الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المدن المترّيفة وإنتاج المهمشين وأثرها على التحول الديمقراطي

شمخي جبر

2016 / 9 / 20
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



افرز الواقع المجتمعي العراقي وعبر مدة زمنية تطورات كثيرة في بناه الاجتماعية، اذ كانت هناك عملية تطور سريع كما يرى هشام داود (ادى في فترة وجيزة لاتزيد على بضعة عقود الى اختفاء البدو تقريبا،اذ هبطت نسبتهم(35 بالمئة)من اجمالي السكان في القرن التاسع عشر والى (4 بالمئة) 1957 ثم الى اقل من (1 بالمئة) في ثمانينيات القرن العشرين. ولكن النموذج القبلي البدوي اثر تأثيرا عميقا على سكان الارياف وعلى سكان المدن الصغيرة والمتوسطة في مناطق الغرب والجنوب ، من ناحية التنظيم الاجتماعي وطرق التفكير).
ولان العشائر تمتعت لسنين طويلة بالحرية والاستقلال وعدم الخضوع لاية حكومة كانت ، يرفضون النظام والقانون وسلطة الدولة لانهم يرون ان لديهم نظامهم الخاص وقانونهم الخاص ويتمردون على السلطة المفروضة من خارج العشيرة . فضلا عن العداء التقليدي بين المناطق الحضرية والمناطق العشائرية ، اذ تنظر العشائر كما يقول غسان العطية الى الادارة وسكان المدن بوصفهم مستغلين وجباة ضرائب وتخشاهم الادارة وسكان المدن بوصفهم محاربين غير منضبطين لايحترمون القانون والنظام وممتلكات الناس.
عند دراسة الواقع الاجتماعي العراقي وطبيعة البنية الاجتماعية فيه يتفق الباحثون على صعوبة وضع حدود فاصلة ونهائية بين ماهو ريفي وماهو مدني، اذ ان ملامح وخصائص هذه المجتمعات متداخلة لايمكن التمييز بينها بدقة، لاسيما ان العراق لم يشهد ثورة صناعية حضرية في مدنه مماثلة لتلك التي حدثت في مدن اوروبا واميركا بحيث تنمو المدن نموا سريعا مؤدية الى خلق انماط سلوكية وعلاقات اجتماعية حضرية متميزة بها.
بل ان النمو التدريجي للمدن العراقية الذي حدث اثر ازدياد عوائد النفط بعد العام(1952) ادى الى حدوث هجرة ريفية وبدوية الى المدن فضلا عن الاسباب الاخرى.هذه الهجرة ادت الى سكن المهاجرين في مناطق محلية محدودة مع اقاربهم من وحداتهم العشائرية وجماعاتهم الاقليمية، حماية لهم اقتصاديا واجتماعيا، وهذا النمط من السكن للمهاجرين حدد بدرجة او اخرى تفاعلهم مع سكان المدن، فضلا عن ان التفاعل الذي حصل ،كان بدرجات محدودة وضيقة، كذلك فان هذا التفاعل لم يحصل بين سكان مدن حضريين وسكان ريفيين بالمعنى الاوروبي او الاميركي، اذ ان سكان المدن العراقية على الرغم من مظاهر التحضر الجزئية مازالوا(اشباه حضر)كما يرى الدكتور علاء جاسم البياتي، فهم يمارسون علاقات ريفية عشائرية ويتصرفون بتصرفات اقرب في مضمونها ومحتواها الى العلاقات والتصرفات الريفية وهذا الامر ليس بالغريب، لاسيما اذا علمنا ان البناء الاجتماعي والثقافي الحضري في المدن العراقية عامة وحتى العاصمة بغداد، بناء عشائري محلي يقوم على روابط الدم وعلاقات الجوار المكانية.ففي مدينة بغداد مثلا نجد ملامح البناء العشائري الريفي بارزة وواضحة، اذ نجد جماعات عشائرية اطلقت اسماءها على الاحياء التي سكنتها(بني سعد، العزة،الدوريين، التكارتة،السوامرة، الفلاحات) اذ يرى محمد عبد الهادي دكلة ان الحياة الحضرية وخصائصها التي وضعت وفقا لنظرية المتصل الشعبي الحضري(ريدفيلد،هنري مين، اميل دوكايم)او غيرها من النظريات التي تناولت خصائص الحياة في المدن، لاينطبق على مدينة بغداد او غيرها من المدن العراقية فالسكن في المدن والعمل في بعض المؤسسات الادارية والصناعية لايعني ان العراقي المهاجر اليها او المحلي الذي كان ساكنا فيها قد تحول الى شخص حضري يمارس العلاقات والتصرفات الحضرية.ان علم الاجتماع اعتمد على العلاقات الاجتماعية وماتعكسه من قيم وعادات وتقاليد وانماط سلوك اخرى من المعايير الاساسية التي يجب ان تعتمد في تمييز المجتمعات الريفية منها، من الحضرية .
فالفوارق بين الريف والحضر تصبح نسبية، فهناك من هاجر من الريف وسكن المدينة ولكنه بالنسبة لعلاقاته الاجتماعية وطريقة تفكيره وسلوكه قد بقى الى حد ما ريفيا، فمثلا سكان مدينة الصدر الذين هاجروا الى بغداد منذ الخمسينيات والستينات وان عدوا حضرا لاغراض التعداد السكاني، لكنهم ما زالوا يمارسون عاداتهم وتقاليهم وقيمهم الريفية.
ويمكن القول ان الكثير من سكان العراق والمنحدرين من اصل ريفي ما زالت بذور حياة الريف والطابع المييز لها ينعكس في الكثير من سلوكهم وعلاقاتهم الاجتماعية، ويشير( دكلة) الى ان الاسلوب الذي اعتمد في العراق في تحديد المجتمع الريفي في احصاء(1977) هو وصف كل الساكنين خارج حدود امانة العاصمة والبلديات من اهل الريف.فالتحضر والحياة الحضرية اسلوبان للحياة يتميزان بمواقف واتجاهات وانشطة وعلاقات واشباعات وافكار وجزاءات وقيم خاصة، وهو فضلا عن ذلك كله عملية اجتماعية طويلة ومعقدة تهدف الى الغاء او على الاقل تعديل اسلوب الحياة الريفية بقدر ماتهدف الى فرض ونشر اسوبها الخاص.وينظر البياتي الى ان التحضر يتطلب الفهم العميق والتمثيل الكامل لاسلوب الحياة الحضرية بكل ملامحها الممييزة وبهذا يمكن القول مع(آرثر بار): تستطيع ان تنزع رجلا من الر يف ولكنك لاتستطيع ان تنتزع الريف من عقلية الرجل.وتبين لنا انه (مهما تعرض له الفرد الذي كان فلاحا من محيطه الاجتماعي لان يتحضر فأنه يبقى فلاحا مقتلعا من جذوره).فالفروق الريفية الحضرية في العراق غير موجودة، لان الحياة الريفية بخصائصها وملامحها هي الحياة السائدة وان وجدت فيها بعض السمات والملامح الحضرية، وهذه الحالة عكس مانجدها في الولايات المتحدة الاميركية اذ نجد نمط الحياة السائد هو نمط الحياة الحضرية سواء كانت في المناطق الريفية او الحضرية، فالتقدم العلمي هناك ادى الى ان تتحول المجتمعات الريفية فيها بدرجة او باخرى الى مجتمعات حضرية، وان وجدت فيها سمات وملامح ريفية جزئية).اذن فالمجتمع لدينا هو مجتمع ريفي (تريفت) فيه المدينة، ولم يتمدن او يتحضر فيه الريف في الكثير من الاحيان، اذ تغلب عليه العلاقات الاجتماعية الريفية، والقيم العشائرية، وقيمها الابوية لان عمليات التغيير الاجتماعي التي حدثت في مجتمعاتنا في جوانبها الاقتصادية والسياسية والثقافية، كانت عمليات تحديث فوقية لم تمس قاع المجتمع الذي بقى راكدا على ماترسب من قيم ثقافية وعلاقات اجتماعية.
العشائر العشرنة
المقصود بالعشرنة هو اضفاء الطابع العشائري على العلاقات السياسية والاجتماعية حتى تمتد الى جميع مفاصل الحياة، كان النظام السياسي في المجتمع الريفي العراقي قائما على اساس الوحدات العشائرية التي كانت تشكل كيانا سياسيا متميزا، يتمثل في قبول افرادها لرأي كبار السن فيهم، وفي ميلهم الى حل منازعاتهم فيما بينهم من دون اللجوء الى جهة خارج الوحدة العشائرية، وقد عزز قانون دعاوى العشائر الذي اصدره الانجليز(1916 ) والذي ثبت سيطرة رؤساء العشائر على فلاحيهم، كما عزز هذا القانون مكانة رؤساء الافخاذ والعشائر عن طريق اعطائهم وظيفة المحافظة على الامن والقبض على المجرمين وحماية المواصلات وسداد الانهار وجمع الضرائب، فضلا عن تزويدهم بالاسلحة.الا ان مجيء ثورة (1958) وتشريع قانون الاصلاح الزراعي وتفتيت ملكيات الاقطاع اضعف من سلطات شيوخ العشائر وبالتالي اضعف سلطة هذه المؤسسة على افرادها الذين اقبلوا على مؤسسات الدولة لتحقيق الحماية لهم، والدفاع عن حقوقهم، ومع انتشار الوعي المجتمعي في ظل التغييرات الاجتماعية وانتشار التعليم ووجود منظمات اجتماعية احتضنت الفرد الريفي كالجمعيات الفلاحية، او انتماءه لبعض الحركات السياسية التي حولت ولاءه من الولاء القرابي للمؤسسة التقليدية (العشيرة) الى الدولة والوطن بوصفها المسؤولة عنه والمدافعة عن حقوقه والضامنه لمستقبله.
الا ان وجود نظام شمولي اعتمد النسق القرابي العشائري او المحلي، عمل كثيرا على اعادة انتاج علاقات عشائرية فمنح العشيرة قوة من جديد فأعاد لها الروح، لاسيما ان الدولة ومؤسساتها في حالتي وهن وضعف بعد 1991.اذ كان النظام انذاك بحاجة ماسة الى توسيع قاعدته الشعبية للحصول على بعض التأييد.
يقول عدنان ياسين (ان تعزيز قوة البنى الاجتماعية التقليدية وبخاصة العشيرة او الاسرة الواسعة والرابطة الدينية الضيقة مع تفكك السلطة المركزية بعد(9 نيسان 2003) تقدمت هذه البنى للامام لتقدم حماية وتطلب اعترافا وسلطات بالمقابل) باعتبارها تشكل بديلا عن منظمات المجتمع المدني المغيبة ، ولكن يرى بعض الباحثين (ان العشيرة تشكل للمجتمع عدة تحديات، فهي لاتدعم قيما تقليدية فقط انما تتنافس مع السلطة المركزية على مسائل الهوية والولاء وممارسة السلطة السياسية وهكذا استخدمت سلطات الاحتلال رؤساء العشائر لادارة بعض المدن العراقية الكبيرة، واضافة بعضهم الى الهيئات المحلية والوطنية التي انشأت لمساعدتها في ادارة البلد ولاقامة السلطة الانتقالية.
الفئات الهامشية
احزمة الفقر التي تحيط بالمدن ، ومناطق السكن العشوائي وساكني بيوت الصفيح،التي تتكون من المهاجرين الريفيين اصبحت مصدرا لانتاج المهمشين ،الذين اصبحوا مادة جاهزة لاثارة الاضطرابات الاجتماعية.
اذ يرى الباحثون ان الفئات الهامشية تشكل وقودا لمعارك تدميرية اذا ماتم تدارك امرها في الوقت المناسب، فهذه الفئات التي تتردى اوضاعها يوما بعد آخر تشكل الكتلة الكبرى في اللوحة الاجتماعية الراهنة، وتصبح موضوعا للرهان والصراع والخطابات الراديكالية الساعية لجذبها الى حلبة الصراع وتغيير ميزان القوى.
فتشكل هذه الفئات ضغطا على البنية الاجتماعية، وعلى عملية التنمية الاقتصادية في اي مجتمع،اذ توجد علاقة عكسية(سلبية) بين التنمية الاقتصادية والعنف السياسي، يقول احمد شكر الصبيحي ان علماء السياسة والاجتماع في الغرب ربطوا بين التحول نحو الديمقراطية والاستقرار السياسي بالتنمية الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية، ودائرة المشاركة السياسية،فالعنف السياسي ينخفض في النظم الديمقراطية نظرا لوجود مؤسسات سياسية وسيطة تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتضبط الصراع الاجتماعي، وهناك علاقة بين مستويات الدخل ومستوى الاقبال على المشاركة السياسية، اذ انه كلما كانت الدخول اقل فأن الاقبال على المشاركة السياسية يكون ضعيفا، حيث يشير (روجيه غارودي) للمرة الاولى في التاريخ تسير متطلبات النمو الاقتصادي والتقني ومتطلبات الديمقراطية والتنمية الانسانية في اتجاه واحد، لان التفتح الكامل لماهو ذو طابع انساني في الانسان، اي القدرة على الابداع ، تصبح الشرط الاساس، اكثر فأكثر للنمو الاقتصادي والتقني
ويشير علي كريم سعيد الى ان الجمعية العامة للامم المتحدة قد صادقت العام (1986) على مبدأ اعلان حق التنمية وربطت تطور حقوق الانسان بوجود تنمية شاملة، اذ ان الديمقراطية السياسية هي حجر الزاوية في قيام حرية اقتصادية، وبهذا فان هناك علاقة بين انتعاش التنمية والممارسة الديمقراطية، ومع مستوى ما يتمتع به الانسان داخل المجتمع من حقوق.
كراهية الحداثة
فالقبلية كبنية اجتماعية ومجمل ماتحمله من قيم تشكل حجر عثرة في طريق أية عملية تغيير اجتماعي لان هذه البنى الاجتماعية بنى تقليدية ؛تعتمد مقاييس التقليد في سلوك الأفراد والجماعات فتحارب التجديد لأنها تخافه على اعتبار انه يحمل تغييرا قد يمس أية إشارة أو رمز مما تبنى عليه وبالتالي إضعافها ؛ او قد يكون التجديد محاولة لتحيينها ما يعني إدارة رأسها الى الأمام ( جعلها ملتفتة الى الحاضر والمستقبل) بينما هي ترفض النظر الى الأمام ؛ لان بناها وأطرها تستند الى أمجاد وأحداث الماضي ؛ فتعتبر اية محاولة لتحديثها هي محاولة لهدمها ؛ وتمزيق لبنيتها ؛ لأنها بنية ارثية يكون الانتماء لها موروثا يجيء من خلال التوالد والوراثة ؛ لا يختاره الأفراد بل يفرض عليهم فرضا ؛ ما يقتضي الالتحام والمناصرة من اجل تامين سلامة القبيلة ؛ والارتباط بين أفرادها يكون ارتباطا ( لا عقليا)؛يتحول هذا الارتباط الى ارتباط لايتاثر بالنقد العقلي والتطور الاجتماعي .
وحسب الدكتور فالح عبد الجبار(ففي مجال التماسك بين النخبة الحاكمة والإمساك بدعائم السلطة، تأتي تجربة البعث مختلفة جداً عن النظامين السابقين، سواء أكان نظام اللواء عبد الكريم قاسم (1958- 1963) الذي أطاح انقلابه الملكية، أو نظام المشير عبد السلام عارف (1963-1968) الذي استند في حكمه على الجيش وعلى روابط الدم (عشيرة جميلات). وكلاهما فشل في تثبيت النظام. أما البعث فأضاف مقوّمات جديدة الى الصيغة الأساسية، جمعت بين الجيش والتضامن القبلي. وهذا المزيج المعقد استغرق تحقيقه وقتاً طويلاً لأن مختلف العناصر المكوّنة للنظام متناقضة في طبيعتها. فمن جهة، هناك المعايير الحزبية الحديثة وهي المعايير التي يدّعيها حزب البعث، صاحب الدعوة القومية العربية الاشتراكية والتي لا تنأى به عن الانقسامات الداخلية، ومن جهة أخرى تتناقض هذه المعايير مع أشكال الترابط والتضامن القبلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. حملة لإنقاذ سمعة -المانجو-! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ردا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: مجلس النواب الأمريكي




.. -العملاق الجديد-.. الصين تقتحم السوق العالمية للسيارات الكهر


.. عائلات الرهائن تمارس مزيدا من الضغط على نتنياهو وحكومته لإبر




.. أقمار صناعية تكشف.. الحوثيون يحفرون منشآت عسكرية جديدة وكبير