الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب الاهلية الاسبانية/موت ثورة!.(4)

ماجد الشمري

2016 / 9 / 17
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


في 18 تموز 1936 أذاع فرانكو من راديو مراكش بيانا اشار فيه الى العلاقة التي تربط الجيش بالمدينة بصرف النظر عن طبيعة و نوع الحكم . و هاجم التدخل الاجنبي ، و وعد بأقامة نظام جديد بعد النصر على الجمهورية . الا انه لم يتطرق لمهاجمة الكنيسة من قبل الجمهورية ، و سبب ذلك هو ان التمرد الفاشي لم يتحول بعد الى حرب صليبية !. كانت حكومة الجمهورية غارقة في اعتقادها ، بأن التمرد سيقتصر فقط على مراكش . في حين ان قادة الاحزاب اليسارية كانوا يتوقعون حقاً بانه سيشمل حتما كل اسبانيا . و في كل لحظة ، و يرون ضرورة توزيع السلاح فوراً على الجماهير و دون تردد. و وفق خطة حركة التمرد ، انتقل الجنرال الفاشي " كويبو" في 18 تموز الى الاندلس ، و كان هذا الجنرال قد اشتهر بتهديده المستمر و وعيده ب: قتل و أسر عوائل. الجمهوريين و ابادتهم جميعاً! ، من خلال تصريحاته اليومية المذاعة. هنا يبدي المؤرخ هيو توماس رأيا له فيقول : لو أن الحركة قامت في 18 تموز في جميع انحاء البلاد في أن واحد لتمكن الانقلابيون من النجاح في ٢٢ منه كما كانوا يتوقعون !. و من جهة أخرى : لو كانت الحكومة الليبرالية برئاسة " كاسارز " قد وزعت السلاح على الجماهير ( أعلن كاسارز : أن كل من يعطي السلاح للعمال سيعدم !. و هذا ماحقق الانتصارات المتوالية للفاشيين ، و أدى لموت عشرات الالاف من العمال) و أتاحت للعمال الفرصة للدفاع عن الجمهورية بوقت مبكر ،و لكان من المحتمل جدا القضاء على التمرد و هو في مهده!. و لكن شيئا من ذلك لم يحدث . ( من الضروري الاشارة الى ان موقف حكومة الجمهورية من مستعمراتها ، فمراكش التي كانت القاعدة الرئيسية لجيش فرانكو كان من الممكن اعلان استقلالها من قبل الجمهورية - على الاقل حتى بالمعايير الديمقراطية البرجوازية - لكسب الشعب المغربي كحليف مضمون ضد الفاشية ، لكن حكومة الجمهورية ظلت متمسكة بحكم المغرب ، و تشبثت بأطماعها الامبريالية القديمة)!. و قد ناشد الزعيم الفلاحي و العسكري الكبير" عبد الكريم الخطابي" " لارغو كاباليرو" أن يسمح له بالعودة من منفاه الى المغرب ، و تعهد له بالقيام بأنتفاضة مسلحة ضد فرانكو هناك ، و لكن " كاباليرو" - الذي كان يلقبه الستالينيين " لينين اسبانيا " رفض ذلك !!. جرت الامور بتلقائية ، فقد اخذت كل مدينة و قرية تتصرف ذاتيا: تتمرد الحامية و يسندها على الفور الفالانج و الحرس الوطني الفاشي في اغلب الحالات ( و في حالة عدم وجود حاميات كان الفالانج و الحرس الوطني و اليمينيون يبسطون سيطرتهم ، و لا يواجهون اي مقاومة) ! فيعلن القائد العسكري حالة الطوارئ و الاحكام العرفية . وقد يلاقي اغتصاب السلطة هذا و احيانا بعض المقاومة من ميليشيا الاشتراكيين و الفوضوين و الشيوعيين ، و التي لم تكن في حال تواجدها قادرة على ان توازن قوة الجيش المدرب و المسلح بكفاءة و اقتدار و من اجراءات المقاومة : اعلان الاضراب ، و حفر الخنادق في الشوارع ، و اقامة المتاريس ، ثم يتبع ذلك قتال دموي عنيف و لم تكن الخسائر في الارواح من كلا الجانبين تعني شيئاًلطرفي النزاع!. و حيث ينتصر الانقلابيين ، كانت تعلن الاحكام العرفية و الحكم العسكري الصارم . في حين تعلن الثورة اليسارية في الاماكن التي تسحق فيها التمرد اليميني . أمام تدهور الاوضاع من سيء الى اسوأ ، اوكل " ازانا " بالحكم لوزارة معتدلة لامتصاص الفوضى ، و كمحاولة فاشلة للتسوية و التهدئة و الانقاذ الأمر الذي اثار سخط اليسار ، و قابله بالرفض ايضاً الجنرال الفاشي " مولا" و الذي خاطب " ازانا" قائلاً : ليس باستطاعة الجبهة الشعبية أن تحافظ على النظام ، لديك اتباعك و لدي اتباعي ، و اذا كنا سنوقع على صفقة ، فمعنى ذلك اننا نخون مثلنا و رجالنا و يستحق كلانا الاعدام دون محاكمة". بعد ذلك تشكلت حكومة " غيرال" لتواجه : " اعلان الفاشية الحرب على الشعب الاسباني " . لتقوم تلك الحكومة ، بتوزيع السلاح على جماهير العمال يوم 19 تموز ، و لكن بعد فوات الاوان! . فالعديد من المناطق سقطت و أصبحت تحت رحمة الفاشية !. تمكن الفوضوين في برشلونة من التغلب على المتمردين الذين كانوا بقيادة الجنرال الفاشي " غودد" ( في كاتالونيا و الباسك كان الفلاحون يشكلون 70%من السكان و 3/4 منهم كانوا معدمين لا ارض لهم ، أي اشباه البروليتاريا ، و كانت اعمالهم موسمية ، و اجورهم لا تسد الرمق ، و من هنا كانت قوة و بأس الفوضويين في برشلونة) . و أنقلب الموقف لصالح الجمهورية في " استورياس" و سقطت مقاطعتان في الباسك بيد المتمردين ، في حين تم سحقهم و التغلب عليهم في " سان سباستيان" . ولم يحدث تمرد في " بيلباو" . و كانت ابرز انتصارات الفاشيين المتمردين في 19 تموز هي في " بورغوس " و " ساراغوسا " و " بامبلونا " و " فلاو وليد" . في مدريد واجه الفاشست بقيادة الجنرال " فنجول" الفشل . لاسيما و أن الاحزاب اليسارية و نقابات العمال كانت مستعدة لمواجهتهم ، حيث كانوا يشكلون كتلة ثورية صلبة و بالغة القوة . و كان فشل التمرد في مدريد بمثابة اعلان بدء الحرب الثورية الشاملة ، اي الحرب الاهلية في كل انحاء اسبانيا . كان يوم 20 تموز هو يوم النصر بالنسبة لعمال مدريد في حين كان فرنكو قد سيطر كلياً على الوضع في مراكش . و استمر الجنرال " مولا" في مقاومة الثورة في شمال اسبانيا . و بعد مصرع " سنفورو" في حادث طائرة ، و بعد اعتقال " خوزيه انطونيو" الفاشي و " غودد" و " كالفو سوتيللو" لم يبق في قدرة الحركة الفاشية المتمردة الا التعويل على الجنرال فرنكو المنتصر في مراكش . و هكذا انقسمت اسبانيا الى جبهتين : في المعسكر الفاشي و اليمينيين كانت السلطة كلها للعسكر : احتقار المدنيين و قوانين الطوارئ، و تحريم الاحزاب التي ساندت الجبهة الشعبية ، و عمليات التصفية الجسدية لكل يساري ومهما كان انتماءه !. و كان شعار " مولا" في 19 تموز :" ضرورة نشر الرعب و علينا خلق انطباع بالسيطرة ، فينبغي اعدام كل شخص يؤيد الجبهة الشعبية سراً او علانية !. و كانت اوامر فرنكو المشددة : بأن لاتصله طلبات العفو عن المعتقلين و الاسرى الا بعد تنفيذ احكام الاعدام ! و القتل بالجملة ( الابادة الجماعية ) حيث بلغ عدد الضحايا في تقديرات مايقارب المليون حتى عام1938 بمن فيهم اعضاء البرلمان من الاشتراكيين و أعظم شعراء اسبانيا " غارسيا لوركا" الذي قتل بأيدي الفاشست القذرة و بدم بارد !، مع بروز "الفالانج " الحزب الاكثر فاشية كقطب سياسي جاذب للطبقة المتوسطة. أما على الجانب الجمهوري من الجبهة ، اعلنت الثورة لتغيير وجه المجتمع الاسباني ، و شغلت المصانع و ادارتها ، و ادخلت فرق الميليشيا ، و انتشرت التعاونيات الزراعية ، و كانت السلطة الفعلية في مدريد تعاني من شحة المواد الغذائية و الدوائية . وكان هذا الهدف الذي يسعى لتحقيقه ( الوطنيين) اليمينيين و نجحوا في ذلك الا و هو : أخضاع الجمهورية و تركيعها عن طريق الجوع و الحاجة!. و لم يمض وقت طويل حتى تبين ان اسبانيا تشهد حربا حقيقية ضروس و شرسة، و ليس مجرد تمرد ومقاومة للتمرد . و بات كل فرد يعتبر نفسه جنديا و رجل ميليشيا ثوري ضد قوات اليمين الفاشي . فالقوات المسلحة ( الجيش ) كانت كلها الى جانب اليمينيين : جيش افريقيا و الفرقة الاجنبية ، والحرس الوطني ( تمرد معظم بحارة قطع الاسطول ضد ضباطهم المواليين للوطنيين ، و عدم فعالية القوات الجوية) . و من هنا كان تفكير كلا الجانبين متجها صوب طلب العون من الخارج : ففرنكو كان يحتاج للطائرات و البحرية لنقل جنوده من مراكش الى داخل اسبانيا ، و حكومة الجمهورية كانت تدرك جيدا بأن الطيران هو المفتاح و السبيل الامثل للانتصار على الفاشية. و فعلا حصل فرنكو على الدعم و المساعدة فتدفق عليه السلاح و الرجال و الطائرات من المانيا و ايطاليا دون انقطاع و بلا حدود ، و لامتلاكه و تحت امرته جيش مدرب محترف و مسلح جيدا . فقد كانت كفة النزال تميل و ترجح كفة فرنكو في ميزان القوى الاستراتيجية و الصراع الاهلي . فالدفاع الوحيد الذي كان ممكنا امام الوحدة المتراصة للفاشيين هو التعبئة الجماهيرية الشاملة للعمال و الفلاحين ، و بقية الفئات اليسارية الجمهورية . و هذا مع الاسف لم يحدث ، و مارفضه الحزب الشيوعي الاسباني الرسمي و الخاضع لتعليمات ستالين و الكومنترن!. و أصراره العلني في الحفاظ على علاقات الملكية البرجوازية ، وعلى بنية الجيش النظامي و بقايا مستعمراته في المغرب !. فما كان يطمح اليه ستالين هو: تأمين تحالف عسكري مع الامبرياليات " الديمقراطية " ضد المانيا النازية ، و كان يظهر لحلفائه المحتملين وارضاء لهم بأنه لا يشجع على انتشار الثورة و انتصارها في اسبانيا !. و كان ايضا يستخدم نفوذه لاحتواء و تحجيم الحركة العمالية الثورية الاسبانية باطار الديمقراطية البرجوازية المتعفنة!. و كان هذا خطا منحرفا و خاطئا طبعا لمنهج و مبادئ الماركسية الثورية، أن لم يكن مقصوداً!. فبرغم ان ستالين تصرف كجلاد للثورة الاسبانية ، الا أن ذلك لم يؤثر او يغير في موقف الامبرياليين ( الديمقراطيين) في شيء ، فقد رفضوا التعاون المنشود معه ، فاستدار حينذاك لحليفه المستقبلي ، و مد ستالين يده مصافحا هتلر و عقد تحالفه معه لاحقا !. و من هنا كانت تكتيكات الكرملين و الكومنترن و من اجل التوطيد و الابقاء على تحالف ستالين - هتلر قد لعبت دورا غادراً في التخلي النهائي لموسكو عن الجمهورية الاسبانية و تركها وحيدة لمصيرها الفاجع و المظلم !. و هكذا كانت المواقف المتخاذلة و الانتهازية لستالين و الحزب الشيوعي الاسباني عاملا غير مباشر في دعم الثورة المضادة ، و المساهمة بهزيمة و سقوط الثورة الاسبانية المغدورة !. ألم تُخذل الثورة الالمانية ، وتم التخلي عن الثورة العمالية الصينية؟! فهل ستكون اسبانيا الثورة استثناء من ذلك؟!..
...........................
يتبع.
وعلى الاخاء نلتقي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نابليون لم يكن يكترث لما يدور خارج المزرعة
محمدعبدالجبار ( 2016 / 9 / 17 - 21:35 )
من التساؤل الاخير للاستاذ ماجد ننطلق .. نعم انت على حق هل حال الثورة الاسبانية افضل حال من الثورة الالمانية و الصينية ؟! ينبغي ان نعرف امراً مهما الا و هو: قومية الاخ الاكبر الضاربة الجذور اذا لم يكن يعير اهتماما لاي ثورة خارج الحدود الجيوأثنية التي ينتمي اليها ستالين فقد كان قوميا قح، فلا يحرك مشاعره ما يجري في المانيا او اسبانيا أو اي بقعة من العالم و ان كانت الثورات التي تجري هناك ترفع لواء الاممية ، فالرجل لم يكن امميا يوما ما و كان يحاول الحفاظ على ما تحت قدمه من بساط السلطة ، فكان يظن ان اي تدخل في المانيا او في اسبانيا قد يفقده السلطة التي ارتمى على كرسيها و امسك بها بمخالبه و انيابه . اما الكومنترن فقد كان نعجة تابع يردد ما يقوله لهم سيدهم نابليون . ان نابليون لم يكن يكترث لما يحدث خارج مزرعة مستر جونز. يبدوا انه( ستالين ) يأس من اوروبا !!! فكل الاوروبين الغربيين برجوازيين اصلاحيين و هو الثوري الجذري الوحيد .

اخر الافلام

.. حركات يسارية وطلابية ألمانية تنظم مسيرة في برلين ضد حرب إسرا


.. الحضارة والبربرية - د. موفق محادين.




.. جغرافيا مخيم جباليا تساعد الفصائل الفلسطينية على مهاجمة القو


.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza




.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع