الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بأي ذنب قتلوا؟

إكرام يوسف

2016 / 9 / 25
حقوق الانسان


مشهد مكرر.. جثث أطفال ونساء وشباب مكومة ـ بعد انتشالها من البحر ـ بات البعض لا يهتز له جفن أمامه. بل، ويجد لديه القدرة على تجريم هؤلاء الضحايا، بدلا من الجناة الحقيقيين!! ويزداد المشهد بشاعة مع القبض على الناجين، ووضع القيد الحديدي في معاصمهم، حتى وهم على أسرة المستشفيات يتلقون الإسعافات!! فينطبق عليهم المثل "موت، وخراب ديار".. وتتضاعف الكارثة، غرق الاهل والأبناء، مع ضياع أموال اقترضوها، وصاروا مطالبين بسدادها!
وكعادة إعلامنا الرسمي، لا يعرف أحد حقيقة أعداد الضحايا بدقة، لكن اغلب الروايات تتراوح حول المائتي غريق!! ويقرأ البعض العدد ببرود ناتج عن الاعتياد!! فنحن نصحو يوميا على صور للموت الجماعي، تكون الأعداد فيه بلا معنى: متظاهرين خرجوا للشوارع دفاعا عن حق!! سجناء رأي، عانوا تعذيبا وحشيا حتى الموت في زنازين السلطة، أو في أماكن تم اخفاؤهم فيها قسريا، بعد اختطافهم!! أو جنود وضباط تركوا بلا تأمين في سيناء! أو تحت أنقاض عمارات بنيت بمخالفات تغاضى عنها مسئولون فاسدون، أو حوادث قطارات نتجت عن استهتار غطى عليه فساد مسئولين او تقصيرهم!!
هكذا أصبح الخبر شبه يومي، يمر البعض على أعداد الضحايا مرور الكرام! بل، قل اللئام!! لا يلتفتون إلى ان الرقم يعني مائتي روح أزهقت؛ تحمل قصصا، وحكايات، وعلاقات، واخبارا، وموارد رزق.. خلفت وراءها مئات من الثكالى والمكلومين؛ أهل وأحباب وصحبة، وأناس تعلقت حياتهم بها، قد لا يستطيعون العيش بعدها!!
لم يحاسب أحد على قتل الثوار في الشوارع، في واضحة النهار، ولا على جرائم الخطف والتعذيب حتى الموت، ولا على ترك الجنود والضباط بلا تأمين كاف في الصحراء، كما لم يحاسب الفسدة الكبار في كوارث انهيار العقارات او حوادث القطارات. وإن حدث، يكون بتقديم كبش فداء، ربما كان آخر عنقود الفساد، وأقل عناصر هذا العنقود قيمة! فكيف نتوقع محاسبة من تسببوا في غرق الضحايا؟
كالعادة، ينبري الإعلام الرسمي الى تبرئة المسئولين من أي تقصير، ويلقون باللوم على الضحايا؛ وتنتشر فرية أن كلا من هؤلاء دفع ثلاثين الف جنيه للمهربين أملا في الفرار إلى بلد يضمن له حياة كريمة! (وكالعادة، يزايد البعض ليصل المبلغ إلى 50 ألف جنيه، فالكلام كما يقولون، ليس عليه جمارك) ويتنطع هؤلاء ـ ويردد وراءهم الببغاوات ـ فيتحدثون عن المشروعات التي كان يمكن للهاربين من الجحيم ان يؤسسوها بهذا المبلغ! متجاهلين عمدا ان هذه المبالغ ـ التي لا تكفي تكلفة وليمة عشاء يقيمها بعض هؤلاء الببغاوات لأصدقائهم ـ حصل عليها الهاربون بالاستدانة، وبيع ما تطوله أيديهم في بيوتهم وبيوت أهلهم، أملين أن يستطيعوا السداد من عائد عملهم بالخارج، وسط ظروف إنسانية تضمن لهم العيش بكرامة. وحتى لو افترضنا ان هذا المبلغ يمكنه إقامة مشروع صغير، فهل يضمن صاحبه سداد دينه، بعد إقامة المشروع، الذي قد ينهار فوق رأسه، إذا لم يستطع تلبية متطلبات "الإكراميات" لكل من يقع هذا المشروع في نطاق صلاحياته؟ لقد كان بين هؤلاء الهاربين أسرا، لديها أطفال، تحلم لهم بتعليم أفضل وتأمين صحي وحياة أدمية، هل يمكن لمن يستدين هذه الثلاثين ألف جنيه، ان يوفرها لأطفاله من عائد مشروعه هذا بعد أن يسد ما عليه من دين، ويدفع ما يضطر اليه من إكراميات وإتاوات؟ هل تكفي عوائد المشروع بعد ذلك لضمان تكاليف سكن أدمي، ونفقات تعليم الأولاد وعلاج الأسرة؟
يعلم هؤلاء الهاربين ـ من أخرين سبقوهم، ونجحت محاولتهم ـ أن بلاد العالم الأخرى، تضمن تعليما محترما مجانيا للأطفال، يمتد في بعضها الى التعليم الجامعي! يماثل ما يسمى هنا "التعليم الإنترناشونال" بمصاريفه التي تبلغ عدة عشرات من الآلاف للطفل الواحد! كما يعلمون ان وجودهم على الأرض الغريبة سوف يضمن لهم تأمينا صحيا، يقيهم ذل الحاجة والتسول، إذا ما تعرض أحد أفراد الأسرة لمرض لا قدر الله! ويعرفون ان هذه البلاد الغريبة تمنح من يعيش على ارضها إعانة بطالة وسكنا شعبيا أدميا، يضمن لهم حياة أدمية، وفرصة تأهيل مهني تضمن لهم رزقا حلالا!! فهل تكفي الثلاثون ألف أو الخمسين ألف ـ حتى لو كانت في متناول الهارب من دون استدانة ـ لتأمين حياة كهذه؟
ثم يخرج علينا تصريح غير مسئول، فحواه ان السلطات "أحبطت" محاولة هجرة غير شرعية؟ كيف بالله عليكم؟ هل نجحت السلطات في إلقاء القبض على المهربين قبل سقوط ضحايا مثلا؟ هل منعت صعود الركاب؛ الذين يقال ان المركب ظلت راسية لمدة يومين، يتواتر وصول الركاب إليها بزوارق صغيرة، أمام أعين وتحت أسماع السلطات المسئولة؟ هل نجحت هذه السلطات في معالجة أسباب لجوء المواطنين للهجرة غير الشرعية، فأحبطت محاولات المهربين.. كأن وفرت ـ مثلا، مثلا ـ فرص عمل للعاطلين منهم تدر عليهم دخلا يضمن لهم حياة كريمة، تبعدهم عن المخاطرة بالهجرة غير الشرعية؟ أو ضمنت لهم ـ مثلا، مثلا ـ حق العلاج المجاني وفق منظومة تأمين صحي تشمل مظلتها جميع المواطنين، فلا يموت أحدهم لمجرد انه غير قادر على تكاليف العلاج؟ هل وفرت لأبنائهم ـ مثلا، مثلا ـ تعليما مجانيا محترما يماثل، أو يقارب، ما يتطلعون إلى الحصول عليه، في بلد غريبة، دونها ركوب البحر؟ أم أن هذه السلطات نجحت في إلقاء القبض على "الحيتان" الكبار الذين يحققون الثروات من عمليات تهريب البشر، مهما كنت مناصبهم أو علاقاتهم النافذة؟ فبعملية حسابية بسيطة، يمكننا ان نحسب حاصل ضرب ثلاثين الف جنيه (في اقل تقديرات رسوم التهريب) في500 شخص (متوسط اعداد الركاب في الحادث الأخير) يكون الناتج 15 مليون جنيه في الرحلة الواحدة!! ولا شك أن المستفيد بالنسبة الأكبر من هذا المبلغ لن يكون المراكبي الذي يقود المركب وصبيانه!! ولا شك انه "بيزنس" يحقق أرباحا خرافية، يتطلب "إغماض" بعض الأعين، فهل توصلت هذه السلطات للرؤوس الكبيرة وراء هذا "البيزنس"، أو من يغمضون أعينهم عنه، فأحبطت بذلك الهجرة غير الشرعية، وصار لزاما أن ترد لها الجميل حكومات غربية تعاني من تدفق المهاجرين غير الشرعيين؟ وأن يشكرها الشعب الذي حافظت على كرامته، وأنقذت أبنائه من ويلات الموت غرقا؟
ماذا فعلت السلطات بالضبط كي يمكنها أن تعلن أنها "أحبطت" محاولة للهجرة غير الشرعية، وتمن على بلاد الأخرين بأنها "حمتهم" من تدفقات المهاجرين غير الشرعيين؟ وماذا فعلت كي يكون من حق إعلامها الرسمي، وببغاوات التبرير، مهاجمة من فضلوا مغامرة غير مأمونة، على أمل فرصة نجاح ضئيلة، على حياة لا أمل فيها بالمرة؟ وماذا فعلت كي يفهم الفقراء، بأي ذنب قتلوا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كم عدد المعتقلين في احتجاجات الجامعات الأميركية؟


.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين




.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في


.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال




.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال