الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دِلاءٌ ليستْ للبيع

كمال عبود

2016 / 9 / 30
الادب والفن


** الدلو الأول **
*****

أمس ... بألأمس تماماً ... امتلأ دلو آخر دماً ... اجتمع الشهداء في دير الزُّور وقرروا الاِستحمام في النهر ... هكذا بدمائهم ، ولباسهم ، وابتساماتهم ...
تهادَوا مع الفرات ... أهدوه دلواً مليئاً بالدم كي يزهر الأحمر ورداً جورياً على ضفتيه ، و وعداً بقول الحقيقة أمام الملك الأعلى ...
أهداهم النهر نغمته القديمة ... سيمفونيّة الحياة الابدية ... وقال: أشهد لكم بالعزّة والفخر ، وأشهد أنكم رحلتم بغدر الآخرين ، غدرٌ طالما رضعَتهُ القراصنةُ خلف َالبحارِ كي يشتروا به نفطاً ونفوس َبشرٍ عودتهم شيوخهم على الوضاعةِ والدناءة ...
قال شهيدٌ تنتظرهُ عروس في قريته فوق الجبل المطل على الوادي الأخضر :
يافراتُ دون حفنة من مائِك دلواً من دمي .
*****

** الدلو الثاني **
*****

قال لهم شيخهم الذي يعِرُ ويجعرُ كما الكلاب: اخرجوا الى الشوارع ليلاً ... دقوا واضربوا على الصحون والطناجر والدلاء ... على الزجاج وأطباق الطعام ... دقوا واضربوا بقوه ... اضربوا بشدة .. اصرخوا وأنتم تضربون ... اصرخوا عالياً عالياً ، املؤوا السماء أصوات الطرق ، وأنتم تطرقون سترون أنَّ عرش الملك سيتهاوى ويسقط بفعل الطرق والصراخ ...!
قال من سمع الطرق والصراخ : ما هذا ..؟ هل يحدث هذا في القرن الحادي والعشرين ..؟

قال الموظف أمجد للاستاذ أجود : هل دققت على الطناجر مساء أمس ..؟
قال الأستاذ : نعم طرقتُ وصرختْ ، كان لابُدَّ من ذلك ...
فتح أمجد فمه مندهشاً : أنت الحاصل على شهادة الماجستير في الهندسة تفعلُ هذا لتُسقط الحاكم ..؟

لملمَ أمجد أغراضاً له ... تمتم بكلمات عُرفَ منها :
لن أبقى في بلدٍ يدقُ أساتذتها - كي يسقطوا الحاكم - على الأطباق والطناجر والدِلاءْ .
*****

** الدلو الثالث **
*****

لم يكن صيد العصافير صعباً طالما شجرة -الدبق- تعطي ثمارها الكروية الصغيرة ... حين تنضجُ يُستخرَج عصيرها الكثيف ويمزج بالعسل جيداً ثمّ يوضع على قضبان الريحان لخشبية فيصبح جاهزاً لنشره بين أغصان الشجر وتعلِق الطيورُ التي تجلس فوقها...

شعبان الصياد نشر قضبان الدبق يوماً ، علقت عليها بعض الطيور ... أمسك بها .. ذبحها .. نتف ريشها ووضعها في الدلو ثُمَّ غطاه بغطائه ... وذهب يصطادُ دفعة أخرى ...

علقت مجموعة أخرى من الطيور على قضبان الدبق ، أخذها شعبان .. ذبحها حلالاً .. نتف ريشها .. فتح غطاء الدلو ، ووضع الدفعةَ الثانية مع الطيور الاولى وأغلق الدلو ... وذهب لصيد طيوراً أخرى ...

كان صيادان آخران قد اِصطادا بعض الطيور بواسطة قضبان الدبق في مكانٍ قريب ، وكانت لا تزال حيّةً في يديهما، مرّا قرب دلو شعبان الذي يعرفانه ، فتحا الدلو... أخذا عصافير شعبان الجاهزة للطبخ ، ووضعا العصافير الحية في الدلو مكان الطيور الميّتة وغادرا المكان ..

رجع شعبان بدفعة أخرى من الصيد ... ذبحها ... نتف ريشها .. نظّفَ أحشاءها وصارت جاهزة للطبخ ...
همَّ أن يضعها مع صيده الأول .. فتح غطاء الدلو ... وإذ بالعصافير تطير خارج الدلو ... هكذا فجأة كأنّ برقاً أغشى عيني شعبان ، فانقلب على ظهره مذعوراً ، كأنّ جنيّاً مَسّ عقله وحوّل الطيور المذبوحةَ الى طيورٍ حيّه ... عاشت الأموات المذبوحة ... طارتْ .. من الدلو .. وشعبان المسكين يقف ويجري ... يجري مسرعاً ويهذي ... ينظر الى بقع دماء العصافير ونتف الريش العالقة ... يركض ويضرب يديه في الهواء ... يجري دونما اتجاه ...

قال لي صديقي خليل ( راوي الحكايه ) :
إِنَّ حكايته حدثت فعلاً وإن الصياد شعبان قد فقد عقلا كان بهِ ...
قلتُ لصديقي وأقول لكم :
ما حدث للصياد شعبان في دلو الطيور ينطبق تماماً على صيادي الحرب القذره في البلاد ..
*****

هذه دلاءٌ متفرقة
دِلاء للتبصّر ... دلاءٌ ليست للبيع
*****








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع