الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هوليود .. صناعة السينما و تضليل الوعي

ليلى محمود

2016 / 9 / 17
الادب والفن


هوليود .. صناعة السينما و تضليل الوعي

حاول قطاع واسع من الكتاب المهتمين بالشأن السينمائي ربط الحضور الإديولوجي القوي في الإنتاجات الهوليودية بمتطلبات الحرب الباردة ، التي فرضت على الولايات المتحدة الأمريكية اعتماد أساليب التضليل الإديولوجي في الحقول الإعلامية و الفنية و الثقافية بكثافة، بهدف اختراق مجتمعات الدول المتحلقة حول الاتحاد السوفييتي و جعل مطلب اللبرلة مطلبا داخليا منبهرا بنموذج الحياة الذي تقدمه هوليود .
لكن ما يثبته واقع الإنتاج السينمائي الهوليودي إلى اليوم ، يناقض ما سبق ذكره تماما ! حيث يبرز الهدف الإديولوجي قبل هدف الربح الذي تدره هذه الصناعة ، فلا يخلو إنتاج هوليودي من تعميق القيم المرتبطة باقتصاد السوق و الثقافة الإستهلاكية و عولمة نموذج الإنسان / الفرد الأناني المستهلك ، و كذا تقديم نموذج النظام الرأسمالي الحالي كقدر لا يمكن تغييره و نمط الحياة المرتبط به كأرقى ما يمكن أن تعيشه البشرية، المهدد رغم ما قد ينتجه من مشكلات و سلبيات بالفناء و بالتالي فناء الإنسان نفسه من طرف قوى الشر الداخلية و الخارجية ، الطبيعية و ما فوق طبيعية ..
لا يقف الأمر عند هذا الحد بل يتعداه إلى التزوير الفج للأحداث التاريخية و أدوار الفاعلين المؤثرين فيها ، فيصبح السبب نتيجة و النتيجة سببا ، و المستعمر محررا و المقاوم وحشا ، و مجرم الحرب ديمقراطيا و الثائر عميلا ...
مناسبة الحديث هذا ، فيلم أمريكي صدر السنة الماضية بميزانية تعادل 6000000 دولار و حاز على العديد من الجوائز في مهرجانات دولية متعددة يتناول الحروب الأهلية بإفريقيا موضوعا له من خلال تجربة طفل ساقته ظروف الحرب إلى المشاركة فيها.
لقد سبق للفنان العامي عمر الشريف أن قدم اعتذارا لجمهوره و كافة المشاهدين على أدائه دور البطولة في فيلم هوليودي كانت التجربة الثورية للمناضل الأممي تشي غيفارا موضوعه . معتبرا أن الفيلم هو محاولة إديولوجية أغدقت عليها الأموال بهدف تزوير الحقائق و تشويهها للنيل من رمزية هذه التجربة الثورية المحفزة لحركات التحرر عبر العالم.
ها نحن اليوم أمام نسخ مكرر لنفس النموذج في فيلم " وحوش بلا وطن " المعتمد على رواية لأحد الكتاب النيجيريين .
لم يسمح هدف الفيلم الإديولوجي بأي تعقيد فني للقصة و فصولها . فقط مدخل يشير إلى حدوث انقلاب عسكري ، نشب الصراع العسكري على إثره بين القوات النظامية و ميليشيات محلية رافضة للانقلاب، ليتم تهجير أم الطفل بطل الفيلم و طفليها الصغيرين و قتل أبيه و أخيه الأكبر من طرف الجيش لعدم امتثالهما لقرار إفراغ القرية التام ، ليتم تجنيد الطفل البطل من طرف ميليشيا محلية ، ثم يبدأ سرد طويل لجرائم هذه الميليشيا يمتد على طول الفيلم ، ينتهي باستسلام كل أفرادها عدا القائد بعد قطع الإمداد و الدعم عنه من طرف القوة السياسية التي تدعمه !
لم يسمح هدف الفيلم الذي صور هذه الميليشيا كتجمع لأشخاص متوحشين عراة يصرخون بهستيرية و أطفال صغار السن لا حول لهم و لا فهم و زعيم مجرم مدفوع بوعد له أن يصبح جنرالا ، بوجود حوارات عميقة و تبادل أفكار و تصورات حول المسألة الإفريقية أو حتى الإشكالات الخاصة بالاعتقادات الفردية و حياة الحرب ... فقط حوارات قصيرة و سطحية و فقيرة للغاية !
ما عدا ذلك تجييش الأطفال ، قتل بسبب و بدونه ، إعدامات ، كسر الرؤوس و الجماجم ، قطع الرقاب و حرق الأجساد، اغتصابات للنساء و الأطفال، تناول كل أصناف المخدرات ، طمع و جشع و نهب ... ثم يظهر الإنسان الأبيض ، ليبدأ الحديث عن السلام و وقف الحرب و محاكمة مجرميها و السلام .
هكذا ، تستمر صناعة السينما الأمريكية في مهمتها المقدسة في التضليل و التزييف و قلب الحقائق لصالح النظام الرأسمالي و مراكزه العالمية . فالتاريخ يثبت حجم الإجرام المهول الذي ارتكبته القوى الإمبريالية في حق القارة الإفريقية و شعوبها ، من الإستنزاف المفرط لخيراتها و ثرواتها الطاقية و الفلاحية و المعدنية و البحرية ، إلى استعباد شعوبها و مص قواهم العضلية بإفريقيا نفسها أو بعد تهجيرهم إلى القارة الأمريكية مكدسين في البواخر ، وصولا إلى منع و قمع كل محاولة تنموية مستقلة منبعثة من اختيار شعبي حر عبر الإنقلابات العسكرية و اغتيال النشطاء السياسيين المدافعين عن تحرر بلدانهم من التبعية للإمبريالية ، و إذكاء النعرات القبلية و الطائفية و مد أطرافها بالأسلحة ...
إن الأسوء من سياسة التضليل الإديولوجي الهوليودية، هو بروز بعض المفذلكين من النقاد السينمائيين المنبهرين بالمدرسة الهوليودية بين ظهرانينا ، كلما تعلق الأمر بعمل إبداعي جاد يجعل من حرية الإبداع مجالا لإبداع في سبيل الحرية ، ليحدثونا عن الفن الخالص المجرد المنفلت من كل رسالة إنسانية ، لا لأنهم ضد حمل العمل الفني لأي رسالة أو قضية أو موقف ، بل لأنهم يريدونه حاملا لرسالة واحدة حصرا ، هي الرسالة الهوليودية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟