الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سطوة النص في المجموعة القصصية.. - قرى الملول - للأديب اللبناني/ سليمان جمعة.

محسن الطوخي

2016 / 9 / 26
الادب والفن


صدرت المجموعة القصصية " قرى الملول " عام 2016 عن حركة الريف الثقافية بلبنان/ البقاع. تضم المجموعة اثنين وأربعين نصاً قصصياً في ثمانية وثمانين صفحة من القطع المتوسط.
وعلى القارىء في ظني أن يتطهر, كأنه مقدم على صلاة. فهو مقبل على كتابة. لا تقع في حيز المألوف.. كتابة شعرية تطمح إلى أفق مراوغ
تستنبت العاطفة في الوجدان, عوضاً عن أن تصنع صورة.
تتنوع التجارب الإنسانية, ويتألق السرد مانحاً كل تجربة أفقها السردي بقاموس لغوي ثري ثراء الأيكة, مانحاً كل تجربة ثراءها الوجداني.
. كيف يخلق الشاعر عوالمه القصصية ؟. انه الخيال العبقرى القادر على التخلص من المسلمات والأطر.
يستبدل الشاعر بعالمه المادى عالم قوامه الأفكار المجردة, والمشاعر. يبسط على عالمه علاقات تتوازى مع العلاقات الإنسانية, لكنها متحررة من كثافة المادة.
في نص " حبيبتي " . تقرأ . " فى قريتى الشعرية, عيد لفتيات العشق الآتى ", إنها ليست قرية واقعية, بل قرية سحرية ليس لها أن تنشأ إلا في خيال شاعر. اللفظ المادى ماهو إلا وسيلة لتقريب المعنى. فالقرية ماهى إلا المعادل لفضاءات الشعر, ذلك العالم الذى يبدأ من نفس الشاعر ويتجاوز فى امتداده حدود الأبد. تسرى فى هذا العالم فتيات الوجد أو فتيات العشق. الوجد الذى تصطلى فيه روح الشاعر مفتونة متطلعة إلى التوحد مع الروح الأصيل لجوهر الوجود, تذوب عشقاً من أجل أن يمنحها ذلك الروح الأصيل مسحة من ضيائه وألقه. والعطر هو سر القصيد يراوغ قلب الشاعر.
تتساءل وأنت تقرأ نص " هديل " , .. لماذا يعمد الشعراء الى كتابة القصة ؟, والإجابة: .. لكى يملأوا نفوسنا بالمتعة والألق, ولكى ندرك كيف تتحول الكلمات إلى نور شفيف, يظهر وجهاً آخر للكون لا يعرفه الا الشعراء. ولسبب آخر, هو أن نتنازل طائعين عن كل ماعرفناه عن قواعد القص, وندرك أن للنص سطوة, وأنه يملك أن يتبوأ مكانه فى الصدارة عندما يصنع قواعده الخاصة التى لا نملك إلا أن ننحنى لها اعترافاً بجدارتها .. عشتار, مثقلة بالأمانى, توسوس للفراشات, عشتار الحالمة يذهلها كم الورد فتزل قدمها الى الماء, يحملها سرب السمك على سرير الماء الى ضفة أشواقها التى حلمت بها "ذات شذا". من يملك أن يتحدث فى حضرة عشتار.
للأشجار وجود وحضور طاغ, لا تكاد تقلب صفحة إلا وتلتقي بشجرة. ليست شجرة بالمطلق, إنما شجرة محددة. يبهرك التنوع حتى لتظن أن للشجرة موقعاً متميزاً في وجود الكاتب.. البيلسان, الجوز, التوت, اللوز, الصنوبر, الدردار, السرو, الحور, الكرم, والتفاح . وغالباً ماتصاحب الأشجار الذكريات, كل حكايات الحب مرتبطة بشجرة. وكل حكايات الحب تنتهي بوداع, وفراق, فراق يحفظ للعاطفة رونقها, يحولها إلى ذكرى, فخيال الشاعر يضع الذكري بما تنطوي عليه من لواعج وحزن شفيف, في أفق أسمي من التواصل, بما ينطوي عليه من انقضاء الوطر, وبلوغ الغاية, تأمل قول الكاتب في المقدمة: " للوردة عبق منها وليس تلقيحاً" .. مايدوم هو عبق الوردة, وليس غاية وجودها. وتأمل قوله: " فالقصة زورق يبحر في بحر". ماأن يرسو الزورق على الضفاف, حتى لا يصبح هناك قصة, القصة في وجدان الشاعر هي استمرار التوتر.
على أن للقصة في المجموعة هموم مصاحبة تتجاوز الرومانسية, والإبحار بين لجج العاطفة.
فنلتقي بصورة من صور نضال الكلمة. فالكلمة في ضمير الكاتب. " تتبنى حدثاً متخيلاً تجريه في مكان وزمان هما هوية الانتماء والعدالة والحرية ..." . ففي نص " أذان" نموذج لضحايا الكلمة. والأذان هو ميقات. ولأن الأذان الذى الذى يتردد باستمرار فى النص هو أذان الفجر, يقودنا ذلك الى المقارنة التى يبدو أن الكاتب أراد لفت الانتباه اليها, داخل الأسوار كان الأذان هو موعد هجوم الذكريات التى رثت من فرط مااستهلكها السجين فى وحدته القسرية, وإيذانا بسطوع القبح على جدران المحبس المشوه بالرطوبة والظلال التى تعكسها نتف الضوء الشحيحة التى تنفذ من فتحة السقف, تأمل تعبير " لضوء تأسره فتحة فى السقف ". تعبير شعرى رفيع يجسد وطأة الأسر فى معناه الكلى. أما الأذان الذى يأتى قبيل الختام فهو البشير بفجر جديد يوشيه صوت الابنة الرنيم. بحوائط خالية من التشوهات. " والدرب لا زالت تنتظر " .. كأنما هى اشارة الى أن المناضل يدرك أنها فسحة لالتقاط الأنفاس قبل معاودة النضال من جديد.
ولقضية العرب المحورية مكان بين اهتمامات الكاتب. نلتقي بالقدس في نصين.
" أيقونة الحلم الهارب " .. حيث يتجسد حلم العودة فى المفتاح الذى يحمله الآباء المنفيون عن الديار, يتوارثونه جيلا بعد جيل. حتى صار بمثابة الأيقونة التى تبقى على الحلم .. طمس شخصية الزائر." كأنه احد اقاربي ..لا..لا...لا اعرفه " . يشير إلى انفصام الروابط بين الأجيال المسئولة عن متابعة النضال. كأن الكاتب يبغى أن يشير إلى تعرض الشخصية الفلسطينية للطمس.
" باقة ورد " .. تقول الجدة : " هذه الورود يا فداء لا تنبت الا في القرية التي كانت لنا هناك بالقرب من القدس" .. تراوغك الصورة الشعرية بين الحقيقة, والخيال, لكن الأثر الكلي يرسخ حقيقة أن القدس باقية في الوجدان, وأن الأباء الذين قضوا في صمت مدافعين عنها بلا طائل, لا يزالون يحيون في الذاكرة يبشرون بأمل لا يخبو .

ولا تنفصل التجربة القصصية عند سليمان جمعة عن الهم العام, فنلتقي في قصص مثل : جميلة / تغريدة / غريب / دنيا والدرويش / لن أتأخر. بتجارب إنسانية يكابد فيها الشخوص لواعج الألم الإنساني المتربص في الممارسات المحبطة, والظروف غير المواتية.

نصوص نثرية مجدولة بروح الشعر. أجمل القص هو ما يخاطب الوجدان مباشرة, وينقل التجربة بدفقة الحس والشعور. تجربة التلقى الحداثى ان جاز التعبير.
محسن الطوخي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا