الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزمة السورية الى أين؟

رياض حسن محرم

2016 / 9 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


فزعانة يا قلبي
أكبر بهالغربة
ما تعرفني بلادي
خدني على بلادي
( فيروز- نسّم علينا الهوى)
ما يزيد عن خمس سنوات والأزمة فى سوريا لا تراوح مكانها بل تزيد تفاقما، كلما أوشك حل أن يرى النور تبدد مع العاصفة، لا الأخضر إبراهيمى أو كوفى عنان أو حتى ديموستورا يملكون شيئا أمام التعنت على الأرض، كرّ هنا وفرّ هناك بين معسكرى المعارضة والنظام، الثابت الوحيد هو إستمرار داعش فى الرقة ودير الزور رغم تراجعها عن أراض بمنبج وجرابلس وحصد عدد من رؤوسها آخرهم أبو محمد البغدادى والحبل على الجرار، ويتراوح الحال فى حلب على ماهو عليه، بينما الجديد هو دخول تركيا المسّلح لمطاردة قوات سوريا الديموقراطية وعناصر حزب الإتحاد الديموقراطى "pyd" الذى حاول أن يصل الشريط الممتد من المالكية الى عفرين من أجل كيان كردى يضع القامشلى فى مواجهة دمشق كحال أربيل فى مواجهة بغداد.
إن التحالف السوري الإيراني، والدخول الروسى العسكرى لصالح النظام، والصراع السني الشيعي، وممارسة أمريكا والإتحاد الأوروبي والسعودية وقطر تدخلا في سوريا، ما يمكن القول أن الحرب الأهلية الدائرة بين بشار والمعارضة هي حرب وكلاء يمارس فيها الخارج الدور الرئيسى، لقد تقلص الإهتمام الأمريكى بالمنطقة فى مقابل تركيز إهتمامها على آسيا والمحيط الهندى ويبدو أنه إتجاه لا رجعة فيه، ويظهر من الواقع الميدانى فى اللحظة الراهنة أن كفة النظام هى الأرجح مستعينا بالتدخل الروسى، فى مقابل تركيبة قوات المعارضة المعقدة وعدم قدرتها على التوحد الاّ فى بعض المعارك المتفرقة كالمعركة الأخيرة فى حلب التى إستطاعت فيها المعارضة تحت قيادة جبهة النصرة أن تكسر حصار النظام بعد نجاحه فى الإستيلاء على طريق الكاستيللو، وتأتى صعوبة توحد فصائل المعارضة الى تباينها الإديولوجى وغلبة العناصر السلفية الجهادية عليها "وهى دائمة التناحر والتكفير بعضها لبعض"، ولعل يكون ذلك أحد أسباب تراجع الدعم الأمريكى والخليجى لتلك الفصائل، وقد وصل نظام الأسد إلى ذروة قدرته على تعبئة المزيد من الموارد لمواصلة الحرب، فإن محاولته تطويق حلب منذ أواخر عام 2014 تعثّرت، ولا تزال قواته منهمكة في وضع «إطفاء الحرائق» في مواجهة الضغط المستمر من قوات المعارضة أو تنظيم الدولة الإسلامية إلى الشرق من محافظتي حماة وحمص وفي منطقة دمشق وحلب، هذا المصير ليس وشيكاً. فيمكن للنظام في الوقت الراهن إعادة تأسيس توازن عسكري من خلال الانكماش جغرافياً للثبات على خطوط مواجهة أكثر استقراراً، فيما يقلِّص خدمات الدولة بشدّة أكبر بعد إنهيار الليرة ويعصر المزيد من الدخل من المواطنين بهدف تركيز موارده كلياً على الحفاظ على ذاته حصراً.
لقد إستطاع نظام البعث أن يحافظ على الإستقرار الداخلى لعدة عقود منذ قيام الأسد الأب بحركته التصحيحية فى 1970 لتتوقف سلسلة الإنقلابات العسكرية وإنشقاقات حزب البعث الحاكم، تلك الإنقلابات التى دشنتها سوريا على مستوى العالم العربى منذ عام 1949 حيث شهدت البلاد ثلاثة إنقلابات متتالية فى غضون ثمانية عشر شهرا( إنقلابات حسنى الزعيم وسامى الحناوى وأديب الشيشيكلى)، وقد تحقق هذا الإستقرار بتكلفة باهظة وإستطاع النظام أن يحكم قبضته كل تلك المدة الطويلة مستفيد من مشاركته فى حرب 1973 وتحقيقه معدلات تنمية لا بأس بها، تتشابه فى ذلك معظم الأنظمة القومية التى نشأت فى المنطقة العربية بعد هزيمة 1967 فى العراق وسوريا وليبيا والسودان واليمن والتى تميزت بالقبضة الحديدية وشمولية نظام الدولة البوليسية مع الكثير من الديماجوجيا والميل الى الإحتكار العائلى للحكم، ورغم أن أجهزة الدولة ظلت محافظة على مجموعة واسعة من التحالفات مع بقية مكونات الشعب السورى من السنة والأقليات الاّ أن تفجر الصراع بعد 2011 أدى الى تفكك تلك الأجهزة وخاصة المؤسسة الأمنية وتحولق المجموعات العرقية فيما تحدده الأقلية العلوية بحلفائها من الشيعة فى إيران وحزب الله وخروج القوى المعارضة الأخرى معتمدة على أرضية إثنية وعرقية وطائفية معارضة، مستعينة بقوى إقليمية كالسعودية وقطر.
أن ما نواجهه الآن هو نوع من الشلل العسكري الذي سيطول على الأرض حيث لا يستطيع النظام الاحتفاظ بالمناطق التي يسيطر عليها ويقوم بتطهيرها إذ غالبا ما تكون قوات المعارضة المدعومة خارجيا شوكة في خاصرة القوات النظامية والذى إستفادت منه بالأساس تنظيمات متطرفة كالقاعدة " جبهة النصرة" وداعش "تنظيم الدولة" وفصائل السلفية الجهادية المتحالفة معهما، الشاهد الآن أن السوريون جميعا قد تعبوا من هذه الحرب ، التدخل الروسي اطال بعمر النظام ومنع سقوط مناطق سيطرة النظام التي كانت على وشك الانهيار، ومما لاشك فيه أن الوضع في سوريا يتّجه حالياً نحو مزيد من التأزم في ظل المعارك المستمرة حول حلب، بينما الجانبين الأمريكى والروسى " الأكثر فاعلية على الأرض" كلما إقتربا من الإتفاق على حل ما نجدهما يتناقضان وفقا لمصالحم ولمواقف حلفائهما المختلفة، بينما ما زال كل طرف يراهن على تحقيق إختراق عسكرى مهم قبل دخوله الى تفاوض حقيقى وفرض الشروط النهائية للتسوية السياسية وهذا يعنى أن جولات جديدة من القتال سوف تستمر بينما يدفع الشعب السورى بجميع طوائفه ومكوناته الثمن من القتلى والمصابين ومزيد من الهائمين على وجوهم فى عالم لا يرحم ولا يفهم سوى لغة المصالح، حيث يعتقد الأميركيون أن إطالة وقت العملية العسكرية الروسية في سوريا قد يُكلف موسكو خسائر تزيد من الضغط عليها مستقبلاً خلال أي مفاوضات، سواء بشأن الأزمة السورية أو غيرها، على أن الثابت هو عدم إمكانية عودة سوريا موحدة كما كانت فى السابق، يشير الى ذلك الجانبين الأميركي والروسي الذين ما زالا يُشددان على غياب الحل العسكري في سوريا، وعلى ضرورة الحل السياسي. بالطبع، كل منهما يفهم هذا الحل حتى اللحظة على طريقته، ويُفسّر القرارات الدولية وغيرها من قرارات وتفاهمات بشأن الوضع في سوريا وفق مصالحه. ولذلك، ليس مستغرباً تماماً أن تطرح موسكو قبل شهور أنها مع فكرة الفيدرالية في سوريا في حال وافق الشعب السوري عليها. وليس مستغرباً كذلك أن تُرجّح واشنطن مؤخراً، على لسان مدير «وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية» («سي. آي. أي.») جون برينان، عدم بقاء سوريا موحّدة، كما كانت في السابق.
الجديد الآن هو التدخل التركى المباشر فى القتال الدائر بسبب خوف تركيا من التمدد الكردى بعد أن نجحت وحدات الحماية الكردية المدعومة بطيران التحالف من الإستيلاء على منطقتي تل أبيض وعين العرب فإن فكرة الدويلة الكردية "دولة روج آفا" قد باتت تداعب مخيلة هذه الوحدات التي أصبحت أكثر طموحا ورغبة في التمدد باتجاه عفرين في الغرب وجرابلس وسط شمال سورية والتي تعتبر حلقة وصل مهمة ونقطة إستراتيجية تصل بين شرق وغرب الشمال السوري من جهة وبين وسط الشمال والجنوب وصولا إلى منبج وهو ما يعني إمكانية وصل الكانتونات التي تسيطر عليها هذه الوحدات ببعضها البعض وصولا إلى حلب نفسها والتي يسيطر الكرد فيها على بعض الأحياء، ذلك التدخل الذى لم يلق معارضة مهمة من قبل الجانبين الأمريكى والروسى وحتى إعتراض النظام عليه بدا شكليا وهزيلا ولم يكلف النظام خاطره تقديم شكوى الى مجلس الأمن ضد تركيا، إن الهدف التركى المعلن هو إجبار القوات الكردية العودة الى شرق نهر الفرات والتخلى عن الإنتصار الذى حققته فى منبج وتل أبيض، يأتي هذا التدخل التركي المتصاعد، بعد خمسة سنوات من الحرب بالإنابة، والاقتصار على تدريب وتسليح وتأسيس الفصائل السورية "العثمانية" المقاتلة، مثل حركة نور الدين زنكي، والسلطان مراد الرابع، وصقور الجبل، وفيلق الشام "وأخيرا التحالف مع بقايا الجيش الحر"، والتي جرى تأسيسها وتسليحها من الجانب التركى، قد يكون هذا التدخل لإحساس الجانب التركى بأن القوتين العظمتين تسعيان لفرض حل ما فى سوريا ومحاولة منه لقطع الطريق على أى محاولة لفرض حصة للجانب الكردى.
الإتفاق الأخير بين القوتين الأعظم اللاعبين الأساسيين على الأرض السورية يؤكد أن الحل الحقيقى ما زال بعيدا، هذا الإتفاق الذى تضرب عليه أمريكا ستارا من السرية ويؤكد من جانب آخر إستمرار الخلاف العميق بين الطرفين، المؤكد أن الإتفاق يبرهن على إستئثار الطرفين الأكبر بحبال الحل وتهميش القوى الفاعلة على الأرض والدول الإقليمية وحتى بقية الإتحاد الأوروبى ولا يلطف من ذلك علب البيتزا وزجاجات الفودكا التى حملها لافروف من موسكو، إن أمريكا وأوباما تحديدا مستعجلة على الوصول لإتفاق شكلى قبل إنتخابات نوفمبر بينما روسيا تخشى مزيدا من التورط فى الأزمة التى تنهكها إقتصاديا فى ظرف ازمتها وعينها على رفع العقوبات عنها، إن إصرار أمريكا على إبقاء بنود الإتفاق سرية حتى الآن يفسره محاولة عدم خسرانها لحلفائها وإمكانية التملص من بعض تلك البنود "كالسمك تحت الماء يمكنه أن يغير إتجاه دون أن يلاحظه أحد"، فى الوقت الذى ترى فيه روسيا أن الإعلان عن تلك البنود يحصنها من التلاعب، وتعكس تلك السرية عدم قة الطرفين فى حلفائهم، إن أنصار استمرار الحرب حتى النصر النهائي غير مسرورين، لأن الاتفاق عمليًا يُلغي الحصار المفروض على الأحياء الواقعة تحت سيطرة المجموعات الإرهابية في حلب. وطبعًا، لا يتمكن أحد في دمشق وطهران علنًا انتقاد روسيا، نظرًا لما قدمته قوتها الجوية الفضائية من نتائج إيجابية في هذه الحرب، ولكن "الصقور" في البلدين سيحاولون إفشال هذا الاتفاق السلمي، فإن المجموعات الراديكالية التي تهدف ليس إلى وصول المساعدات الإنسانية إلى المدن المحاصرة، بل إلى إطاحة "الحكم العلوي" للأسد وإقامة حكومة سنية في سوريا، كما أن دول الخليج تخاف من أن يصبح الاتفاق في الظروف الراهنة تقنيًا ولو جزئيًا لشرعية نظام الأسد في نظر المجتمع الدولي، على الأقل خلال الفترة الانتقالية التي يمكن أن تستمر إلى أجل غير مسمى، كما أن بعض أعضاء القيادة العليا في البنتاغون ما زالوا يعارضون تنسيق الجهود العسكرية الرامية لمحاربة الإرهابيين في سوريا مع موسكو.
دعونا ننتظر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير تتوقع استمرار العلاقة بين القاعدة والحوثيين على النهج


.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطاب بايدن والمقترح الإسرائيلي




.. إيران.. الرئيس الأسبق أحمدي نجاد يُقدّم ملف ترشحه للانتخابات


.. إدانة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب توحد صف الجمهوريين




.. الصور الأولى لاندلاع النيران في هضبة #الجولان نتيجة انفجار ص