الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجهان لحواء

آزاد أحمد علي

2005 / 12 / 25
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يتبادر للذهن للوهلة الأولى عند قراءة هذه الرواية* ـ خاصة عندما تكون الكاتبة هندية وموضوع النص هو الحب ـ إن حالة سينمائية أو صيغة ما للأفلام الهندية ستسيطر بطريقة أو بأخرى على النص. لكن المفاجأة ستكون كبيرة للقارئ عندما يجد نفسه في مواجهة غير مألوفة مع نص متقن, يتمتع بتماسك وقوة روحية قد تكون مستمدة من روحانية الحدث وفورة الدراما وخطورة المضمون، فالنص يسعى لأن يكون مصيدة للرجل الشرقي. فهذه الرواية ـ الصرخة تعري الحياة العاطفية والعائلية والنفسية دفعة واحدة لمجتمعات عديدة, تتعدى المجتمع الهندي الذي أنتجه, وتجرد الرجل الشرقي من سلاحه.
تبدأ رواية أمريتا بريتام بمشقة الولادة: ولادة طفل لأم عاشقة. فالحدث إذا يشكل مناسبة للمكاشفة, مكاشفة الذات أولاً وصياغة الأسئلة الصعبة ثانياً: يحق لمن أن يكون والد الطفل ؟ العشيق أم الزوج ؟ فالموضوع يخيم بظلاله ما دامت الأم تعشق رجلاً آخر غير زوجها, تعشقه من بعيد, هكذا بروحانية عالية، لدرجة أن الحب الروحاني لرجل بعيد, شطرت المرأة ـ الشخصية الرئيسية "أنيتا" إلى شطرين متكاملين, وفصلتها بالتالي إلى شخصيتين متناحرتين: أنيتا الجسد التي تعيش مع زوجها, وأنيتا الروح التي تحوم حول طيف عشيقها المفترض(الشاعر ساجار).
منذ اللحظة ـ الحدث الأول يبدأ الشجار بين شطري أو لنقل وجهي أنيتا حول أحقية أبوة الطفل. فهل أبوته تعود للحبيب الروحي أم للأب الواقعي أي الزوج؟ هذا السؤال يأتي درامياً في سياق هيجان عشقها للشاعر ساجار لدرجة أنها تتخيل أن ملامح الطفل تطابق ملامح العشيق وأنه قد تجسد في صورة الوليد الجديد, على الرغم من أن جسدها لم يلامس جسده.
الميزة الأولى لهذه الرواية التي تعالج موضوعاً أبدياً في تكراره تكمن في صياغة السؤال الحرج: من القادر فعلاً أن يعشق بصدق الرجل الشرقي أم المرأة الشرقية ؟ وكان الجواب على الشكل صرخة لا بل نشيد تم ضبط إيقاعه روائياً، حيث عبر النص بصدق عن معاناة ورغبات المرأة الشرقية ورسمت سعيها لمقاومة الجور الذي لحق بها تاريخياً, ليس في موضوع الحب ذاته وإنما في شكل هذا الحب وأطره الاجتماعية وما يترتب عليه من أسئلة الواقع والحياة، هذا الحب الذي يظل روحانياً ويظل إشكالياً ما دام الرجل الشرقي غير قادر على تفهمه والإحاطة به.
إن حب أنيتا المتزوجة لساجار ودفع هذا الحب ـ روائياًـ إلى أقصى درجات الروحانية وأعلى درجات الصدق والشفافية في مناخ شرقي، شكلت في الواقع شحنة الرواية الأساسية، فعندما تكتشف المرأة أن حياتها الزوجية خاوية وزوجها مجرد قرين جسدي, وأن جسدها لم يعد قادراً للانفصال عن روحها التي لم ولن تتآلف مع روح الزوج, قررت ترجمة الحقيقة المرة إلى موقف وسلوك، وأدركت أن الحياة الزوجية شيء والحب غالباً ما يكون شيء آخر تماماً. فأطلقت المرأة العنان لجنون روحها فعشقت ساجار حتى نهايات العشق، لكنه لم يكن كذلك في تجاوبه وردة فعله. وبعد طول انتظار وتواصل روحي ظهر القرين الروحي متعطشاً للجسد، ولم يكن بالمستوى الروحي المتوقع لشاعر وعاشق في الوقت نفسه. لذلك انحرف مسار النص وكأن الكاتبة تود القول بأن الشاعر أخفق في أول امتحان روحي, مما أجاز لأنيتا أن تبحث عن حب آخر كبديل واضح لهذا الفقدان والفشل، لكنها تصطدم ثانية بجدار الرجل الجسدي، لتهيأ الكاتبة الإطار الفني والدرامي الكافي لإدانة الرجل الشرقي الى أعلى درجات الإدانة، هذه الإدانة لا تأتي كخطاب محمول على كتف النص أومفصول عنه, وإنما منبثق من سلوكية الحبيب الشاعر: (الرمز المخلص نظرياً لحرية المرأة, خاصة أنه من مواليد الثامن من مارس)، وكأن الكاتبة تريد بذلك أن تعيد تشكيل ملامح الرجل الشرقي: فهو كاذب في عواطفه صادق في تعطشه لصورة المرأة الأخرى, المرأة الحلم, المرأة البعيدة، وغير قادر أن يستمر في حب المرأة التي في متناول اليد، وإنما يسعى دائماً للأخرى، تلك المتخفية وراء الأفق، تلك التي مازالت حلماً.
ويبدو أن الكاتبة الهندية تود القول في سياق نصها الروائي بأن: أن الرجل العاشق سواء كان شاعراً في الحالة الأولى "ساجار" أم فناناً في المرة الثانية "إقبال"
غير قادر أن يتمثل روحانية المرأة وصدق عواطفها, ولن يتمكن من أن يبادلها هذا السمو الإنساني, لدرجة أنها تستنطق " إقبال" إذ يقول: لم تكن طبيعة الرجل كطبيعة المرأة فالرجل جائع بطبعه لجسد المرأة ومتعطش لتملك هذا الجسد. أما المرأة فإنها الوفية والقادرة أن تحب بصدق لدرجة أنها تستطيع دمج صورة الحبيب بصورة الابن, وإن وجدت صعوبة بالغة في الاحتفاظ بالابن والحبيب في الوقت نفسه, وذلك في سياق بحثها الدؤوب والإنساني عن حقيقة الحياة وجوهرها النابض بأطياف الحب, والهارب من كل قانون اجتماعي. فعندما يتعذر عليها أن تدمج حب الرجل ـ الحبيب بصورة الابن, حينئذ تفقد توازنها وقوتها وتميزها عن الرجل فتسقط في الهاوية, هاوية الجنون أو الموت أو كلاهما معاً.

ـــــــــــ
· أمريتا بريتام ـ وجهان لحواء ـ رواية. ترجمة: سليمان الخليفي، الكويت،2000








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريفايفل: ألبوم جديد يسعى إلى السعادة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. كأس أمم أوروبا: منتخب البرتغال يفتتح منافساته بمواجهة مع تشي




.. كأس أمم أوروبا: منتخب سلوفاكيا يحقق انتصارا مفاجئا على نظيره


.. كأس أمم أوروبا: رومانيا تسحق أوكرانيا بثلاثية نظيفة




.. شاهد كيف أدى قرار عائلة إلى إنقاذ طفل حديث الولادة