا ترى ؟؟! لماذا يتحالف العالم كله ضد أهل غزة بالذات ؟؟!
---------------------------------
اليوم كنت في زيارة لمريضة سرطان من أقربائي، حدثتني بكل مرارة عن معاملة الجيش الإسرائيلي للمرضى وذويهم. تخيلوا أن يضطر مريض السرطان إلى دخول غرفة التصوير الأمني التي شرطها أن يرفع المريض يديه إلى أعلى ويفتح رجليه من أسفل ؟؟! إذلال وإهانة واحتقار !!! تخيلوا أن المرافق لمريض السرطان يجب أن يكون من القرابة الأولى ثم يحصل على الموافقة الأمنية من المخابرات الإسرائيلية، وأن بعض المرضى لا يجدون أي مرافق صالح للدخول بسبب التعقيدات الأمنية ؟؟! وهل تتصورا أن مريض السرطان يمنع من حمل كيس به " دقة " أو زعتر لأنها من الممنوعات ؟؟! أي قانون في الكون يجبر مريضة سرطان في النخاع أن ترفع يديها إلى أعلى وهي تتألم بشدة جراء المرض ؟؟!
نفس الإجراءات المذلة والمهينة تطبق على ذوي الأسرى عند زيارتهم لأبنائهم في عشرات السجون الإسرائيلية !
---------------------------------
حتى في السبعينات، كانت غزة تواجه الاحتلال بالعنف وتودع قوافل الشهداء، بينما الضفة تبني مؤسساتها ونقاباتها لتكوين حياة مدنية كريمة، فهل العنف متأصل في جنوب فلسطين ؟؟!
في الحقيقة لا يمكن إرجاع أو تفسير العنف كطريقة للحوار لأي أسباب وراثية، بل إن للظروف الاجتماعية والاقتصادية الدور الفاعل والأهم، فغزة الآن، منطقة مزدحمة جدا، فقيرة جدا، يشيع بها الجهل، وهذا يغذي العنف، ولكن ألم يكن للعنف الدور الأبرز في إغلاق إسرائيل في وجه العمال والحصار الذي فاقم من العنف ؟؟! هل لاحظتم العبارات الأخيرة ؟؟! المسألة أن مجتمع غزة قد دخل مرحلة عدمية خطيرة جدا .. عنف يغذي الجهل وبالتالي الفقر، وفقر وازدحام يغذيان العنف !!! إنها العدمية ولا حل عادي أو تقليدي لهذه المأساة !
---------------------------------------
الآن سأعود بالذاكرة إلى الفترة ما بين 1974، 1987، أي فترة ما بعد نهاية العصيان المسلح في السبعينات، إلى ما قبل الانتفاضة التي اتخذت من " عنف الحجارة " وسيلة لها. في ربيع العام 1974، كانت الحدود مع إسرائيل شبه مفتوحة بلا أي قيود أمنية، فكانت مدارس غزة تقوم برحلات ترفيهية إلى مدن فلسطين 1948، وفي هذه الرحلة أذكر أننا خرجنا من الصباح الباكر إلى الباصات، وكان برفقتنا جميع معلمينا. زرنا القدس ثم البحر الميت حيث سبح بعضنا، ثم بحيرة طبريا حيث سبح معظمنا، وفي ختام مشوار الذهاب وصلنا إلى رأس الناقورة وأركبونا في القطار الهوائي لزيارة المغارات المائية الرهيبة أسفل الجبل. في طريق العودة زرنا عكا ومسجد أحمد باشا الجزار وقمنا بشراء الصور السياحية الخاصة بالمدينة التاريخية. زرنا حيفا واستخدمنا السلم الكهربائي في الصعود لجبل الكرمل، ثم اختتمنا الرحلة الرائعة عصر ذلك اليوم في تل أبيب حيث دخلنا حديقة الحيوانات وشاهدنا الحيوانات والطيور التي كنا نشاهدها في كتب العلوم النظرية. لقد صادف وجود مدرستنا في الحديقة وجود مدارس أخرى لطلاب يهود، لم نتحدث معهم ولم يتحدثوا معنا، بل أمضى كل منا وقته مستمتعاً بمرافق الحديقة !
لقد تحسنت العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين أهل القطاع والشعب الإسرائيلي لدرجة أنه وفي العام 1983 فكرت إسرائيل ( بقيادة شارون ) في ضم قطاع غزة فأزاحت نقطة التفتيش المتواضعة من حاجز إيرز، وأصبحت غزة جزء من كامل فلسطين " إسرائيل " بلا أي حدود ولا أي تفتيش ولا أي مضايقات. كان طلاب غزة يسافرون إلى أوروبا باستخدام جواز إسرائيلي من خلال مطار اللد، مثلنا في ذلك مثل الإسرائيليين، وكان عمال غزة يعملون في المصانع والشركات والمزارع الإسرائيلية بنفس حقوق العمال اليهود، إلى أن جاء ذلك اليوم عندما قام بعض المراهقين بخطف باص مدني من المجدل وأجبروه على التوجه لدير البلح، وكان تفكيرهم الساذج يخطط للدخول بالباص إلى منطقة سيناء، فقام الجيش الإسرائيلي بعملية كوماندو لتحرير الباص وتم اغتيال المنفذين، ولكن في اليوم التالي تماماً، أعاد شارون نقطة إيرز بين غزة وإسرائيل، وعاد التفتيش والتدقيق، الذي تفاقم مع بداية أحداث الانتفاضة الأولى، ثم تفاقم أكثر بعد الانتفاضة الثانية، ثم أغلقت إسرائيل حدودها نهائياً أمام آلاف العمال بعد تنفيذ ( خطة ) الانسحاب أحادي الجانب من غزة عام 2005 !!
----------------------------------------
أثناء فوضى ثورة يناير في مصر، حدث اقتحام مسلح للسجون المصرية، وتم استغلال الفراغ الأمني لإخراج قيادات إخوانية من السجون بمضمنهم محمد مرسي الذي سيصبح رئيساً، وقد قدمت الدولة المصرية أدلة على تورط عناصر من حماس في اقتحام السجون، وهو خرق وانتهاك للأمن القومي المصري. مصر قدمت أدلة على تورط حماس في تدريب عناصر إرهابية في سيناء وقد طالبت مصر حماس بتسليم بعض المتهمين والمتورطين من حماس ولكن حماس رفضت، ولأن مصر يهمها أمنها القومي، فقد طالبت حماس بالتخلي عن إدارة المعبر لصالح السلطة الفلسطينية. رفضت حماس وما زالت ترفض، فقامت مصر وحرصاً على أمنها بإغلاق المعبر نهائياً في وجه سكان غزة، عملاً بالمثل ( الشباك الذي يأتيك منه الريح سده واستريح ) !
----------------------------------------
ونعود بالذاكرة إلى الأردن ولبنان، حيث لم تحترم الثورة الفلسطينية سيادة الدولة الأردنية وكان الوجود الفلسطيني في الأردن مبنياً على سياسة القوة والعرنطة، حتى وصل الأمر إلى خطف الطائرات المدنية من مطارات أوروبا ثم أنزالها في مطار خاص في الأردن، الأمر الذي وضع الملك في مجابهة الثورة، وكان ختام المشهد الأردني بمجازر أيلول، ثم انتقلت الثورة إلى لبنان، وهناك لم تحترم الثورة خصوصية المجتمع اللبناني وطبيعته، فتكررت مشاهد العرنطة والعربدة، وأصبحت منظمة التحرير دولة داخل دولة، ولم يكن مشهد الختام في لبنان أقل سوءا عنه في الأردن، فقد أسدل الستار على الوجود الفلسطيني في لبنان بمذابح صبرا وشاتيلا التي عبرت عن حقد وكراهية واضحة من قبل حزب الكتائب ضد ماهية الوجود الفلسطيني !
--------------------------------------
وعودة إلى أحداث الانتفاضة الأولى التي وجهت ضربة قاصمة لعلاقات سكان غزة بإسرائيل، حيث كانت إسرائيل وحتى أثناء الانتفاضة، تحرص على استمرار توجه 120 ألف عامل إلى داخل حدودها، لكن بعض المراهقين الثوريين والجهاديين، قتلوا مشغليهم الإسرائيليين على اعتبار أن قتل رب العمل اليهودي وسيلة لتحرير فلسطين، فبدأت إسرائيل سياسة طويلة المدى، تهدف إلى التخلص من الاعتماد الكبير على عمال غزة، وبدأت تستقدم عمال من تايلاند وشرق أوروبا، وقد ساعدها على ذلك انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك الدول الاشتراكية. تقلص عدد العمال مع مرور السنوات التي لم يتوقف فيها العنف، بل تم تطويره إلى الصواريخ البدائية التي تزعج الإسرائيليين، وتمنح إسرائيل كل المبررات لاستخدام القوة الغاشمة ضد سكان غزة !
--------------------------------------
لقد كان للعنف الغزي " الثوري " دورا مهما في عقيدة الأردن الأمنية ضد أهل غزة، كما كان للعنف الدور الأبرز في إغلاق معبر رفح، كما كان للعنف الفلسطيني دون أدنى شك الدور الأهم للإغلاق الإسرائيلي والإجراءات الأمنية المذلة والمهينة على المعابر، ولا ننس أن العنف أثناء الانتفاضة الثانية قد أدى إلى بناء الجدار العازل في الضفة الغربية !
------------------------------------
الخلاصة:
1- إن الحصار الثلاثي المطلق والخانق من الأردن ومصر وإسرائيل ناجم عن عقيدة نشأت وتطورت كنتيجة مباشرة للأحداث، مفادها أن أهل غزة يؤمنون بالعنف كوسيلة وحيدة لتحقيق أهدافهم .. التاريخ يشهد أن غزة كانت دوما مصدراً للعنف منذ السبعينات وحتى الآن ! ( من قبل حماس والجهاد ) !

2- القوى السياسية في غزة لا تعترف بإسرائيل كدولة، وهذا بدوره انعكس على مجمل الوعي العام بعدم الاعتراف بإسرائيل، رغم الاعتراف الرسمي لقيادة منظمة التحرير بدولة إسرائيل.

3- الفترة ما بين 1974 و 1987، تؤكد أن الإسرائيليين لم يكن لديهم أي اعتراض مبدأي على جعل غزة جزءا من الدولة، بل لقد كان الإسرائيليون يتحدثون مع أهل غزة بكل صراحة ( دعوكم من الثورات والعنف واقبلوا الحياة معنا في إسرائيل ) !

4- كما أوردت سابقاً في مقدمة المقال، أن دوامة العنف في غزة قد دخلت مرحلة العدم منذ سنوات طويلة، حيث العنف يغذي الحصار والفقر، كما أن الفقر والجهل يغذيان العنف، وهو ما يعني، أن على جميع مثقفي غزة، أن ينتبهوا إلى إشكاليات العنف التاريخي في غزة ودوره في إجبار إسرائيل ومصر والأردن في فرض العقوبات القاسية ضد أهل القطاع وبالذات في مجال السفر وحرية التنقل التي طالما استغلها ( الثوار ) من أجل القيام بعمليات لم تحرر نملة من جحرها !!

5- إن المثقفين في غزة بحاجة ماسة إلى مواجهة شجاعة مع الذات، من أجل نقد الواقع الاجتماعي والثقافي، ولا بأس أن تعقد الندوات وحلقات النقاش من أجل مناقشة كيفية الخلاص من أسباب العنف الفكرية والثقافية، كخطوة ابتدائية تمهد لعقد مؤتمر ثقافي وطني شامل في غزة مناهض للعنف، بما في ذلك، وبكل وضوح، عنف المقاومة !

6- يجب أن يقوم المثقفون بدورهم الأصيل في أقناع الناس بأن دولة إسرائيل لم تقم برضا الشعب الفلسطيني أو اختياره، ولا حتى برضا العرب أو خيانتهم، بل بسبب ضعفنا الحضاري والعلمي – كعرب - في مواجهة موجات المهاجرين اليهود وخاصة الغربيين، وأن العدالة المطلقة لم توجد قط عبر التاريخ، وأن مفهوم العدالة النسبية يتمركز في حق الأقوى لتنظيم الحياة وصيرورة التطور وأن على الضعيف أن يحترم ضعفه، وإلا واجه الاندثار والفناء كما اندثرت أمم كثيرة من قبل !

7- يجب الاقتناع بأن ضياع فلسطين سببه الضعف والتخلف الفكري والحضاري، وأن معركة ضياع فلسطين عام 1948 كانت حرباً كنا فيها الطرف المهزوم، ولهذا فإن على المهزوم أن يواجه نفسه وينتقدها ويعيد بنائها، بصورة تحفظ له ولأجياله حق الوجود الهاديء والطبيعي ضمن جوقة الأمم المتحضرة، تماماً كما فعلت كل من اليابان وألمانيا بعد هزيمتهما في حرب كونية خسرت فيها الإنسانية 55 مليون إنسان !!

16 – 9 - 2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تنويه وإضافة
عبد القادر أنيس ( 2016 / 9 / 16 - 21:39 )
أتبنى تحليلك. أضيف أن منظمة التحرير بقيادة عرفات ساهمت في هذا التعفن حد الإجرام. تأسيس السلطة الوطنية إنما تم على أساس الاعتراف المتبادل والحل السلمي التفاوضي. لكن عرفات تعمّد تعفين الوضع عندما سمح لقوى سياسية (إسلامية وغير إسلامية) بتأسيس أحزاب والمشاركة في الانتخابات مع أن برامجها كانت تتوعّد بنسف اتفاقيات أوسلو ومواصلة الجهاد حتى القضاء على إسرائيل وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر. بل إن عرفات دافع عن العمليات الانتحارية. لست في حاجة إلى تذكيرك بميثاق حماس
http://urlz.fr/45Le
وهو ميثاق يقطر ظلامية وتخلفا وهمجية وقروسطية، وضرره أقبح على الفلسطينيين قبل غيرهم، كما بينت الأحداث فيما بعد، ومع ذلك شاركت به حماس كبرنامج انتخابي موهمة الناس بأن النصر على اليهود ممكن فقط لأن الله معنا.
المؤسف أن عباس مازال يحاول المصالحة مع الإرهابيين.
خطابك يجب أن يتبناه كل عاقل، وهو الأنجع في النضال الوطني الفلسطيني لإقامة دولة ومجتمع قابلين للحياة.
تحياتي


2 - عبد القادر أنيس
عبدالله أبو شرخ ( 2016 / 9 / 17 - 00:28 )
قرأت تعليقك البديع وأتفق معك حول ما أوردته بخصوص ميثاق حماس الذي سيتغير في القريب العاجل .. حماس تسعى لاحتلال مكانة السلطة الوطنية .. لكن العنف في غزة سابق حتى على تكوين حماس.
أتبنى قولك بأن علينا انتهاج وسائل عقلانية للحصول على حقوقنا.
شكرا لمرورك الطيب وتقبل مودتي


3 - كيف يغيب الوطن
عبد الحسين سلمان ( 2016 / 9 / 17 - 08:59 )
موقف شجاع من زميل يعيش وسط جحيم حماس.
هوشي منه و ماو تسي تونغ و كاستروا وجيفارا كانوا وطنيين قبل ان يكونوا شيوعيين. لذلك انتصروا على الامريكان و الفرنسيين.

يسئل الراحل الكبير هادي العلوي : كيف يغيب الوطن...؟.
....ويجيب:
حين تتمكن عصابة من الناس من السيطرة على المؤسسات القمعية و مصادر الثروة في دولة ما فتلغي –حكما- سيادة الوطن لصالح العصابة.


4 - ردودك الرائعة على الفيسبوك
ملحد ( 2016 / 9 / 17 - 13:16 )
ردودك الرائعة على الفيسبوك

1- أعطيني بلاد تحررت من الاستعمار ؟؟؟ فيتنام التي تحرث أرضها بالحمير ؟؟ أم الجزائر التي يتمنى معظم شبابها الهجرة إلى فرنسا ؟؟؟ أم أنت معجب بحياة أهل غزة المطاردين كالكلاب الجرباء على المعابر والمطارات والموانيء ؟؟؟ لو كنت من غزة لكان لك رأي أكثر نزاهة

2- أعتقد أن توصيف العلاقة العبودية لسود أمريكا بعلاقة غزة بالدولة العبرية فيه الكثير من الشطط، وإلا بماذا تفسر عمل أهل غزة في المصانع الإسرائيلية مع العمال اليهود وبنفس الحقوق بضمنها هدايا الأعياد والإجازات والادخار الوطني ؟؟؟؟ كن عادلا ومنطقيا يا صديقي

تعقيب: ردود رائعة ومفحمة لكاتب متألق وطني ورشيد يحب شعبه ووطنه

تحياتي لك ايها الشجاع

اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. تقارير: الحرب الإسرائيلية على غزة دمرت ربع الأراضي الزراعية




.. مصادر لبنانية: الرد اللبناني على المبادرة الفرنسية المعدّلة


.. مقررة أممية: هدف العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ البداية ت




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على خان يونس