الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإقتصاد المصري..التضخم الجامح وفشل السياسات النقدية والمالية

احمد البهائي

2016 / 9 / 22
الادارة و الاقتصاد


التضخم يعني وجود فجوة بين المعروض من السلع والخدمات والطلب الفعلي عليها ، وقد عرف الاقتصاديون التضخم على أنه الزيادة المستمرة في اسعار السلع والخدمات عندما يكون الطلب الكلى عليها أكبر من العرض الكلى ، بمعنى زيادة إضافية في الطلب لا يواكبها زيادة في إنتاج السلع والخدمات ، والنتيجة حدوث زيادة في الأسعار، وهذا يؤدي الى اختلال التوازن بين العرض والطلب ، وقد يكون أيضا التضخم بسبب اختلال التوازن بين خلق الأرصدة النقدية والتوسع في الاقتصاد ، إذا ما حدث توسع في المعروض النقدي بوتيرة أسرع من الاقتصاد، ينتج عن هذا ارتفاع مستويات التضخم ، فالتضخم دائما وابدا مرتبط بحدوث تطورات في عدد من المتغيرات الاقتصادية كالعرض المتاح والطلب الفعلي وكمية النقود المعروضة للتداول و أسعار الفائدة بالإضافة الى مستوى التشغيل في الجهاز الإنتاجي ، فخسب النظرية الاقتصادية للإنجليزي جون مينارد كينز ، إذا ما ازدادت كمية النقود المعروضة للتداول تنخفض أسعار الفائدة ويزداد حجم السيولة النقدية، التي يحتفظ بها الأشخاص نتيجة لانخفاض سعر الفائدة. وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة الميل للاستهلاك، وانخفاض الميل للادخار. ومع انخفاض أسعار الفائدة وزيادة الميل للاستهلاك فإن المشروعات القائمة ترفع مستويات التشغيل، وتظهر استثمارات جديدة عندما يقوم رجال الاعمال بالحصول على قروض بأسعار فائدة منخفضة لتمويل مشروعات إنتاجية جديدة بسبب الميل للاستهلاك ، وأن الزيادة في الطلب الفعلي نتيجة زيادة كمية النقود وانخفاض أسعار الفائدة تسبق الزيادة في الإنتاج نتيجة الاستثمارات الجديدة، وهذا هو السبب الذي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وحدوث التضخم ، ما يحدث في مصر الأن من متغيرات إقتصادية ، أثبت أن النظرية الكينزية التي احدثت نقلة نوعية كبيرة في تفسير التضخم وتحديد كيفية حدوثه ومعالجته لا يمكن صحتها على الاقتصاد المصري ، حتى من جانب العلاقة بين التضخم والبطالة وهي علاقة عكسية حسب كينز لا تنطبق على الإقتصاد المصري ، والذي أوضح إذا ارتفع معدل التضخم انخفض معدل البطالة والعكس صحيح، فحسب كينز أن ارتفاع التضخم يرتبط بزيادة الطلب الفعلي لما يتجاوز العرض المتحقق من السلع والخدمات في التشغيل الكامل للجهاز الإنتاجي، ومعروف أن حالة التشغيل الكامل تعني وصول معدل البطالة إلى حده الأدنى ، فالحالة المصرية خالفة توقعات كينز ، حتى من ناحية التضخم المنخفض أو حتي انكماش من المرجح أن يعاني ركودا ، فالسلع التي ارتفعت أسعارها في مصر وأدت الى التضخم ، عشرة سلع ولكنها أساسية ومعظمها إنتاج محلي ، إذا فالمشكلة لا ترجع الى الإستيراد وإرتفاع تكلفته او إعتماده على العملة الصعبة ، بل الى خلل في هيكل الإقتصاد الإنتاجي والعوامل الهيكلية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للدولة ، وعلى رأسها الإقتصاد الموازي والإحتكار والفساد " الإداري والتوزيعي والسوقي والرقابي "، وخلل الطبيعة الهيكلية للتخصص في إنتاج المواد الأولية، وجمود الجهاز المالي للحكومات، وضآلة مرونة عرض المنتجات الغذائية، فضلاً عن قصور في طبيعة عملية التنمية وما تولده من اختلالات ، فالحالة المصرية تعدت التضخم العادي والتضخم المكبوت ، وما نخشاه الوصول الى مرحلة التضخم الجامح او المدمر ، هو أن تواصل أسعار السلع والخدمات إرتفاعها إلى أن تصل الى أرقام فلكية، يليها حدوث تدهور مزهل ودراماتيكي فى القوة الشرائية للعملة النقدية ، وتتعطل مهمة ووظيفة النقود كقوة للقيمة، ويصبح إستخدامها كوسيط للتبادل فقط ، وبذلك تصبج النقود لا قيمة لها ، فزيادة الأسعار تؤدي إلى إرتفاع تكاليف المعيشة بوتيرة متسارعة ، وتزداد المشكلة تفاقما مع ثبات الاجور ، ويكون المتضرر من جراء ذلك أصحاب الدخول المنخفضة والثابتة، لأنهم سوف يشترون بدخلهم سلعاً وخدمات أقل من ذي قبل. ويستفيد من ارتفاع مستوى الأسعار رجال الأعمال واصحاب الانتاج وذلك بسبب ارتفاع أسعار منتجاتهم وثبات تكاليف إنتاجهم ، وبالتالي سيكون أثر ارتفاع الأسعار على المستهلكين سلبياً، والسبب في ذلك أنهم يحصلون على كميات أقل من السلع والخدمات بنفس المبلغ من الدخل النقدي الذي يحصلون عليه ، وعندها سوف ينخفض مستوى معيشتهم .
فعلى الرغم من تأكيد الرئاسة والحكومة المستمر على إتخاذها عدة إجراءات خلال الشهور الماضية لمواجهة التضخم، من أجل السيطرة على أسعار 10 سلع غذائية أساسية، ارتفع معدل التضخم الأساسي السنوي في مصر الى 16.4%،وهو أعلى معدل منذ ديسمبر2008، ومن هذه الإجراءات : خفض الإنفاق الحكومي، فرض ضرائب جديدة ، زيادة نسبة الضرائب القديمة ، وتشجيع الادخار ، تخفيض عرض النقود عن طريق تحسين مستوى أداء إدارة الدين العام ، زيادة الإنتاج وتقليل الصادرات بهدف زيادة العرض المتاح من السلع الاساسية والاستراتيجية ، التحكم بالأجور النقدية لإبقاء التكاليف منخفضة ، الرقابة على الأسعار وغيرها ، كذلك قيام البنك المركزي المصري بزيادة سعر الخصم، ورفع سعر الفائدة، وعمليات السوق المفتوحة بأن قام البنك المركزي ببيع أوراق مالية حكومية إلى الجمهور وإلى البنوك التجارية، ورفع نسبة الاحتياطي النقدي الالزامي في البلاد ، والقيود النوعية على الائتمان وبخاصة الاستهلاكي ، إلا ان الامور تزداد سوء ، فهذا يعني أن هناك فشل من الحكومة في كبح التضخم ، حتى بعد الاستعانة باسواق الجيش،فوصول التضخم الى هذا المعدل ينبئ بخطر كبير قادم حيث من المتوقع بناء على تلك المعطيات ان يتعدى معدل التضخم 20% وخاصة بعد تطبيق ضريبة القيمة المضافة، وبالتالي فإن الأدوات التي يمتلكها البنك المركزي تصبح غير فعالة وأكاد اقول لا قيمة لها،ومنها اداة سعر الفائدة ، فهل يعقل أن ترفع اسعار الفائدة الى 20% لمواجهة الغول التضخمي!! ، فجميع المدارس الإقتصادية المتخصصة والتي ساهمت في علاج التضخم ، سوف تفشل عند تطبيق نظرياتها لعلاج التضخم في مصر ، طالما الإقتصاد الموازي موجود وباقي يعمل ، والفساد والإحتكار باقي بدون رادع ، وغياب السياسة الاقتصادية السوقية والسعرية والتوزيعية الرشيدة ، وعدم الإسراع بمعدلات النمو الاقتصادي عن طريق سياسة حازمة ورشيدة لتوزيع الدخل القومي فيما بين الاستهلاك والاستثمار، وعدم وجود سياسة تهدِف إلى الاستغلال الأمثل لموارد المجتمع، وتشغيل طاقاته الإنتاجية عند أعلى المستويات ، واليد المرتعشة في تطبيق مبدأ الثواب والعقاب ، التأخر والتردد في تطبيق زيادة الضرائب على الطبقات والشرائح الغنية واستخدام الفائض الناجم عن ذلك في زيادة معدلات الاستثمار، فكل ذلك سوف يؤدي الى عدم التوازن بين الإنتاج والاستهلاك والادخار والاستثمار، وضعف الطاقات الإنتاجية في الاقتصاد القومي ، وإلى ارتفاع أثمان العوامل الإنتاجية، وسائر تكاليف الإنتاج، يليه ارتفاع متتال في الأسعار، وما نخشاه الدخول في مرحلة التضخم المدمر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمال المحارة الترند عملوا فيديو جديد .. المنافسة اشتدت فى تل


.. أسعار الذهب اليوم الأحد 19 مايو 2024




.. الأسبوع وما بعد | قرار لبوتين يشير إلى تحول حرب أوكرانيا لصر


.. بنحو 50%.. تراجع حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل




.. العربية ويكند الحلقة الكاملة | الاقتصاد مابين ترمب وبايدن..و