الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رَبطَتَا خبز

محمود الباتع

2016 / 9 / 21
كتابات ساخرة




في قديم الزمان وسالف العصر والأوان، يوم كان العمر غضاً والصبا كانَ سخيّاً، أدخل بعضهم في دماغي ما لم يكن لي به علم، فأقنعوني بأن ما كان يجري على لساني أحياناً من ثرثرة عدها البعض هذياناً وبعضهم سخافة بينما كان يحلو لخالتي "إلهام" أن تصفه بـ "سحبات تحشيش" على سبيل التهزيئ والاستخفاف إنما هو شعر وليس له من لوثات الحشاشين نصيب كما كان اعتقاد خالتي. وبناءً على ذلك فإن صاحبكم، ويا لدهشته الكبرى وورطتة الأكبر .. شاعر مثله مثل سائر الشعراء !
لا أخفيكم والكلام بيني وبينكم أن الفكرة راقت لي، فأخذت ورويداً رويداً في تصديق ما أقنعوني به، ورحت أتصرف كما هو ظني بالشعراء.
قيل لي أن أهم ما ينتاب الشاعر هو الإحساس بالحنين، وبالتالي جعلت أستحضر الشعور بالحنين، لكن دون أن "أعرف لمين" كما أخبرتني فيروز ذات أغنية.
لم يمض وقت طويل قبل أن أكتشف أن زميلي "محمود درويش" كان دائم الحنين إلى خبز أمه، ففرحت فرحة أرخميدس يوم اكتشف الطفو، وهتفت مثل ما فعل "وجدتها .. وجدتهت"
أخذت قراري عازماً ألا يكون لي عنه رجعة بأن أحذو حذو "محمود درويش" بالحنين إلى خبز أمي .. ولم لا ؟ ألستُ شاعراً مثله ولديّ أم رائعة كأمه وربما أروع، والأهم من ذلك أنها كانت هي الأخرى تصنع خبزاً شهيّاً لم أر في الدنيا مثيلاً له، أحمر الخدود زشهي الرائحة طريّ الملمس دائم النضرة، طازج على الدوام. كان هذا الحنين فاتحة مشروعي الشعري العتيد، وهكذا بدأت أحن بدوري إلى حبز أمي!
لكن العقدة أن أمي أيامها كانت قد اعتزلت اللت والعجن والخبيز لتفرغ لتربية الصيصان والعصافير، واتفق آنذاك أن مخبزاً قد افتتح غير بعيد عن مسكني، يعود لكهل غزاوي كان يعد كماج الخبز على الطريقة الفلسطينية، فوجدت فيه ضالتي إلى حد ما في إشباع حنيني المتنامي إلى رغيفي المنشود.
كنت عائداً ذات مساء إلى المنزل وبرفقتي جاري "ياسين" الذي عرفه الجيران بالفهلوة والشطارة والبراعة في اقتناص الفرص ما دامت تعود عليه بالكسب المجاني. الحاصل أنني وبينما نحن عائدون إاى المنزل استئذنته في أن نعرّج في طريقنا على "فرن العودة" حبث يخبز ويباع خبزي الأثير، فأحصل منه على ما تيسر من أرغفة لزوم وجبة العشاء وما أمكن من سندوتشات الإفطار في صباح الغد. في الواقع كان الاستئذان مراكبياً عابراً ولم أكن في حاجة إليه، لكنني ارتأيت أن موجبات اللياقة والكياسة تقتضي مني ذلك طالما أن السيارة سيارتي ورفيقي الفهلوي هو ضيفي فيها.
ما إن سمع استئذاني حتى انتفض "ياسين" صائحاً في ذعر كمن قرصه حنش (أوعا ...!).
وقبل أن أتدارك صدمتي تابع "ياسين" محذراً ..
"الزلمة مقرف .. مخبزه قذر وخبزه غير نظيف .."
وتابع مواصلاً إبداء الاشمئزاز .. "يا أخي غشيم وخبزه معجّن خير الله" ( يقصد أنه غير ناضج وبه الكثير من العجين النئ).
تداركت نفسي وأبديت لامبالاة بما قاله جاري، نزلت من السيارة وتوجهت إلى المخبز قاصداً مبتغاي، بينما صاحبنا يحوقل ويستغفر الله ويتحول برأسه يميناً ويساراً في خيبة وأسف.
ظل جالساً في السيارة ريثما أعود، وما ما إن أغلقت بابها، وقبل أن أصل عتبة المخبز حتى جاءني صوته منادياً بصوت مرتفع ولكن بنبرة رجاء، وقد امتد جذعه خارج النافذة ..
" زكاتك جار .. تناول لي ربطتين بطريقك ..!"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??