الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سؤال في هاآرتس: لماذا لا يكون المطرب محمد منير قد مجد الإرهاب؟

نائل الطوخي

2005 / 12 / 25
الادب والفن


دار مؤخرا على موقع صحيفة هاآرتس الإسرائيلية على النت جدل ساخن. بدأ الجدل من الموسيقى العربية و انتهى, كالعادة, في موقع بعيد, حيث تقبع صورة الإسرائيلي المهدد المحاط بالأعداء, بدءا من أحداث 11/9 و حتى المطرب المصري محمد منير.
كان محرر الصفحة الثقافية في هاآرتس و المتخصص في الثقافة العربية, بني تسيفار, قد كتب مقالا عن ألبوم لمحمد منير, مقارنا بين موسيقاه و بين (الموسيقى الشرقية بالمفهوم الذي تم سنه هنا في البلاد و التي هي عبارة عن تشكيلة من الزخارف الصارخة). سخر الكاتب من هذه الموسيقى الشرقية في إسرائيل و قارنها بالموسيقى الجادة التي يقدمها منير في أغانيه, و أورد, لحسن حظه أو لسوئه, بعض معلومات عن المطرب النوبي الأسمر: (هو ابن للشعب النوبي الموجود في جنوب مصر, ينوح و يغني عن أزمة شعبه الذي استغلته و دهسته السلطة المركزية في مصر. يرد محمد منير في أغانيه على أحداث 11 سبتمبر و الانتفاضة الفلسطينية و الحرب ضد العراق.)
كان هذا مفتتحا ليس فقط للحديث عن النظرة إلى مصر و الثقافة المصرية في أعين إسرائيليين و إنما أيضا مدخلا للحديث عن الموسيقى (الشرقية) في إسرائيل, كيف تمنع إسرائيل عن سكانها كل الموسيقى الشرقية الحقيقية, لتقدم لهم موسيقى (شرقية) هي اخترعتها. يقول بني تسيفار عن موسيقى محمد منير )هذا ليس شيئا ما على نمط "كيف هجرتيني يا سيجال" و إنما شيء جاد و موجع, و سهل السماع. باختصار, يوجد في العالم موسيقى شرقية جيدة(.
الأغاني على نمط )كيف هجرتيني يا سيجال( هي ما تصورت المؤسسة الإسرائيلية, بمفهومها الأعم, أنه يمثل الشرقيين, و بهذا وضعت خطوطا أخرى للحدود و لم تسمح باختراقها. الموسيقى الشرقية تعني: ألحاناً يونانية و تركية بكلمات عبرية ميلودرامية و فجة, أو موسيقى بوب غربية مصنوعة بشكل رديء, حيث السلالم العربية غير موجودة و لا الربع تون و إنما سلم صغير و كبير غربيين بالتناوب. و لا يُسمح بأن يشير المصطلح إلى الموسيقى المصرية أو اللبنانية أو العراقية أو الإيرانية. استقطب هذا التنبيه قراء قليلين أكدوا على الأكذوبة التي تعمقها داخلهم المؤسسة الإسرائيلية, قال قارئ منهم ردا على مقال بني تسيفار في موقع هاآرتس على الإنترنت:
(الموسيقى الشرقية هي رمز لكل ما هو مريض في المجتمع الإسرائيلي من الناحية الطائفية. لقد خلقت المؤسسة الإسرائيلية "الشرقيين" من خلال جعلها كل من لا ينتمي لأصل أوروبي شرقيا, و فجأة اكتشف منتجون موسيقيون الموسيقى الشرقية. أخذوا ألحانا تركية و يونانية و ألبسوها كلمات عبرية. لم يرضوا بأخذ الموسيقى العربية, فقد يكون مؤلما الكشف عن تقارب موسيقي بيننا و بين العدو. المضحك هو الإشكناز الذين يعتقدون أن هذه موسيقى عربية أو أنها مرتبطة بشكل ما بجذور "الشرقيين". غير أن الخدعة في المجتمع الإسرائيلي هو أن أناسا يعتقدون أن هذه هي موسيقى آبائهم).
أي أن المؤسسة الإسرائيلية لم تنجح في خداع الإشكناز فقط و إنما في خداع الشرقيين, في إيهامهم بأن هذه الموسيقى الرديئة تخصهم, و تنتمي إلى ماضيهم البعيد. هي ترسيمة الحدود التي اعتادتها المؤسسة الإسرائيلية على طول تاريخها, انتزاع الشيء من سياقه التاريخي و وضعه في سياق آخر, محروس ببداهة القوة العسكرية و التوراة, و الدفاع عن هذا السياق الجديد باعتباره هو الطبيعي. من هنا يمكننا فهم استرابة قراء كثيرين في كلمات بني تسيفار عن محمد منير الذي غنى ردا على أحداث 11/9 و الانتفاضة, حيث واحد منهم مثلا يقول: (هل فهمت حقا محتوى أغانيه؟ هل من الممكن أن يكون قد أيد أحداث 11/9 أو الانتفاضة الفلسطينية أو سائر الأعمال العادلة؟) و يقول آخر: (لماذا لا يفصل تسيفار؟ مطرب احتجاج غنى عن 11/9؟ من المثير للاهتمام أن نسمع محتوى الأغنية. ضد من يحتج؟ ضد الجريمة الحقيرة أم ضد هؤلاء الذين قتلوا محمد عطا و عربا أبرياء آخرين!!!؟؟) إذا تغاضينا عن السخرية في كلمات كتلك, و تغاضينا عن ربط أحداث 11/9 بالانتفاضة الفلسطينية, و كأنهما نفس العمل "العادل" بنبرة القارئ المتهكمة, فيمكن لردود من تلك النوعية أن تكون مثيرة للرثاء, حيث الأغنية الوحيدة التي غناها محمد منير عن أحداث 11/9 بعنوان "مدد يا رسول الله" لم تشر إلى الحادث في كلمة واحدة و إنما قررت في واحدة من أكثر جملها عذوبة أن "الدم كله سواء. حرام عند الله". هذه الاسترابة لدولة قابعة في حدودها و تبني جدران حول نفسها, بالمعنى الحرفي و المجازي, لا يمكنها إلا إنتاج تصور بأن كل الجيران إرهابيون و لا يفكرون إلا في الإيذاء, لا يمكن مثلا تصور أن منير يقول في أغنيته المذكورة: (أني مازلت سقيم, في حب رسول الله), أي لا يمكن تصور وجود غناء لا يتصل بهم, لا يعبر عن الرغبة في قتلهم, هم اليهود القدامى المواجهون بالأغيار القدامى, حيث لم يتغير شيء منذ ألفي عام. يقول قارئ آخر معنفاً:
(لا يمكن عزو كل شيء إلى الصراع و الإرهاب. ماذا تريدون؟ أن يغني النشيد القومي الإسرائيلي "هاتكفاه"؟ لدى العرب ثقافة تخصهم, و هي ممتازة بالمناسبة, و توجد أمور تشغلهم غير دولة إسرائيل و صراعاتها و جيش الدفاع الإسرائيلي. الثقافة هي الثقافة). فكالعادة, لا يسمح برؤية الآخر إلا من خلال عيون الذات, غير مفهوم كون محمد منير يغني شيئا لا يتصل بإسرائيل أو بالأحداث السياسية التي تؤثر كثيرا عليها, في هذا المنحى يشترك بني تسيفار المتعاطف مع القراء العنصريين, كلاهما لا يتحدثان عن الموسيقى الشرقية الخالصة, المتصلة بهموم بعيدة عن الصراع مع الغرب (الذي تحب إسرائيل أن تنتمي إليه). كلاهما يمنعان موسيقى كتلك من الوجود!!
ليس هذا هو كل شيء. فاستفزاز بني تسيفار لقرائه لا يبدأ من هنا, و إنما من سلسلة مقالاته السابقة عن مصر و التي حاول فيها تحييد القاهرة قليلا, إذ يتحدث عن السينما المصرية و شوارع القاهرة, لا عن معبر غزة مثلا. أي يحاول النظر إلى الثقافة العربية في عيون ذاتها لا من خلال ارتباطها بإسرائيل. هنا يقول قارئ ردا عليه:
(دعنا نراك متوجها للسكنى في القاهرة, ليس لأسبوع أو أسبوعين و إنما لعام أو عامين. عندئذ سينكشف تعاليك حيث لن توافق على المعيشة في ظروف كتلك. و من البديهي الإشارة أنه ليس أكيدا أنهم سيوافقوا كذلك).
هذا هو السياق الذي تنكشف فيه النظرة الإسرائيلية إلى محمد منير و معه الموسيقى العربية. يقول القارئ (لن توافق على المعيشة في ظروف كتلك) و لا يحدد ما هي الظروف. تتجلى العواصم العربية في أعين الإسرائيليين على أنها موطن كل شر, شر شيطاني غير معروف, و تنمو النظريات الميتافيزيقية عن هذه العواصم, هذه النظريات التي دفعت أحد القراء في إجابة سابقة إلى افتراض أن منير قد غنى حدادا على روح محمد عطا, فكلهم إرهابيون و أشرار, و لكن الأدهى أن كلهم غير متعينين, كلهم غامضون , يعيشون في (ظروف كتلك). هذا يبدو بشكل أكثر خفاء و مراوغة بكثير في رد قارئ آخر:
(تسيفار يحب كثيرا الموسيقى الشرقية, و لكن ليس الموسيقى - بالمفهوم الذي تم سنه هنا في البلاد. ما معنى -بالمفهوم الذي تم سنه هنا في البلاد؟ معناه أن تسيفار قد يحب الهوية الشرقية كمفهوم, و لكنه يكره الشرقيين من لحم و دم المقيمين في البلاد بجانبه, و الذين يضطر لمقابلتهم من حين لآخر في الشارع و لرؤيتهم في التليفزيون. هو يحب الهوية الشرقية التي يلتقيها في مصر, و لكن لا يمكنه تحمل الشرقيين المحليين).
هو رد ذكي على مقال تسيفار و على تعاطفه مع الموسيقى الشرقية "الحقيقية". و لا يخلو الرد من مشروعية ربما, غير أنه و ببساطة شديدة يحتكر اللحم و الدم, أي الواقعية و التحقق, لليهود الشرقيين في إسرائيل, بينما تظل الهوية الشرقية لأبناء مصر هي مجرد مفهوم, بعيد و غير واضح, مادام الأمر يتعلق بمصر لا بإسرائيل, تظل مفهوما قريبا من التشيطن, بمعنى الغموض و عدم التعين, هي العنصرية الإسرائيلية في أكثر أشكالها ذكاء و مناورة, العنصرية التي عملت طوال تاريخها في إطار جدلي شديد التعقيد بين الدولة و المجتمع, و دفعت يهودا شرقيين سابقا إلى الاستماع سرا لأغاني أم كلثوم, و هي المحرمة في إسرائيل بوصفها واحدة من مغنيات الثورة في مصر, فمثلما هو الحال الآن, كان صعبا وقتها على الدولة الصهيونية الاعتراف بأن ثم تقاربا موسيقيا و حنينا يربط بين قطاع كبير من سكانها و بين العدو, العدو الممنوع النظر إليه و السماع لصوته, و إنما يمكن اختراع صوت مشابه له داخل حدود الدولة, صوت محروس بقبضتها و مخلص لتصورها العنصري عن الشرق و الموسيقى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بطريقة كوميدية.. الفنان بدر صالح يوضح الفرق بين السواقة في د


.. فايز الدويري: فيديو الأسير يثبت زيف الرواية الإسرائيلية




.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه