الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لقاء -لوموند- مع الكاتبة الروائية -نتالي ساروت-

محمد الإحسايني

2016 / 9 / 29
الادب والفن


في لقاء "لوموند" مع الكاتبة الروائية "نتالي ساروت"
أكتب في المقهى وأستقر في ركني وأركز بانفراد / ظننت أن للتشكيل مائة وخمسين سنة سبقاً على الكتابة

"نتالي ساروت"، أكبر من الكلمة. هي من رواد الرواية الجديدة؛ وتعبير "الرواية الجديدة" مرجعه إلى "إميل هنريو" - Emile Henriot الذي استخدمه في مقال لتحليل "الغيرة" لـ " آلان روب غريه" و Tropismes "لناتالي ساروت"، ظهر في "لوموند" يوم 22 ماي 1957 ، ولم يكن المقصود أول ألأمر، الحديث عن قيام مدرسة ما، بالرغم من أن مؤسسيها الرئيسيين كانوا منتظمين تحت لواء Editions Minuits ؛ ومع ذلك، لم يجد بعضهم غضاضة في أن تدرس أعماله في ظل هذه المؤسسة. والأهم أن أعمالهم في واقع الأمر مختلفة عن النمط البالزاكي، فهم متأثرون ببعض الروائيين الأجانب أمثال "كافكا"، و"فيرجينبا وولف"، ومع ذلك لم يسلموا من تأثير "ستاندال" و"فلوبير"، فضلاً عن تأثير "الغريب" "لألبير كامو"، و"الغثيان" "لجون بول سارتر". ملحق "لوموند" ليوم 26/ 3 / 1993، أجرى معها لقاءً أدبياً بمسقط رأسها في روسيا تناول فيه العلاقة الجدلية التي تحكم شغف القراءة، وشغف الأوطان المنسية، وكذلك الفضاءات التي تكتب فيها "نتالي" رواياتها. بيد أن حب القراءة يكاد يخرس كل الأسئلة المتجرئة التي تحاول أن تتغلغل في أعماق الكاتبة؛ بل إن هذه الأسئلة حاولت عن دراية وذوق أدبي له حاسته، أن تحصل على الخيوط الرفيعة المميزة لبعض الأنواع الأدبية؛ وبصفة عامة، ما يميز التشكيل عن الكتابة. كل هذا تدلي به كاتبة تتأنى في كلامها وفي كتاباتها، فترمي بثمان وتسعين في المائة من الأوراق التي كتبتها لتحتفظ لنا بورقتين اثنتين هما عصارة أفكارها. لقد أخلصت نتالي ساروت للكلمة.
وكما يقول"لوموند" بقلم ( P.I ) ؛ ؛فإن "نتالي ساروت"، "لم تأذن أبداً بلقاءات كثيرة مع الصحافة المكتوبة؛ بل تفضل تبادل النقاشات وندوات الإذاعة، تفضل بالخصوص، أن تخط كتبها المحررة ببطء، كل صباح، ألف مرة تعيدها: عشر روايات إلى يومنا هذا والحادية عشرة قيد التحضير ، وبحوث في المسرحيات التي مثلت في كل أنحاء العالم مترجمة ومقروءة، وهي الآن في الواحدة والتسعين من عمرها.
أخيراً بعد كل هذه المعاناة في محراب الكلمة، يأتي "جون إبف تادييه" ليرتب معها نشر رواياتها في مكتبة "بلييادا" مع ما يمثله اسم المكتبة من رمز ثقافي، ليلتقي معها قراؤها في الخريف القادم من بلك السنة فبل وفاتها بست سنوات. أهم من ذلك كما تقول مقدمة "لوموند"، اللقاء مع مؤلفة" استخدام الكلمة". ترجمة: محمد الإحسايني/ الملحق الثقافي لـ جريدة الميثاق الوطني: 7 /3/ 993 1 ص/ص:4 /5 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ما هي علاقتك بمسقط رأسك؟
- غادرتُ "روسيا" لما بلغتُ سنتين مع والدتي التي أقامت في "باريس". لقد تفرق أهلي. أذهب شهراً من كل سنة عند والدي في "إيفاموفو"، بمسقط رأسي. وعلى ذلك، فقد احتفظت بصلة ما، مع بلادي. ثم تبعتُ أمي إلى "سان بترسبورغ" حيث مكثت ما بين ست وثمان سنوات. وخلال هذا الوقت، كان أبي قد ذهب إلى "فرنسا"لأسباب سياسية يطول شرحها.والحقيقة أنه في سن الثامنة ونصف السنة، وجدثـُني مع والدي في "باريس". وعليه، لم أذهب قط إلى "روسيا" حتى لو مارست بعفوية، اللغة الروسية مع زوجة أبي. ثم إن أبي لم يكلمني هو، إلا باللغة الفرنسية. سفري الأول إلى "روسيا" قمت به مع زوجة أبي 1936، وكان ذلك بالضبط، بعد اغتيال" كيروف"، ورجتُ منها مرعبة جداً.ثم عدتُ إليها بعد عشرين سنة في 1956، من أجل إجازة لبضعة أيام، حينذاك كان "ستالين" قد مات. بيد أنه كان فظيعاً. وقمت فيما بعد بعدة أسفار أخرى برسم التبادل مع كتاب "سوفياتيين". في سنة 1967 أمضينا شهراً في ساحل "البحر الأسود" كسياح. ويعود آخر سفري إلى 1990. كنت مستدعاة من قبل مدينة "إيفا نوفو". لقد عثروا على منزل أبي حيث ولدت. وفي "موسكو" التقيت من العائلة إحدى بنات عمي التي توفيت أثناء إقامتي. وفي الواقع، لم يبق أحد. فقط ، ولد لأحدى بنات العم من أصل ألماني. وقد احتفظت بذكريات دقيقة بأحد مرافق البيت الذي كنت قد أجذت لي منه صور، وبالمقابل، لن أر قط البيت من حجر،بل رأيته من خشب شاخصاً كأغلبية بيوت ذلك العهد.
*يتذكر المرء كتباً قرأها أكثر مما يتذكر أماكن طفولته؟
- قرأت دائما كثيراً. ذلك شغف حقيقي. حيّ دائماً. أتذكر أنني قرأت مع والدتي في "روسيا"، كثيراً من الكتب الفرنسية. ذلك أنها كانت تخاف أن أنسى هذه اللغة. التهمت أدبياً المكتبة الوردية: "الكونتيسة دو سيغور"، "بدون عائلة" و"الكسندر دوما". "دوما" كان مجنوناً، شغف حقيقي، و"بونسون دوتيراي" أيضاً. وبعدئذ، أحببت قراءة الأدباء الذين يقرؤهم الناس آنذاك: "بيير لوتي"،و"بواليسف".
*ألم تقرئي إلا الأدباء الفرنسيين؟
- بلى، قرأت "الروس" أيضاً la Maison de glace للمؤلف "لاجشنيكو"، وروايات "مدام شارسكير" المقروءة في "سان بترسبورغ". وقد تأثر الأطفال بهذه الكتب، وكنت قد حاولت أن أكتب عنها واحدة بدوري مستوحاة من "مدام شارسكير"، رويت ذلك في "الطفولة"... كانت القراءة هي الأمان، والانفراد؛ كذلك كان الأمر بالنسبة إليّ دائماً، أرتمي على الكتب كما يرتمي المرء على الملاذ. وفي الليل، عندما أصاب بالسهاد... عندما لا أحاول آن اكتب، أقرأ ببطء شديد، وبصوت عال في نفسي. أقرأ مستمعة إلى الكلمات. وحينما أكتب أيضاً أسمع الكلمات، أكتب وألقي في ذات الوقت. يجب أن اسمع نفسي وأتمنى ألا يسمعني الناس هم أيضا عن قرب في المقهى.
*تكتبين بانتظام في المقهى؟
- أجل، عادة اكتسبتها بعد الحرب.وكانت المقاهي آنذاك، هي الأماكن الوحيدة المتدفئة. هنا، لي دائماً نفس المقهى من عشرين سنة، مثلما يمكن للمرء أن يلعب هناك الرهان الثلاثي؛ فالمقهى دائماً مفتوح، حتى في يوم الأحد. الزبائن أغلبهم لبنانيون، يتحدثون العربية، لا أفهمهم، ولا يتداخلون مع كلماتي. على كل حال، لا تضايقني أحاديثهم. إن صوتً من العمق هو الذي يفصلني )عنهم(. أستقر في ركني، وأركز كأنما لا شريك لي. وثمة، وسط كل هؤلاء الناس، لا أعاني من هذه العزلة المرعبة التي قد أحسها هنا في مائدتي. ثم إني أحب الخروج من بيتي في الصباح لقضاء بعض المآرب في مكان آخر، كما يجب أن امشي. بالإضافة إلى ذلك، فإن نحو عشر دقائق من مسافة ما، هو بمثابة شيء من الرياضة. فيما سبق، ذهبت في أقرب وقت، حوالي التاسعة والربع؛ أما الآن؛ فلا أذهب إلا في العاشرة.
الناس كلهم يعرفونك هناك؛ هل ينتظرونك؟
- جميع أولئك الناس في المقهى لطفاء معي، وأكثر إصغاءً. لم يمض زمن جد طويل، حتى علم رب المقهى أنني كاتبة، علم ذلك عن طريق الجريدة "مينوت" التي كانت قد نشرت مقالاً عن مؤسسته، بعد أن قام بإنجاز بعض الأشغال. وكان التعليق: ) ماترى "مدام ساروت" بصدد مقهاها الجدي (؟ على الأصح، إنه ممتع.
" هذا الذي هو تحت الحوار الداخلي"

*في هذه اللحظة مثلاً أنت بصدد السرد؛ هل تبدئين شيئا ما؟
- أنهيت في هذه اللحظة نصا من واحد وسبعين صفحة وسوف أنشره. ولكنني لست مستعجلة. البداية هي أصعب. وبالنسبة إليّ؛ فكل مرحلة من كتاب هي بداية ما، لقد تألمت كثيراً من أن أنطلق من نص ما. ما يهمني في الكتابة هي هذه الأحداث ذات الحدود المتاخمة للوعي التي هي تحت اللغة، ما هو كامن تحت المونولوغ )الحوار الداخلي(. أنا لا أحلل المشاعر؛ أحاول أن أظهر الأفعال الداخلية. لقد قال "فلوبير" في مكان ما، من عمله: Correspondance تلك إفادة أن يرى المرء ماذا يجري قبل عدم إحساسه بتعاطفه أو عدم تعاطفه مع أحد. ههناك أجدُني. ذلك هو بالذات، لعدم وجود الأحسن. استدعيت Tropismes؛ بيد أنه صعب، لأن اللغة ملموسة كلياً، ومستعملة كلياً. فالعلامة الموسيقية والتشكيل من شأنهما أن يذهبا كثيراً أبعد من الكلمات.
*هل تحافظين على علاقات متميزة مع التشكيل؟
- أحبَّ زوجي التشكيل كثيراً؛ وهو الذي أسره إليّ. أتذكر معرضاً لـ "بيكاسو" في سنة 1937 . كنت قد تأثرت، فقلت في نفسي: يالها من سانحة! إن له القدرة ليظهر وجهاً دفعة واحدة، من الواجهة ومن الجانب للصورة، في ذات الوقت، وبدون أن يسيء ذلك إلى الإدراك الذي تكونه عن الوجه.
فكرت في الرواية قبل كتاب الرواية الجديدة وسبقتهم بعشر سنوات
في الأدب، عندما نريد التعبير عن نفس الشيء، نكون مجبرين على القيام به فيما بعد. وليس أبداً داخل التزامن. لما كتبت L’ère de soupçon ، ظننت أن للتشكيل على الأقل،مائة وخمسين سنة من السبق على الكتابة.
*أردت دائماً أن تكوني كاتبة؟
- كما قلت لك، أحببت دائماً أن أقرأ. فالكتب هي عالمي. قمت بفضول، مثل كثير من الكتاب، بدراسات في الحقوق، وسجلت في المكتب. ذلك أنني أحب كثيراً أن أتكلم. في البداية لم أهتم إلا باليومي لمحام ما، وكان ذلك زيادة الحق على فن الدفاع. وأتعبني الحق، وكنت زمناً طويلاً تحت التدريب. ثم تخليت عن ذلك. ولي ذكرى هامة عن محاضرات التدريب. علمتني أن تنتزعني من اللغة المكتوبة، والدخول في اللغة المنطوقة الوحيدة القادرة على التعبير عن كائنات تهمني داخل الكتابة.
*أهو ما يفسر بالتالي ذوقك بالنسبة إلى المسرح، والحديث الذي يوضع على خشبته، وحتى النصوص الصادرة عنك التي لم توجهيها إلى المسرح؟
- عندما أكتب، لا أرى الشخصيات فوق خشبة المسرح؛ بل أرى دائما شيئاً مختلفاً عما رأيته وأنا أكتب؛ غير أن ذلك يهمني، فلى دائماً إحساسات كبيرة عن المسرح مع مسرحيات الآخرين.وأتذكر أنه في 1929 العرض: "ست شخصيات بحثاً عن المؤلف "بيرانديللو". كان ذلك رائعاً في البداية. كنا عشرة في القاعة. وترك la Danse de mortلـ "ستبرنبرغ" وVilar لدي انطباعاً عميقاً جداً.
*هل تحسين بالانتماء إلى جماعة ما، الرواية الجديدة مثلآً ، وأنت تعتبرين ككاتبة منعزلة؟
- على الأصح، كنت دائماً منعزلة بعد نشر Tropismes في دار النشر "دونويل"، وكان "سارتر" قد أرسل لي كلمة صغيرة، لطيفة جداً. وقال لي: لو أكتب رواية ذات يوم، فإنه يريد أن يراها. وبعد التحرير )تقصد نهاية الحرب العالمية الثانية(، رأيته من جديد، في "فلور"، وأطلعته على Portrait d’un inconnuوأخذ منها جزءً لمجلة "الأزمنة الحديثة"، ثم كتب المقدمة. علاقاتنا لم تذهب أبداً أبعد من ذلك. وفي ذلك العهد، كانت"سيمون دوبوفوار"، معروفة جداً. ولما صدر كتاب les Mandarins لم يجازف أحد بالقول إنه لم يحب ذلك. وخشي النقاد ترك هذه التحفة الأدبية تمر. وكانت "سيمون دوبوفوار" محاطة بنساء كن مخلصات لها جداً: "كوليت أودري"، و"فيوليت لوديك" التي عرفتني فيما بعد، ولم يكن لي قط من علاقات مع "إليزا تريولي"، كنت منعزلة تماماً.
*لكن هناك جماعة الرواية الحديدة...
- بدأت أفكر جيدا في الرواية قبل الكتاب الآخرين للرواية الجديدة، وقد سبقتهم بعشر سنوات. وقد أفادتde soupçon L’ère "روب آلان غرييه" الذي أخذ من جديد Tropismes التي نشرتها قبل الحرب في دار النشر"مينوي". وقد صدرت طبعتها الثانية في الوقت الذي صدر كتابهla Jalousie . في هذا الوقت، كتب الناقد "هنريوت" بأننا نصنع "الرواية الجديدة". وفي الواقع، محاولتي داخلية جداً، لا شأن لها بالخارجانية المتبناة من قبل "روب آلان غرييه" الذي كان دائماً أكثر نضالاً. لقد قيل عنا جميعاً إننا نشكل "مدرسة النظرة"، وقد صـُنفتُ أنا خطأ ً داخلها. وكنا جميعا متفقين على أن نقول إن الشخصية، والحبكة، كانتا شيئين متجاوزين. وجاء "بيتور"؛ وهو أصغرنا، ليكتب Le Passage de Milan ، وكان هناك أيضاً "سيمون" و"بانجيه". لكننا لم نشكل أبداً جماعة على وجه التحديد. في الواقع، لم ألتق حقيقة بـ "كلود سيمون"، و"بانجيه" إلا في 1982 بنيويورك، ثم رأيت فيما بعد "سيمون" في "هلسنكي". اكتشفت إنساناً ذا لطافة لا حد لها.
ليمونة شاردان
* هل تحسين بوجود الآباء أو المعلمين في الأدب، حتى ولو أن جهدك انفرادي تماماً وأصيل؟
- لقد عزيت إلى روابط متميزة مع"دوستويفسكي" أولاً لأنه روسي على ما أعتقد، لأنني فيما بعد،لأنني فيما بعد، ملزمة بأن أكشف في أحد نصوصي أن حركة الأب "كارامزوف" ظهرت كانتحاءة، أحب جداً "دوستوييفسكي"، لكنه كتب في عهد كان ملزماً عليه فيه، بناء الشخصيات وإظهارها وجعلها تتصرف. ما يكتبه رائق، بيد أن ذلك له شيء من العلاقة بمشاغلي الحالية. بعد الحرب، وُضع "دوستوييفسكي" جانباً و"كافكا" في الجانب الآخر. وأدخلني "بروست" الذي اكتشفته لما بلغت الرابعة والعشرين في عالم مجهول، وأنا أعيد قراءته الآن. إنه عمل أدبي لا ينضب. لقد طور الرواية كثيراً حتى ولو أنه في زمنه ما زال يرتبط بالشخصيات وبالحبكة. وأعتقد أن الناس يشتغلون بمستلزمات عصره. لما أراد"شاردان" أن يضع الأصفر فوق لوحته، رسم ليمونة فما استطاع "كاندانسكي" أن يرسم مثل "رامبرنت"، والعكس بالعكس. لقد قام"جويس" بقفزة كبيرة في القصة والكتابة. ولكن افهموني جيداً؛ فإن أقل إن المرء لا يستطيع قط اليوم أن يكتب مثل "بلزاك" لا يعنِ ِ ذلك أن "بلزاك" ليس مبدعاً كبيراً.
يكشف فرويد عن كون لا يجمعه شيء مع ما أكتب

*هل تعتقدين أن فرويد والتحليل النفسي أمكن أن يكون لهما دور هام على كتابتك الروائية بالخصوص؟
- يكشف "فرويد" عن كون لا يجمعه شيء مع ما أحاول أن أكتبه، كون لا يمكننا اكتشافه إلا عبر مقولات "فرويدية" متطابقة وبسيطة دائماً. وأجد نظرياته مقلة للغاية وقديمة. واستحقاقه في أي حال، هو أن يتحرر من فكرة الجنون وإزالة الشعور بالذنب من مرضاه الخاضعين للعلاج. وإنه لغريب أن قد استطاع تصديق أولاء النساء العصبيات والعاطلات الفينياويات )النمساويات( اللائي كذبن عليه؛ فانتهى بفهمهن.
* أنشأت بناتك الثلاث دون أن تكفي أبداً عن الكتابة، من الصعب أن تكوني امرأة وأماً وكاتبة؟
- لم أخلط أبداً حياتي الأسروية وحياتي ككاتبة. لكن لا يجب القول إن الكتابة كانت صعبة بالنسبة للنساء البورجوازيات من جيلي. لقد كنا مدعومات جداً بالنسبة للعاملات، نعم، كانت الحياة صعبة، ليس بالنسبة إلينا. وتبالغ النساء البورجوازيات اللائي زعمن أن ليس في إمكانهن أن يكون لهن حياة أسروية وحياة كاتب. أن تشغل المرأة نفسها بالأولاد بكونها مدعومة قبل كل شيء هو أفل اضطلاعاً من قيادة "لوكي دورسي" مثل "سان جون بيرس" أو أن تكون سفيراً مثل "كلوديل".
* كثيراً ما يقال إن أعمالك الأدبية خلا "الطفولة" هي مدخل صعب: ما تقولين في ذلك؟
- لا أدري، لا أعتقد. لقد عمد الناس زمناً طويلاً إلى طبع أعمالي، ورفضوا لي Tropismes خلال سنتين ، وPortrait d’un connu مقدماً إليها من طرف "سارتر"، وكانت قد رُفضت أيضاً من كل المطابع. ثم عمد الناس زمناً طويلاً إلى قراءتي: كنبي الأولى صدرت بكد، بدون صدى في الصحافة، مما جعلني أكتسب نوعاُ من التحمل. لقد تعلمت ألا أنتظر شيئاً. إنها بضع مقالات و"هو ما تراه العصافير" التي أخذت تستفيد من القراء، والنقاد، والكتاب.
* لكنْ رسمتLe Planétarium جيلاً، أجيالاً...
- بالنسبة لـ Le Planétarium، حدثت لي قصة جميلة أثناء سفري إلى "موسكو"، كنا جماعة من الفرنسيين مدعوين من قبل السوفياتيين، وكان من بين هؤلاء الناس عامل فرنسي ودود للغاية، وكان قد أراد أن يعرف مع من سافر؛ فكان قد قرأ كتاباً من كنبي ألا وهوLe Planétarium ، قال لي شيئاً أمتعني للغاية، قال لي:" إن هذا الكتاب استطاع أن يذكرني بتاريخ أمي وأبي! لقد كانت هي صنعت أريكتين من الطلس تشبه تماماً شخصيتك التي تنهض في الليل لتتحقق بأن مقابض الأبواب تنسجم جيداً مع نوع الطلاء". وكنت أكاد أطير من الفرحة. لقد قيل لي تماماً إنني كتبت للعوام. وكان النقد قد وجد رواية Le Planétarium صعبة، ورأى أن أحداً لم تكن أي فكرة قبلية على الرواية، فوجد ثمة نفسه ببساطة وجعلني مسرورة جداً. ما كتبته تطابق مع ما أحس به هو ذاته. فالعمة "بيرت" جعلته يفكر في أمه التي تدير بقالة في القرية. والحقيقة أنه هو، عامل يحس بداره داخل كتاب يركز فيه على هموم بورجوازية برهن أن ذلك الكتاب كان له أيضاً ميزة عامة.
* من بين جميع الطلاب الذين قابلتهم في رحلاتك السياحية المتعددة عبر العالم، أيهم أدهشك؟
- الأمريكيون فاتنون جداً، مرتاحو البال، يعرفون جيدا الأدب الحديث. الشبان والبنات الذين لاقيتهم في"موسكو" طرحوا عليّ بالضبط نفس الأسئلة مثل الأمريكيين. وأثناء محاضرة في مدرسة"بوليتكنيك" في "باريس"، تفاجأت جداً بمستوى المعارف لهؤلاء الطلبة الذين دفعوني بعيداً جداً. أما ذكراي الأكثر غرابة؛ فقد جئت بها من "اليابان". هناك يُطلب منك دائماً أن تحرر محاضرتك قبلُ حتى تكون مترجمة. لذلك؛ وأنا أدخل القاعة، كان التلاميذ جميعهم يملكون محاضرتي، وأجلسوني أمام الأستاذ على المدرج، فأخذ يقرأ محاضرتي باليابانية. بالبداهة، لم افهم شيئاً، لكن في لحظة سانحة؛ و كان قد مضى بعدُ، كثير من الوقت الذي بدأ فيه، سمعت اسم "مالارميه" الذي يوجد في مقدمة عرضي. كنت متيمة. وقد علق الأستاذ في الواقع، أولاً بأول بمقدار ما قرأ. ولما انتهى بعد ساعتين، أخذت بدوري الكلمة؛ ولكن كثا في سنة 1979، وقليل من الطلبة اليابانيين الذين يتقنون آنذاك الفرنسية أو الإنكليزية. ولم يكن لي من حق في اللعبة المألوفة للأسئلة وقد سئلت بالضبط عن مجلة "تيل كيل".
* دخولك مكتبة "بلييادا" الفاتنة، كما تفعلينه قريباً جداً، هل هو سعادة؟
- أنا سعيدة جداً بكون كتبي تستطيع أن تصدر داخل "بلييادا". إن ذلك رائع لأن الناس يتمكنون من قراءة كل جهدي. وإنني سعيدة جداً أن يكون" جان إيف تادييه" هو الذي يتولى نشرها. والعمل الذي أنجزه حول"بروست" لافت للانتباه. لكن لن يكون ثمة إلا حال واحدة من المستنسخات اليدوية. أرفض آن تدمج الإصدارات المتغيرة من هذه التراكمات الورقية التي هي قوام كتبي، لكنها لا تساوي شيئاً بالنسبة للآخرين. إنها بالنسبة إليّ فقط، مجرد إشارات. وهذا لن يجلب شيئا على القارئ. أكتب أحيانا خمسين صفحة من اجل صفحة واحدة. لكنْ التسع والأربعين الأخرى عي للرمي.
* يستطيع الآخرون أن يعيدوا قراءتك: هل تصبح المكتبة "بلييادا" فرصة أيضاً بالنسبة إليك، ليقرأك الناس من جديد؟
- يقيناً، لا. إنني آنف إعادة قراءة كتبي. لا أعيد قراءتها أبداً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أجرى الحديث: ":Michel Pardina
عن ملحق "لوموند" الفرنسية ص/ص:25/ 29 . بتاريخ:26/2/1993
*ترجمه: محمد الإحسايني















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال