الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-طشاري-.. من القماط الى التخرج

ريم قيس كبة

2016 / 9 / 18
الادب والفن


اُهاتفها.. فترد بسرعة وبلهفة بلا "ألو".. وبلثغة باريسية محبّبة تقلب الراء غيناً اكتسبتها بالولادة لا بحكم وجودها في فرنسا.. أسمعها تهتف باسمي: "غِيييـــم!".. أفرح من كل قلبي للهفتها واُهنئها على جائزتها الجديدة بعد أن اصبح اسمها مقروناً بجوائز الابداع.. فترد بخجل يخرسني دائماً: "ياإلهي لقد كتبوا وهللوا لأمر لا يستحق.. إن هي الا جائزة..!"

هكذا عرفت الصحفية والكاتبة والروائية المبدعة والانسانة الرائعة إنعام كجةجي.. متواضعة خجولة تمقت عبارات التمجيد وتتوارى خجلا إزاء المديح.. وتباغتني دائما بأن تغير الموضوع إذا ما أخطأتُ أمامها بعبارة إطراء!..
أتذكر لقاءنا الأول ذات ربيع من عام 2000.. حين أخبروني أن إنعام كجةجي في بغداد وهي تبحث عن وسيلة للاتصال بي لتجري معي حوارا بعد حصولي على جائزة الشعر في الامارات.. لم اصدق الخبر.. ورحت اتقافز فرحاً.. "معقول؟.. إنعام كجةجي تنوي إجراء حوار معي أنا؟!.. تلك السيدة التي لم تذكر الصحافة أمامي الا وذكرت ولم يذكر الاصدقاء وعلاقات الجيرة والمحبة الا وذكرت اُسرتها وأهلها الطيبون".. وكان أن نلتقي وأن تجري معي الحوار الصحفي الأهم في حياتي الأدبية.. لنؤرخ منذ ذلك التاريخ لصداقة حقيقية.. فتجمعتنا البلاد والمنافي وادمان القلم والكتاب ووجع الانتماء الصارخ للوطن..
..
عرفتها دؤوبة حريصة غيورة على وطنها وحرفها.. لا تفلت معلومة ولا تكفّ عن المتابعة والسؤال والقراءة.. لا تطلق الحرف جزافا بل بمسؤولية وكأنها تزنه بميزان الذهب.. تبقى تدور حول فكرتها وتستجمع الخيوط والتفاصيل الصغار.. حتى تقرر لحظة البدء.. لتشرع أصابعها بنسج نصها الحريريّ بدربة العارف وخفة المسترخي.. وبتلقائية عجيبة لا يشوبها افتعال او حذلقة.. بيد أن حرصها وقلقها لا يدعان لها من فسحة للتوقف.. فهي تمنح النص روحها وعاطفتها حتى آخر قطرة كتابة.. فلا تعتقه بسهولة.. بل تبقى تصرّ أن تغدق عليه امومتها الطافحة وحنانها الوارف.. لتقرأ وتعيد وتحذف وتضيف حتى لو كان الكتاب قد وصل الى المطبعة!..

كنت شخصياً شاهدة على روايتها "طشاري" منذ نعومة فكرتها.. وفي أوائل صيف عام 2013 كانت إنعام قد تجشمت عناء المجيء الى لندن لتشرفني بتقديمي في امسية شعرية.. وبعد الامسية وإذ كنا نحتفي بوجودها بيننا.. جلستْ مع والدي الدكتور قيس كبة وطال الحديث بينهما عن زميلته في الدراسة وجارتهم الدكتورة ماهي كجةجي (أو ماهي شماس).. وهي عمة إنعام وبطلة روايتها الجديدة التي كانت بعد في طور الكتابة.. وبعد أشهر شرفتني بقراءة مخطوطة الرواية وهي غضة وفي طريقها الى المطبعة.. فكانت وكأنها تبشرني بقرب موعد ولادة طفلتها الثالثة (بعد "سواقي القلوب" و"الحفيدة الأمريكية").. ولم يمر وقت طويل حتى كان الكتاب بين يدي.. فكنت كمن يحتضن طفلة جميلة يعرف ملامحها وقد إكتملت كياناً من لحم ودم ومشاعر.. لأقرأ بعد حين عن وصول العمل الى القائمة القصيرة لجائزة البوكر عام 2014..

وفي أواخر العام الماضي 2015.. وقد أكرمتني إنعام باستضافتي في بيتها في رحلتي القصيرة الى باريس.. يشاء الحظ أن أكون شاهدة على استلامها النسخة الاولى من الترجمة الفرنسية لـ"طشاري".. بعد أن نكون قد مررنا معاً بدار "غاليمار" العريقة.. وفي دقائق تأريخية بالنسبة لي أجلس أمام إنعام مثل طفلة مندهشة.. وأستمع لحوارها الطويل اللذيذ وهي تحدثهم عن بلدي وأهلي ودجلتي ونخلي.. بلغتها الفرنسية البارعة وبعراقية ساطعة لا لبس فيها..

وهاهي "طشاري" اليوم تثلج صدري وهي تحصل على جائزة "لاغاردير" الفرنسية.. لأشهد تخرجها مع مرتبة الفخر والشرف.. أم تراه عرس ابنتك الثالثة ياإنعام الغالية؟..

ألف مبروك لك ولنا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي