الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحويلة ..هجائية ضد القهر!

باهر عادل نادى

2016 / 9 / 27
الادب والفن


فيلم التحويلة إنتاج 1996م ، فيلم اجتماعى واقعي سياسى ، فالقصة مأخوذة عن قصة –حقيقة- للكاتب الصحفى وجيه أبو ذكرى بعنوان "عامل التحويلة "، السيناريو والحوار :"ليوسف بهنسى" ، وقصة الفيلم بإختصار : حلمى (نجاح الموجى ) يعمل فى السكة الحديد كعامل تحويلة "محولجى غلبان " ،وحلمى هذا مواطن مصرى بسيط يعيش على الهامش و باعتباره ابن الحياة يحيا على سجيته بالفطرة النقية ؛ فتجده يرتجل أزجالا عامية بالرغم من أنه لم يحصل على شهادات ،ليعبر بهذه الأزجال عن أفكاره وأحاسيسه وطموح الشعب الذى ينتمى اليه ، يعيش حلمى حياة هادئة مع زوجته مريم (وفاء عامر) وأسرته الصغيرة أمه وطفليه أمير وسناء ، ولا يكدر صفو حياته إلا معاناة المواطن المصرى البسيط الذى يصارع الحياة كل يوم من أجل البقاء ! . وتربطه علاقة بضابط ترحيلات سامى بيه ( إبراهيم الدالى ) ويَظن حلمى أن الضابط يحبه ، وفى معترك الحياة وبسبب الروتين الحكومى المُعقد يحتاج حلمى خدمة من صديقه الضباط ، وهى أن يتوسط له الضابط لتركيب جهاز لرجل ابنته المريضة سناء . ولكن من سوء حظ حلمى أن شاء القدر فى هذه الليلة هروب أحد المساجين المرحلين الى السجن ! وعندها لا يجد الضابط سامى أمامه سوى أن ياخذ حلمى بدلا منه !! ويتم تلفيق التهم له ! وفى المعتقل يتم استعراض كيف يتم تلفيق التهم للمساجين واعترافهم بأشياء لم يقوموا بها! ومن أزجال حلمى الذى يقولها فى المعتقل عندما يحاول الضابط الظالم عزمى (أحمد عبد العزيز) أن يلتحف بثياب الوطنية ،ويضفى شرعية زائفة على ما يقوم به من تعذيب لمواطنين شرفاء وتلفيق التهم بالباطل لهم ، ويطلب من المساجين المظاليم أن يهتفوا تحيا مصر ..تحيا مصر . وهم من شدة قهرهم غير متحمسين للترديد ..وأسفاه!..نجد حلمى يقف ويرتجل بكل ألم :
تحيا مصر وتحيا تحيا فى كل ناحية الكل قال
تحيا مصر فى المصانع فى المزارع فى الجبال
بس أنتوا سيبوها تحيا وهى تحيا وتبقى عال !
ويأتى الضابط عمر بيه "فاروق الفيشاوى " الذى يمثل الجانب الإنسانى الشريف فى رجال الشرطة والذى كان يعيش مع زوجته (جيهان فاضل) حياه هادئة– وإن كان يغلب عليها الطابع الجنسى- ويتم نقله إلى المعتقل كتكدير له حيث أنه طبق القانون على أبناء أحد كبار رجال الدولة ! وبعد فترة من وجوده فى المعتقل يكتشف أن حلمى يصلى صلاه المسيحيين برغم من تلفيق اسم مسلم" له حسين "..ويرفض الضابط عمر ماحدث مع المواطن حلمى ويحاول أن يساعده ولكن هيهات فينقلب القهر عليهما معا ويتحول إلى سجين/معتقل معه ويريد الضابط المفترى أن يتخلص منهما نهائيا فيطلق عليهما الرصاص ويستشهدا وتختلط دماؤهما معا ! وهذا المشهد العبقرى "الماستر فينال " مشهد قتل الضابط عمر ويجرى عليه حلمى لينقذه فيموتان متعانقين !!! وتختلط دماؤهما "مسلم ومسيحى" لتسيل فى مجرى مياه النيل !
ومن الملاحظ فى السيناريو هو أننا لم نعرف هوية المواطن حلمى الدينية إلا متأخرا وهذا من عوامل قوة السيناريو المُحكم حيث أننا تعرفنا عليه كإنسان أولا ، وتعاطفنا معه ومع همومه وأحلامه البسيطة كمصرى دون النظرة الطائفية أو محاولة المتاجرة بمشاهد مبتذلة عن الوحدة الوطنية الزائفة.
وأيضا مشهد صلاة العيد فى الكنيسة وحضور وفاء عامر والأولاد قداس العيد وظهور مشاهد من داخل الكنيسة مما يتيح للمشاهد غير المسيحى أن يتعرف على بعض صلوات الأقباط ولا يعيب هذا المشهد سوى عدم حرفيته وتكرار الكاهن لحركة واحدة دون فائدة!
والمشهد الذى لايقل جمالا ورعة هو مشهد النهاية ؛مشهد المحكمة ،اللقطة التى تجمع بين زوجة الضابط عمر (جيهان فاضل)، وزوجة حلمى (وفاء عامر) فى كادرعبقرى و معبر يقول لنا إن الظلم حصد الأزواج ،ولكن هاهن الزوجات قد جئن إلى المحكمة طالبات العدل والإنصاف!
وبرغم أعجابنا بقصة الفيلم وجديته ،وقوة السناريو ونضاجته ،فإن هذا لا يمنعنا من تقديم ملاحظة على سيناريو الفيلم وهى :انحصار دور المرأة فى الجنس والمتعة (خصوصا دور جيهان فاضل) ، وعدم الاهتمام بالدور النسائى ونتيجة لذلك مثلا جاء دور زوجة نجاح الموجى "وفاء عامر" صغيرا محدودا غير واضح المعالم، لدرجة أنها لم تظهر بعد اعتقاله لتبحث عنه إلا متأخرا . (لم يكن للمرأة دور فى تحريك أحداث الفيلم إلا فى نهايه الفيلم عندما ذهبت زوجة الضابط عمر (جيهان فاضل) للبحث عن زوجها وتم التصعيد لإكتشاف الجرائم التى تحدث داخل المعتقل)
أما تقييم الأداء التمثيلى: فإن نجاح الموجى مبدع وأداؤه عبقرى ،وفاء عامر وجيهان فاضل أدوارهما صغيرة وقد أجادتا فى حدود المتاح ، (فقد حصر السيناريو والإخراج المرأة فى المتعة الجنسية كما أسلفنا )، كان فاروق الفيشاوى متميزاً ،وأحمد عبد العزيز كان أداؤه واثقا ولكنه متشنج أحياناً .
موسيقا حسين الأمام موسيقا مُعبرة وتزيد تفاعل المشاهد مع أحداث الفيلم الشيقة .
مونتاج: فتحى داود جيد ولكنه كان يحتاج إلى سرعة حتى لا نشعر بالملل ، مدير التصوير: غنيم بهنسى متميز ،والمخرج أمالى البهنسى كان متميزا للغاية برغم أنه فى تجربته الإخراجية الوحيدة وبرغم من ذلك ظهر بهذا الشكل المتقن و الكادرات الجيدة.
فيلم " التحويلة " فيلم هام بمثابة هجائية ضد قهر المواطن، وأظن أنه نحتاج أن يشاهده مخرجو السينما المصرية وكُتاب السناريو(اختيار موضوع جاد) ليتعلموا كيف ينبغى أن يكون الفيلم السينمائى ! ولو التفت صُناع السينما فى مصر إلى هذا الفيلم وتعلموا من نجاح التجربة ، لم وصل بنا الحال إلى أفلام مثل شارع الهرم وحصل خير وأولاد البلد وأحاسيس وعبده موتة !
كلمة :
السينما كالحياة البقاء فيها للأصلح ..
فلايبقى فى ذاكراتنا الفنية إلا ما يستحق البقاء !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال