الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصخرة العاتية تتحدى أى دستور

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2016 / 9 / 21
مواضيع وابحاث سياسية



تدرك الطفلة أن هناك خطأ فى المجتمع المحيط بها، ربما هى أكثر ذكاءا من أخيها وزملائها الذكور، لكنها لاتحظى
مثلهم بالتقدير أو الإحترام أو الحرية ، تلجأ الطفلة الى إلغاء عقلها وذكائها الفطرى لتتكيف مع النظام الذى يحكمها، تقتنع الطفلة، بالرقة أو بالعنف، بالتعليم أو بالتهذيب، أن الخطأ ليس فى النظام، بل فى جسدها الذى ينتمى لجنس آخر أقل قيمة.

أخوها يخرج ليلعب وإن كان ساقطا، وهى تبقى بالبيت لتتعلم الطبخ وإن كانت ناجحة متفوقة، فى كتب المدرسة ترى صورا وكلمات، تؤكد دورها فى الحياة : صورة الأب يقرأ الصحف، وابنه يقرأ كتاب المدرسة، والأم واقفة أمام النار تطبخ وإبنتها تتعلم منها، وصورة للابن جالس وراء مكتبه يكتب، وصورة للبنت تقشر البصل، تحت الصورة هذه العبارة: أحمد يكتب، نوال تطبخ.

كانت أمى تؤكد أن الكتابة ستكون حياتي، لكن المدرس راح يضربنى على أصابعى بالمسطرة ويقول : أكتبى نوال تطبخ كما بالكتاب، لكن صوت أمى يتغلب فأكتب بكل عزيمتى : نوال تكتب تكتب لا تطبخ، وعاقبنى المدرس بالصفر فى إمتحان الأدب العربي، لكن أبى يقول إن الأدباء الكبار كانوا يأخذون صفرا فى الامتحانات ، ويشجعنى على الكتابة مثل أمي، وبعد أن نجحت فى كلية الطب راح يشجعنى على الجمع بين الطب والأدب، لكنه حذرنى قائلا :

اسمعى يا إبنتي، مهما تحرر الرجل فهو يريد زوجة تطبخ وتطيع تخدمه وعياله، وهذه الصفات تتعارض مع شخصيتك وكرامتك، وعليك الاختيار بين الطريق السهل، أى الحماية مع الخضوع للزوج، أو الطريق الصعب، أى الكتابة والاستقلال برأيك وذاتك المفكرة، وأن تكونى مستعدة لدفع ثمن الحرية والكرامة ،

وقلت : سأختار الطريق الصعب وأدفع الثمن، وكنت أسمع أبى يردد هذه العبارة : إحترمت نفسى حين خيرتها بين السهل والصعب فاختارت الصعب، يرمقنى أبى بإعجاب خفي، ثم يضحك ساخرا : هذا كلام شعراء يعيشون فى الخيال، لكن الحياة الواقعية قاسية وأخاف عليك منها، وهنا تقول أمى : لا خوف على نوال، نرميها فى النار ترجع سليمة ،

هذه العبارة بصوت أمى إنحفرت فى ذاكرتى ، منحتنى الثقة بنفسي، ومهما تعرضت، بسبب الكتابة والتفكير المستقل، للمحن المتعددة، فى حياتى العامة والخاصة، منها سبع قضايا حسبة بالمحاكم، وفصل من عملي، وتشويه لسمعتي، وتهديدات بقتلي، وغيرها ، فإننى لا أندم أبدا على إختياري، وفى عيادتى الطبية شهدت مآسى النساء الجسدية والنفسية، اللائى إخترن الطريق السهل، أى التسليم للمصير النسائي، والإنطواء تحت جناح الزوج، شهدت كيف يكون هذا الجناح هشا ، تطيره نفخة هواء أو نزوة عابرة، كيف تدوخ الأمهات بأطفالهن فى المحاكم بحثا عن المأوي، تأكدت أن المحن فى حياة الزوجات والأمهات أفدح من المحن فى حياة الكاتبة المستقلة وإن كانت مهددة بالقتل، فالكاتبة تعيش بكرامتها من إنتاج عقلها، ولا تعيش على نفقة الزوج، إنها مأساة النساء التاريخية منذ بداية النظام العبودى حتى اليوم، بل مأساة البشرية نساءا ورجالا، شعوبا ودولا، لقد فشل النظام الرأسمالى العالمى والمحلي، فى تحقيق العدل والكرامة والحرية، أو الديمقراطية الحقيقية ، للأغلبية الساحقة من سكان كوكب الأرض ،

يكفى أن نتابع الانتخابات فى الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإنجلترا وألمانيا وروسيا ومصر وتونس والسويد والهند والصين واليابان وغيرها من بلاد العالم، لندرك مهزلة الديمقراطية فى ظل النظام الرأسمالى الحديث، وما بعد الحديث، ورغم إختلاف النظم الرأسمالية من بلد الى بلد، إلا أن قواعدها الطبقية الذكورية، هى التى تحكم أساسا، خاصة فيما يتعلق بالجنس الآخر، تظل المرأة هى «المكان والكيان» حيث يقع الظلم الجسدى العقلى الروحى السياسى الدينى الاقتصادى الاجتماعى العائلي، الظلم الواقع على الذات النسائية الفردية والجماعية، باعتبارها جنسا مختلفا عن الذكور، باعتبارها حامية الأسرة الأبوية، نواة النظام الطبقى القائم على السلطة المطلقة للأب والحاكم. ،

فشلت الأنظمة الليبرالية القديمة والجديدة، والعلمانية والشيوعية والاشتراكية الدينية واللادينية وغيرها، فى تغيير الجذور التاريخية للحكم الرأسمالى الدينى القائم على الفلسفة الذكورية ، ونواتها الصلبة : الأسرة الأبوية ،

يكرس قانون الأسرة الأبوية الظلم للنساء والأطفال ، فى مصر وتونس وفرنسا وأمريكا والهند والصين وغيرها من بلاد الشرق والغرب ، ويقف كالصخرة العاتية يتحدى أى دستور جديد ينص على المساواة والعدل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المرأة عالم السياسة
د.قاسم الجلبي ( 2016 / 9 / 21 - 14:19 )
تنفق جميعا بأن المرأة العربية والآسلامية لا تحظى بأي دور رأسي وهي مطية تجر اذيالها خلف الرجل , ولكن هذه الحالة ليست صحيحة بل هناك العديد من النسوة ممن تخطين حاجز الخوف وتمتعن بالدراسة والتحصيل العلمي حتى وصلن الى درجات من التقدم ولهن التأثير الكلي على مجتمعهن منهن الكاتبات الرائدات والشاعرات , اما في عالمنا الواسع فهنا نسوة وصلت الى دفة الحكم بعد نضال مرير, واذكر هنا بعضهن السيدة سو كي رئيسة حكومة ميانيمار التي وقفت ضد الطغمة الحاكمة حتى وصلت الى دفة الحكم , والسيدة تيريزا مي رئيسه وزراء انكلترة , والسيدة ميركل , ورئيسه حكومة البرازيل السيدة ديلما روسيف الذي تأمر عليها اليمين المتطرف وازاحوهاعن السلطه التي ولدت من اب يحمل افكارا ماركيسية , وعلى الجانب الآخر هناك بعض النسوه ممن يحملن افكارا عنصريه اتجاه الآخريين مثال السيده ماريا لوبان في فرنسا , كما ظهرت امرأه اخرى في المانيا تحمل افكارا يمينية اتجاه الاجانب وهي رئسيه حزب المانيا البديل السيده فراوكه بيتري, ,, عندم تتولى حكومات علمانية دمقرطيةفي اوطاننا سنجد العديد منهن قد حظين بمراتب عليا, , مع التقدير


2 - نصف اللوم عليكن
س . السندي ( 2016 / 9 / 22 - 07:14 )
بداية تحياتي لك يا سيدتي وتعقيبي ؟

1: ما قلتيه هو نصف الحقيقة ، فنصف اللوم يقع عليكن خاصة في عالم اليوم ، فعندما تترشح 100 إمراة للبرلمان في مصر وتفوز عشرة فقط رغم ان نصف المجتمع إن لم يكن أكثر نساء ، فبماذا تعليل ذالك ؟

2: وأخيراً ...؟
الحقيقة أن الغرب لايريد لمجتمعاتنا أن تتحرر ، وهو مدرك جيداً أن المرأة مدرسة إذا أعدتها أعدت جيلاً غني العلم وطيب الاخلاق ، لذا لا يريدون لها أن يتحرر عقلها وطاقاتها حتى تبقى مدرسة فاشلة تنتح أجيالاً فاشلين وهذا مانراه ونحصده ، مع الشكر لساستنا ومعميمنا المنافقين ، سلام ؟

اخر الافلام

.. حلم الدولة الكردية.. بين واقعٍ معقّد ووعود لم تتحقق


.. ا?لعاب ا?ولمبية باريس 2024: سباح فلسطيني يمثل ب?ده ويأمل في




.. منيرة الصلح تمثل لبنان في بينالي البندقية مع -رقصة من حكايته


.. البحث عن الجذور بأي ثمن.. برازيليون يبحثون عن أصولهم الأفريق




.. إجلاء اثنين من الحيتان البيضاء من منطقة حرب في أوكرانيا إلى