الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أم رمضان و ساكو ..!

ميشيل زهرة

2016 / 9 / 21
الادب والفن


عندما بدأت موجات النزوح الأرمني ، في مطلع القرن العشرين ، بعد المذابح العثمانية ، التي أولغت في دماء الشعوب ، و الأقليات تحديدا ..
كان ( ساكو ) سركيس ، من حصة أسرة مسلمة ، حيث تعهدت برعايته مقابل عمله كصبي ، في الدار الكبيرة لفلاح ملاّك في إحدى القرى السورية ..! لم يكن قد خفّ ثقل الحزن عن قلب ساكو بسبب فراق الأهل ، و الأخوة ، و الأخوات ، و الأقرباء..! ولم يكن قد استعاد ابتسامته التي اغتصبت لطفل لم يكتمل صبره ، بعد ..! كان ساكو يمضي أيامه منزويا في ركن في الدار الكبيرة ، ليتذكر و يبكي ..و كثيرا ما يكون بكاؤه عويلا يُقطّع القلوب ، عندما يتذكر أهله الذين قتلهم الأتراك ..و لا يتوقف عن العويل ، حتى تطلب منه النسوة ، أو الأولاد ، في الدار طلبا لتلبيته ..و لكنه لا ينسى ..لأن جمرة في القلب الصغير تتقد ، من لوعة الدم الذي أبعد صبي بعمره عن الأسرة التي لم تطلقه للريح بعد ..هو ذلك العصفور الواهن الجناح ..!
في الدار الكبيرة صبي في مثل سنه ..كان يلعب معه ، و يأكل معه ، و يقومان في بعض الأعمال معا ..!
ذات يوم امتنع رفيقه المسلم عن الأكل ..و لم يعد يتناول وجباته مع ساكو ..و عندما تساءل ساكو عن السبب .. كان يأتيه الجواب كلمة واحدة ، حاسمة ، مع ملامح جادة ، و قاسية ..مع رائحة مقززة من فم صديقه : ( إنه رمضان يا ساكو..!! ) و تمضي الساعات ..و الأيام ، و تزداد الوجوه قسوة ، و قتامة ، و نفورا من كل شيء ..هذا ما جعل ساكو أن يفكر : إن ذلك الكائن الذي اسمه رمضان ، يشبه إلى حد بعيد العسكر العصمنلي الذي اجتاح بيتهم في ذاك اليوم المشئوم ، و اغتصب النساء ، و الأطفال ، و قتل الجميع ..و لم ينجُ ساكو لو لم تخبئه الدجاجات في خمّها يوم ذاك . و بقيت تقرقر ، يومها ، خوفا ، مما أوهم ( الجندرما ) العسكر أن يثقوا بأن لا أحد في الخُمّ و مضوا ..و تحت جنح الظلام الدامس ، تسلل ساكو من قريته مجتازا الحدود السورية ، إلى هذه القرية التي كانت مأواه الأخير . كل هذا الذي حدث جعله يربط بين هذا الذي يجوّع الناس و بين الجندرما ..و قد ظن في نفسه أن هذا الرمضان ، لا حول لهم به و لا قوة ..و إنه يدوس على أعناق الجميع ، و يفرض حضوره على الناس ، و يجوعهم ..و إلا لماذا تغيرت طباع صديقه في الدار الكبيرة ..؟ و رجال الدار صاروا أكثر توترا ..و النساء ، تضاعف حمل تعبهن ..!!
ضمر ساكو في نفسه لرمضان مشاعر لم تكن طيبة ..فكر : أن ينصب له فخا في باب الدار ، أو على السطوح ..ليصطاده كعصفور ..و لأنه لم يتقن العربية ، لم يستطع أن يشرح لصديقه الصائم ، خططه ، و أفكاره التي يرسمها لإنقاذ العائلة من كائن يجوعهم ، و يجوعه معهم ..لقد كان الطعام وفيرا قبل ( رمضان ) ..ما الذي جرى ..؟؟ يتساءل ساكو ..!
انتهى رمضان ..و في يوم العيد تكومت أصناف الحلويات ، و اللحوم ...فتسرب الفرح إلى قلب ساكو ..عادت الوجوه إلى ما كانت عليه ..صاروا يبتسمون له ..و صديقه عاد إلى نشاطه في اللعب معه ، و اختفت الرائحة المقززة من فمه..!! و في المساء طُرق باب الدار الخشبي الكبير ..سأل ساكو قبل أن يفتح الباب ، كما علموه : مين إنتا بابا..؟؟؟ و عندما جاءه الرد من خلف الباب : أنا أم رمضان يا ساكو ..افتح يا ابني ..
تذكر ساكو رمضان و ما فعله بالعائلة ..و لأن ساكو وفيا للعائلة التي ضمته إليها ، و لم يُردْ لهذه العائلة ضيقا ، و لا غضبا ، و لا جوعا ، فقد ظن إن أم رمضان جاءت لتعيد المأساة التي يبذرها ، ابنها رمضان الذي يأتي كل عام إلى الدار ..فقرر طرد أم رمضان قائلا : ( ما في بيفوت أنتا بابا ..بيروه ابنك بيجي أنتا ..؟؟؟ ) = ماراح ابنك حتى جئت أنت ..؟؟؟ و عندما ارتفع الصراخ ..جاءت إحدى النسوة ، و هي تضحك ، إذ فهمت سبب سلوك ساكو..لتخلّص العجوز من بين يديه .. ساكو، الوفي ، و المُخْلص لمن يحيطه بالدفء ، و الحنان الذي فقده على أيدي ( الجندرما العصمانلية ..! )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر


.. حكاية بكاء أحمد السبكي بعد نجاح ابنه كريم السبكي في فيلم #شق




.. خناقة الدخان.. مشهد حصري من فيلم #شقو ??


.. وفاة والدة الفنانة يسرا اللوزي وتشييع جثمانها من مسجد عمر مك




.. يا ترى فيلم #شقو هيتعمل منه جزء تاني؟ ??