الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اوراق مسافر( 1)...ثلاث محطات كردستانية ..ورابعة في مدخل بغداد الشمالي .

حسن كعيد الدراجي

2016 / 9 / 29
الادب والفن


المحطة الاولى : لطم سياحي : في خضم موجة الحر الشديد اللاهب لصيف بغداد القائض ..حملتنا أقدامنا للحجز في احدى شركات السفر والسياحة "وما اكثرها انتشارا في بغداد "... وكان الامل يحدونا بإن تكون سفرتنا الى ربوع كردستان ، فرصة سانحة مواتية للهرب من حرارة شهر آب ، الى أجواء اخرى مغايرة ومختلفة ، تتوفرفيها مساحة من الانتعاش والراحة والترويح عن النفس ، ومغادرة مناخات الضغط والشد النفسي والاجتماعي والامني ، التي نعيشها من خلال الاحداث والتطورات المتلاحقة في بغداد .
في صباح اليوم التالي ، انطلقت بنا السيارة الى اقليم كردستان ، وكانت وجهتنا اربيل ومن ثم دهوك ...ويبدو ان من يتولى إدارة الباص السياحي وتنظيم الخدمات اللوجستية ، وتوجيه انطلاق حركة الباص ، وأعطاء الاشارة الى السائق ، والاشراف على اذاعة الباص المرئية ، اثنان من الشباب يعملان تحت مسمى (( مرشد سياحي ))..والحق يقال ، انهما كانا في غاية اللطف ، وفي منتهى الاريحية .
ما ان دارت عجلة السيارة ، حتى أنطلق معها وبذات التوقيت ايقاع ينبعث من أجهزة صوتية مرئية أعدت لهذا الشأن ..كان الايقاع مقدمات لأغان صاخبة تطنّ الاسماع ، ولا ضير في ذلك ، فإن الايقاع السريع الراقص هو سمة اغاني الشباب في هذه الايام ، لكن الطامة الكبرى تكمن في كلام هذه الاغاني وفي موضوعها ، إن هذه الأغاني تندرج تحت عنوان فن اللطم الجنائزي ، والردح المثير لكوامن الحزن ، والمحرك لبواطن الألم ، والباعث على الاسى ، والذي لا يمت بصلة لأجواء السياحة ، ويفتقر الى أبسط بديهيات ثقافة السفر ، كم انها لا تعرف معنى للذائقة الفنية ، ولا تنسجم بالمطلق مع جغرافية المكان وتضاريسه وأيحاءاته ، إذآ نحن ندفع ضريبة الاستماع الى أغان بائسة في محتواها ومضمونها، سيما الكلام الهابط الرديء ، السيء ، الذي يخدش اسماع المتلقي ..تلك الاغاني ، عادت بنا الى استذكار الامس الجميل ..اغان الستينات والسبعينات من القرن الماضي ، اغاني مطرب السياحة احمد سلمان ، الذي كان يتغنى بحبه لعراق واحد موحد وبمشتركات العراقيين من ( انهار وآثار وتاريخ ) .
اين اختفى الكلام الجميل من الاغنية العراقية ، مثل : (( ميك يا دجلة اشحلو ليلك وسمارك ...غناك طير السعد دار الهنا دارك ))..لماذا اصبحت الذائقة الفنية لدى المتلقي العراقي ، طاردة للاصوات الجميلة ،مثل : (( صباح الخير على بلادي ..على جبالها وعلى الوادي )). لماذا هذا الانحطاط والسذاجة التي رافقت الغناء العراقي ، ووضعت الاغنية في منحدر لا يتوقف ، وأوصلته الى سوق بائس ، يتعاطي بمفردات رخيصة ، تسوق للمد العشائري المتخلف ، وتثقف لطائفية مقيته ..
لقد تركنا بغداد وكنا نأمل ان نمنح انفسنا وأسماعنا ، استراحة من تداول مفردات ، مثل ( السيد ) و ( العشيرة ) و ( مطلوب عشائريا ) ، وهذا ( تاج الراس ) ، وذلك ( خط احمر ).. الا اننا وجدنا انفسنا نتعاطى معها ، من جديد رغما عن ارادتنا ؛ فلقد وجدنا ( السيد ) شاخصا امامنا في مرتفعات كورك ، من خلال اللطم الاهزوجي المتهافت لأحد المطربين : ( انعال السيد يسوى امريكا وما بيها ..انعال السيد .... )، وفي شلالات بيخال الجبلية كان الكلام منثورا كمقدمة لأغنية عشائرية : (( بأسم بيت اعزيز ، من عشيرة ( جعب ) وعشيرة جعب اقدم من فلم الرسالة ، حتى ويا الحمزه اجوي على الحصان )) ....صار قدرنا ان تسممذائقتنا خلال هذه السفرة بكلمات على مستوى : ( وسوك امريدي نهوس بيه ..احنا أهل الثورة ) ...وعلى مشارف الكهوف الجبلية في دهوك ، كان لام الشهيد وأخته حضورا متميزا يبعث الفرحة في النفوس : (( عدمن مخليني ورايح يا الولد ) ، ( اخوي من الزلم ذابح ثلاثين ) و ( شهيد ودكوا القطعة على الباب ) ...اين ذهبت تلك الكلمات التي تهز الوجدان والابدان ، وتثيرفي النفوس الحماس والروح الوطنية : ( من تهب نسمات عذبة من الشمال ..على اطراف الهور تتفتح كلوب ).
من يوقف هذه الاساءات اللفظية واللحنية ؟ من يستطيع وضع حدا للتجاوز على الذوق العام ؟ لماذا لا تحترم ثقافة المحيط وخصوصية البيئة ؟ ..اسئلة تنتظر اجابات من المعنيين في هذا الشأن ، وخصوصا في اقليم كردستان ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق


.. جولة في عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2024 | يوروماكس




.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم


.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب




.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي