الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية الموت في فيلم -شبابِك الجنّة- لفارس نعناع

عدنان حسين أحمد

2016 / 9 / 19
الادب والفن


احتفت الدورة الثالثة لمهرجان "سفر" السينمائي في العاصمة البريطانية لندن بعرض فيلم "شبابِك الجنّة" للمخرج التونسي فارس نعناع وهو فيلمه الروائي الطويل الأول الذي أثار اهتمام النقاد والمتلقين على حدٍ سواء. تدور قصة الفيلم حول زوجين شابين هما سامي وسارة اللذين لم يمضِ على زواجهما سبع سنوات وكانا يعيشان حياة سعيدة وميسورة لكن ما إن غرقت ابنتهما الوحيدة في البحر حتى انقلبت حياتهما رأسًا على عقب. وعلى الرغم من انغماس الزوج في الحانات وانقطاع الزوجة إلى فرقة غنائية إلاّ أنهما لم يتخلصا من الإحساس بالذنب، والشعور باليأس والإحباط وفقدان الأمل غير أنّ اشتراطات الحياة تضطر الاثنين معًا الى المُضي قُدمًا ومواجهة المحن التي تختبئ وراء المجهول.
لا شك في أن ثيمة الفيلم تحمل نوعًا من الإدانة إلى الطبقة البرجوازية التونسية التي تنهمك في أمور جانبية وتهمل ذريتها التي يمكن أن تكون ضحية للمخاطر الجمّة التي تحيط بها من كل حدبٍ وصوب. وعلى الرغم من انتماء المهندس سامي "لطفي العبدلي" إلى الطبقة المتوسطة في الوقت الحاضر إلاّ أن ماضية الاجتماعي لم يكن كذلك، فهو ابن أسرة متواضعة ستتكشف للمُشاهد لاحقا. أما سارة "أنيسة داوود" فهي معلّمة تنتمي إلى أسرة برجوازية تحيط ابنتها بكل أشكال العناية والاهتمام غير أن هذا البحبوحة التي تعيشها بشكل متواصل لابد أن تنعكس على الأبناء. فالأب سامي الذي سمح لابنته الوحيدة "ياسمين" ذات السنوات الخمس أن تذهب إلى ساحل البحر وتلعب في رماله قد وضع على معصمه شارة تُذكِّره بها وكأنه يوحي لنا بإمكانية نسيانها أو عدم مراقبتها بشكل جيد وحينما تغرق في البحر، وإن لم نرَ مشهد الغرق، يظل منكسرًا ومهمومًا لأنه يشعر بتأنيب الضمير ولو كرّس لها قليلاً من وقته الذي هدره في نقاشات عقيمة مع الأسرة وضيوفها لما ماتت ابنته غرقًا أو بأي حادثة مأساوية أخرى سببها الإهمال لا غير. تُرى، كيف ستسير حياتهما الزوجية بعد هذا الفقد الكبير؟ وهل يستطيعان العودة إلى حياتهما الأسرية الحميمة، أم أنّ بنيان العائلة سوف يتصدع وينتهي إلى الأبد؟
لم يستطع الأب أن يتخلص من تأنيب الضمير فهو مسؤول بطريقة ما عن موتها، مثلما تتحمل الأم جانبًا من المسؤولية، لذلك يحاول الأب أن ينسى الفاجعة بمعاقرة الخمرة والذهاب إلى منازل اللذات العابرة لكن هذا السلوك أوشك أن يحطّم زوجته التي أهملها في الفراش وكادت أن تصبح فريسة لمدير الفرقة الغائية الذي بدأ يغازلها وأوشك أن يوقعها في شِباكه لولا صحوتها المبكرة التي منعتها من الذهاب في المغامرة إلى أقصاها. إذا كانت سارة تعالج الفقد بالغناء في فرقة موسيقية في محاولة للتخفيف من مصابها الجلل فإن سامي قد بدأ يتعاطى مع فجيعة ابنته من خلال موت أبيه الذي تزوج من أمه زواجًا عُرفيا لا يقرّه القانون التونسي الأمر الذي يضع المُشاهد أمام قصته ثانية تخفف من هول الأولى أو توفر له في أقل تقدير زاوية نظر جديدة للتعاطي مع الموت أو القبول به كمسلّمة لابد منها. ومثلما كان موت ياسمين سينمائيًا بمعنى الكلمة فإن اللحظات التي سبقت موت الأب كانت سينمائية بإمتياز لأنها خلت من الحوار لتتيح للصورة البصرية أن تأخذ دورها اللافت للانتباه. وعلى الرغم من غياب ياسمين المبكر إلاّ أنها ظلت حاضرة بقوة طوال الفيلم الذي بلغت مدته 84 دقيقة فالأب يراها في مرآة السيارة حيث كانت تجلس في المقعد الخلفي ويسمع صوتها في كل مكان، وهذا الأمر ينسحب إلى الأم التي تحلم بها وتسمع صوتها في كل مكان لذلك جاءت أغنية "عصفور طلّ من الشباك" التي غنّتها الأم في الحفلة بمثابة الأثر المحفور في الذاكرة والذي يروي قصة مفجعة يعرفها المستمع العربي جيدًا ولعل أهم ما فيها أن هذا العصفور قد جاء من "حدود السماء"، تلك المضارب التي ارتفعت إليها ياسمين فلاغرابة أن يتصل سامي بزوجته في نهاية المطاف ليرسم على شفتيها ابتسامة تتسع شيئًا فشيئًا لتخبرنا بأنهما قد وضعا أقدامهم على الطريق الصحيحة التي تتقبل الموت كجزء لا يتجزأ من لعبة الحياة.
تنطوي القصة السينمائية التي كتبتها نادية خماري بالتعاون مع فارس نعناع على انتقادات للخطاب الديني الذي أخذ موقفين أساسيين قد يبدو الأول غريبًا حينما سمعت سارة مع أمها صوت الآذان في "المول" فقالت مستغربة بما معناه: "منذ متى يرفعون الآذان بهذا المكان؟" والموقف الثاني حينما عاد سامي مخمورًا من إحدى سهراته الليلية وطلب من سائق التاكسي أن يخفض قليلاً صوت المسجِّل الذي يبث أدعية دينية متواصلة الأمر الذي يدفع السائق لأنه يُخرجه بالقوة من السيارة ويوسعه ضربًا ورفسًا وكأننا في غابة لا قانون فيها.
لعل أبرز علامات نجاح الفيلم هو تألق بطلية لطفي العبدلي وأنيسة داوود اللذين تماهيا مع دوريهما وجسّداه بطريقة مُبهرة على مدار الفيلم فلاغرابة أن يسند مهرجان دبي في دورته الأخيرة جائزة أفضل ممثل إلى لطفي العبدلي الذي يعِد بالكثير. وبالمقابل كان أداء أنيسة داوود معقولاً ومنسجمًا مع منزلتها الاجتماعية المرفّهة التي لم تسلم من انتقادات المخرج فارس نعناع وكاتبة النص نادية خماري.
لابد من الإشارة إلى براعة تصوير سفيان الفاني، وموسيقى قيس سلامي التي كانت تعمّق المشاهد الدرامية المؤثرة سواء في موت الابنة الوحيدة أو غياب الأب. كما لعبت سلاسة المونتاج دورًا مهمًا في إنسيابية الفيلم وتقديم قصته السينمائية التي ترصد طبقتين اجتماعيتين في محيط واحد.
جدير ذكره أن رصيد المخرج فارس نعناع من الأفلام الروائية القصيرة قد بلغ ثلاثة أفلام وهي على التوالي "كاستينغ للزواج" الذي حصل على الجائزة الأولى في مهرجان طنجة السينمائي في المغرب عام 2005 و"مَنْ قتلَ الأمير الوسيم؟" و"مِن أول نظرة" كما أنجز فيلمًا روائيًا طويلاً يحمل عنوان "ليلة مقمرة".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتبره تشهيرا خبيثا.. ترمب غاضب من فيلم سينمائي عنه


.. أعمال لكبار الأدباء العالميين.. هذه الروايات اتهم يوسف زيدان




.. الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت في مهرجان -كان- بفستان بـ-ألو


.. مهرجان كان 2024 : لقاء مع تالين أبو حنّا، الشخصية الرئيسية ف




.. مهرجان كان السينمائي: تصفيق حار لفيلم -المتدرب- الذي يتناول