الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطاب السياسي في التلفزيون

حبيب مال الله ابراهيم
(Habeeb Ibrahim)

2016 / 10 / 2
الصحافة والاعلام


الخطاب السياسي في التلفزيون
د. حبيب مال الله ابراهيم
مفهوم الخطاب الاعلامي
يعد مصطلح الخطاب حديث الاستخدام في الدراسات الإعلامية، شأنه في ذلك العلوم غير اللغوية، فهو كما مر بنا مصطلح يقع ضمن العلوم اللغوية لكن اتساع دلالة الخطاب أتاحت إمكانية استخدامه في العلوم الاجتماعية بضمنها الإعلام، والتي انطلقت من كون اللغة ظاهرة اجتماعية تتحد على وفق شروط وظروف اجتماعية، فهي لا تعبر عن المجتمع وتعكس فحسب، بل تشكل جزءاً أساسياً منه، من هده الزاوية تسللت معظم الاستخدامات السائدة بمعناها غير اللساني.(1)
انعكست تطورات الحياة على الصياغات اللغوية بشكل فعال، فتمكن الإنسان من التعبير الدقيق؛ أكثر من توظيف كلامه لتوضيح ما يجول في خاطره من أفكار، وأتى المجال الإعلامي ليكون بمثابة فتح جديد لتقريب أو تبعيد العلاقات الاجتماعية بيت الناس، لكن فكرة المخاطبة لكسب رأي الآخر بقيت هي الأساس في منطلقات وبرامج الإعلام، وتخطي استخدام اللغة الحاملة لفلسفة البلاغة.(2)
إذ يشكل كل جهاز إعلامي منصة أو منبراً لما يراد قوله أو إيصاله للرأي المحلي أو الإقليمي أو العالمي وفقا لكلمات وعبارات وجمل تكاد تكون متفردة لخصوصية المواد الإعلامية المختلفة، لكن تسويق الكلام لم يبق على أحوال ثابتة بفضل التغييرات السريعة الجارية، فحتى الإعلام الذي يحاول أن يكتشف سبقا إعلاميا لكشف سر سياسي خطير أو فيه شيء من الخطورة على المستوى الدولي مثلاً، فيحتاج إلى توفر شرط صياغة بصورة بحيث تكون مؤثرة على الإذن السامعة له.(3)
الاتجاه اللغوي في تحليل الخطاب الاعلامي
يوضح روجر فاولرfowlerR. في بحثه (نظرية اللسانيات ودراسة الأدب) أن اللغة والأدب شهدا نمو دراسة علمية جديدة في القرن العشرين، بلغت مرحلة من النضج النسبي تجلت في علم اللسانيات، والتي تميز نموها بازدياد مطرد، في عدد البحوث المنشورة، وفي عدد الأشخاص المهتمين بها، فكان أن تبوأ هذا الحقل المعرفي الجديد من الموضوعات مكانته بامتياز بين الدراسات الإنسانية الراسخة.(4)
ويكشف البحث اللساني سلسلة الجهود التجريبية على المستوى العالمي، وفي اللغات الأوربية التي اهتمت بتحليل الخطاب، فظهرت مدارس لسانية، نذكر منها:
1ـ المدرسة السلوكية، ورائدها بلوم فيلد (1887 ـ 1949)
2ـ المدرسة التوزيعية لهاريس.
3ـ المدرسة التحويلية والتوليدية ورائدها شو مسكي، وهو عالم لسانيات معاصر، متعدد الاهتمامات، أخضع اللسانيات للمنطق الرياضي والفلسفي، أحدثت كتاباته ثورة في اللسانيات، وتعرف مدرسته بالمدرسة التحويلية التوليدية.(5)
وكانت التوجهات اللسانية في تحليل النصوص الأدبية من اهتمامات الشكلانيين الروسFormalists Ruses الذين رفضوا اعتبار الأدب صورة عاكسة لحياة الأدباء، وتصويرا للبيئات والعصور، وصدى للمقاربات الفلسفية، والدينية. ودعوا إلى البحث عن الخصائص التي تجعل من الأثر الأدبي أدبا؛أي: ما يحصل نتيجة تفاعل البنى الحكائية، والأسلوبية، والإيقاعية في النص.(6)
الاتجاه الاسلوبي في تحليل الخطاب الاعلامي
تهتم الأسلوبية بدراسة الخطاب باعتباره بناء على غير مثال مسبق، وهي لذلك تبحث في كيفية تشكيله حتى يصير خطابا لـه خصوصيته الجمالية،فالخطاب مفارق لمألوف القول، ومخالف للعادة، وبخروجه هذا يحقق خصوصيته.
لقد أحدث ظهور الأسلوبية في حقل العلوم الإنسانية واللسانية مشكلا قبل أن تتحول - الأسلوبية - إلى منهج نقدي لمقاربة الأثر الأدبي، فرضته التطورات والاكتشافات العلمية والثقافية والأدبية في القرن العشرين. ذلك أن مصطلح الأسلوبية استخدم في بداية القرن الماضي للدلالة على الحدود الموجودة بين الأدب واللسانيات، وهو المجال الذي كانت تحتله البلاغة القديمة، وبقي شاغرا بعد انحلالهامما نتج عنه طرح عدة قضايا نقدية، اتجه بعضها إلى التشكيك أصلا في مدى جدوى هذا الحقل المعرفي الجديد.(7)
لذلك ألفينا بعض الأسلوبيين يؤكدون أن النص مزيج من الخطاب والنظام، أو مزيج من الخاص والعام، والخطاب هو الخاص، والنظام اللغوي هو العام، والنص في مجمله يقوم على ركيزتين أساسيتين تكونانه من الداخل، وهما:
أ. المعنى الاصطلاحي (Denotation): عناصره لغوية، وأشكاله الصغرى لم يطرأ عليها تغيير دلالي، فهي مازالت تحتفظ بمعناها المعجمي ولا تعترف بالتغيرات اللسانية سلبا أو إيجابا.
ب. المعنى الإيحائيConnotation: عناصره الشكلية تحمل دلالات(8)متعارف عليها في مجموعة لسانية مهنية معينة، ويمكن أن يطلق على هذا المعنى "المعنى المجازي"، بينما يطلق على المعنى الأول "المعنى الحقيقي" للأشكال اللغوية. (9)
وإذا كان الخطاب يعبر عن مجمل الأدراكات الإنسانية فيما يخص الجوانب الفكرية فان الخطاب الإعلامي لا يختلف عن هده الإحالة، إلا فيما يتعلق بأن الخطاب يوظف في وسيلة إعلامية كالصحيفة أو الإذاعة أو التلفزيون بعد إدخال تعديلات فنية عليه بما يلاءم محددات الوسيلة الإعلامية. ولتحديد خصائص الخطاب الإعلامي وتميزه عن بقية الخطابات لابد من الاستناد إلى نوع من المقارنة مع الخطاب السياسي، بخاصة إن الخطاب الإعلامي في أثناء الأزمات يقع في قلب الخطاب السياسي.
فضلاً عن كون الخطابين السياسي والإعلامي يمثلان وجهين لعملة واحدة، حيث مثل الخطاب الإعلامي تربة خصبة أساسية في حقل الخطاب السياسي عبر من خلالها عن عملية إعادة إنتاج الخطاب السياسي ويصف النشاط الإعلامي تعبيراً عن النشاط السياسي في مختلف الدول فهما متقاربان بحكم خضوعهما للسلطة السياسية، إذ كل خطاب يخضع بالضرورة لسلطة معينة.(10)
ويرتبط توظيف الخطاب السياسي في أية وسيلة إعلامية بمدى استقلاليتها والحرية المتاحة لها وخصائص النظام السياسي، فهنالك وسائل التي لا تلزم نفسها بالتعبير عن الخطاب السياسي للسلطة السياسية في الدولة التي تقع فيها وأخرى تابعة للحكومة أصلا وهي ملزم بترويج خطاب السلطة.
وفاعل الخطاب الإعلامي هو القائم بعملية إعادة إنتاج الخطاب الإعلامي وإنه يؤدي دوره طبقاً لإدارة وسلطة تمثل قدرة إنتاج الخطاب وتنفيذه ويتمثل الفاعل الخطابي عموماً في أشكال عدة كفاعل منطقي وفاعل نحوي منطقي من حيث ترتيب الأفكار وطبيعة التوجيه الإعلامي وصناعة مضمون مقنع ومحدد ونحوي بوصفه يضع وحدات وعبارات متعاقبة الجمل النحوية البسيطة وعلى هذا الأساس يعقب دور الفاعل الإعلامي عملية إنتاج الخطاب السياسي الصادر من جهة رسمية كالحكومة التي تمثل النظام السياسي القائم.(11)
إن الفاعل الخطابي في الدول التي يتمتع إعلامها بالمركزية يكمن دوره في توضيح محددات الخطاب السياسي واتجاهاته وفقاً لأولوياتها، فهو يساهم في تحديد أيديولوجية السلطة السياسية ويعمل من اجل توسيع قاعدتها الجماهيرية وكسب دعم الجمهور لقضاياها وطرح أفكار قادتها وقياس مدى تقبل الجمهور لهذه الأفكار عن طريق عملية رجع الصدى، بينما الإعلام في الدول التي لا يتمتع إعلامها بالمركزية يسعى لتقديم المشورة للسلطة السياسية ويتحدد دوره في تأكيد المعلومات المقدمة من السلطة السياسية.
وقد عرفت د.حميدة سميسم(12) الخطاب الإعلامي أنه "عملية تقنيع الواقع وتصوره وفق إدراك مسبق لما يجب أن يكون، ويتمثل في نظام من المفاهيم والتطورات والمقترحات والمقولات التي تتميز بمنطق داخلي يحكمها بغض النظر عن طبيعة، هدفه الإقناع والاستجابة السلوكية لما يقوله ويتسم بطقوس معينة وله خصائصه وأبعاده الأسطورية".
ولا بد من القول انه "يعكس مضمون الخطاب سواء أكان سياسياً أم إعلاميا في جزء من خصوصيته أو جزءاً من وظائف الأيديولوجية المتمثلة في تعميم الخاص وتقنيع الواقع والإدماج".(13)
بعبارة أخرى إن وظيفة تعميم الخاص ليست في جوهرها إلا عملية منهجية للنظام الفكري وحيث تركيز الاهتمام على الجوانب التي تقدمها الافتراضات المعقولة والمقبولة كسبب كافٍ للفهم والتفسير من الطبقة أو الفئة المسيطرة والخالقة للأيديولوجية في تحديد صيرورة الظواهر في ضوء المبدأ الانتقائي لما يتلاءم والصالح والأهداف الخاصة بها.(14)
إذ إن مضمون وسائل الإعلام يتكون من عدد كبير من النصوص أو الخطابات التي تأتي على أشكال نمطية في الغالب وتستند إلى تقاليد أسلوبية ورموز صادرة عن ثقافة مؤلفي النصوص ومتلقيها، ففي عملية التحليل السيميولوجي يمكن الكشف عن المزيد عن المعاني التي ينطوي عليها النص خاصة وان السيميولوجيا يمكن تطبيقها في النصوص التي تتضمن أكثر من نظام رمزي واحد.(15)
إن الخطاب في الدراسات الإعلامية يشير إلى شكل أو أنموذج من استخدامات اللغة وفي المعنى الإعلامي قد يصلح الخبر ليكون مثالا للخطاب بما يعكسه من اختيار اللغة وأسلوب العرض، أما في علم اللغة فقد كثر استخدام الخطاب للإشارة إلى الأحاديث الأكثر قوة من الجمل(16)، أما تقنيع الواقع فيقصد به استبدال العلاقة المادية أو الوجود المادي الحي بعلاقة أخرى تصورية، أي أن الضرر في إطار الأيديولوجية يعيش علاقته الاجتماعية بالآخرين ليس كما هي قائمة فعلاً وإنما بكل أيديولوجية هذا الواقع.(17)
إن العلاقة بين المرسل والرسالة والوسيلة الاتصالية والمستقبل هي علاقة ارتباط تشكل أو تحدد طبيعة العملية الاتصالية برمتها، وإذا افترضنا ثبات متغير المرسل والرسالة والمستقبل بوصفها المتغيرات التي تسبق التجسيد المادي للرسالة الاتصالية فان الوسيلة هي التي ستحدد نجاح العملية الاتصالية أو فشلها، قدرتها على تحقيق أهداف الخبير والمخطط الإعلامي والدعائي أولاً(18)، ويتميز الخطاب بالسمات التالية:(19)
1. إن الخطاب الإعلامي يتكون من تشكيلات ونصوص دلالية لغوية وغير لغوية، ذلك أن النص في المفهوم الإعلامي هو كل رسالة تؤدي وظيفة، وبمعنى دلالي انه لا ينطبق على الرسائل اللغوية فحسب، بل على الرسائل غير اللغوية، إذ يجسد الاتصال الجماهيري مضامين الخطاب بالاستعانة باللغة اللفظية وغير اللفظية.
2. يسعى الخطاب الإعلامي إلى إيصال رسالة بأكبر قدر من الفاعلية لتحقيق ما يصبو إليه الفاعل الإعلامي الذي يكيف أهدافه مع طبيعة الرسالة الإعلامية ومتلقي هذه الرسالة.
3. ان الاهتمام بالمضمون في الخطاب الإعلامي لا يعني إهمال الجوانب الشكلية، بل لابد من إبراز قيمتها، ذلك إن لغة الخطاب الإعلامي لا يقتصر على إيصال المضمون فحسب، بل هي غاية في ذاتها على اعتبار أن الشكل يعد جزءا من المضمون، وعن طريقه يمكن لفت انتباه المتلقي وجعله يتواصل مع الخطاب.
4. يتخذ الخطاب الإعلامي فنونا عديدة لإيصال مضمونه، فهو قد يكون تصريحا أو مقالا أو تعليقا وغيرها من الفنون المستخدمة في الحقل الإعلامي.
5. للخطاب الإعلامي قصدية مباشرة، ذلك إن مضمونه ينطوي على أهداف مختلفة، عليه يسعى مرسله عن طريق الخطاب المباشر أو غير المباشر إلى إحداث التأثير في المتلقي على وفق أهدافه.
6. استنادا إلى الوسائل السمعية والمرئية والمقروءة المستخدمة في مجال الإعلام يكون الخطاب الإعلامي، أما مسموعا أو مقروءا أو مشاهدا، وقد يأخذ الخطاب جميع هذه الوسائل أدوات له في الوصول إلى الجمهور.
7. الخطاب الإعلامي غير منغلق على نفسه، بل منفتح على غيره من الخطابات، فهو إنتاج وإعادة إنتاج لتفاعل خطابات سابقة لا حصر لها، أي انه (تناص خطابي).
8. للخطاب الإعلامي رسالة أعدت بشكل مسبق وفي إطار محدد، وخضعت خلالها لصياغة استدلالية منطقية على وفق قواعد معينة، يرتب على ضوئها منطق الخطاب، مع الأخذ بالحسبان وضوح النص ودقته في التعبير عن الصياغة الخطابية.
9. إن المتلقي لابد أن يستشف الهدف الذي ينطوي عليه الخطاب الإعلامي في ضوء تمثل رسالته الدلالية بهدف اكتمال عملية الاتصال.
مرتكزات الخطاب السياسي
يعد الاتصال مفهوما واسعا يشمل في إطاره العام جميع أشكال تبادل الرسائل الشفوية والمطبوعة والمسموعة والمرئية، ولا يخرج الاتصال السياسي عن إطار هذا المفهوم، إلا في أنه يختص بالجانب السياسي ويندرج ضمن إطاره مفاهيم، كالخطاب السياسي والإعلان السياسي والدعاية السياسية، وقد يكون هنالك مفهوما آخر له علاقة صميمية بالاتصال السياسي، وهو العلاقات العامة المستخدمة في الشؤون السياسية، لتسهيل أمور الدبلوماسية مثلا أو الانتخابات الرئاسية أو ما شابه ذلك.
يهدف الخطاب السياسي إلى تعريف الجماهير المستهدفة بأجندة سلطة سياسية ما، وبأفكارها وتصوراتها ثانيا، بعبارة أخرى، تحاول السلطة السياسية في ضوء خطابها السياسي استشفاف ملامح من اتجاهاتها السياسية للجماهير، لذا فالاسترسال في موضوع الاتصال السياسي لا يقف عند تحديد خصائصه وأشكاله، إنما يتعداه إلى إعطاء تفسير دقيق عن كل شكل من أشكاله ليتحدد الإطار المعرفي له، للحيلولة دون حصول خلط بينها.
وينطوي الخطاب السياسي على قصدية تهدف إلى تحقيق الإقناع والتأثير في المتلقي لتحويل الأفكار والقيم التي يتضمنها إلى ممارسات سلوكية تنسجم مع أهداف القائم بالاتصال.(20)
يعرف فالخطاب السياسي بأنه "جملة التصورات النظرية والمفاهيم والمقترحات المنتظمة في إطار منطقي حول الواقع السياسي في مجتمع ما في إطار تاريخي محدد والأفق المطروح لمعالجة مشكلاته وتحديد طبيعة علاقاته بالبيئة الإقليمية والدولية، وهو الأيديولوجية أو جزء منها أيضا".(21)
وهو أيضا "تصور الواقع وتمثله على الصعيد الفعلي، أي نظريا في نظام من المفاهيم التي تأخذ طابعاً عاماً ومحددا"(22)، وهو أيضاً "منظومة الأفكار الخاصة برهط اجتماعي تعكس مراكز اهتمام هذا الرهط ومصالحه أو "منظومة من الأفكار الموجهة للعمل تعكس تصوراً للواقع ودافعاً محركاً لتغييره أو تبديله".(23)
والخطاب السياسي بهذا المعنى "تصور الواقع على الصعيد العقلي وتمثله نظرياً في نظام من المفاهيم التي تأخذ طابعاً علنياً مجرداً تتحكم في إنتاجه جملة من الشروط المتفاعلة فيما بينها".(24)
ولا ينبغي النظر إلى الخطاب السياسي من وجهة نظر سياسية فحسب، على اعتبار أنه يمثل خطاب السلطة إلى الجماهير، بل من وجهة نظر إعلامية باستخدام السلطة السياسية لوسائل الاتصال الجماهيري في ترويج خطابها السياسي ومن وجهة نظر فلسفية إذا علمنا إن القائمين على صياغة الخطاب السياسي، سواء من السياسيين أم الإعلاميين يأخذون محددات الفكر السياسي بنظر الاعتبار عند صياغة الخطاب ومن وجهة نظر لغوية، وفي ضوء دراسة الأسلوب والمحددات اللغوية في صياغة هذا الخطاب.
وفيما يخص الملامح اللغوية للخطاب السياسي، فهنالك أربعة ملامح:(25)
1. على المستوى الصوتي، حيث تنأى لغة الخطاب السياسي عن الأصوات المتنافرة أو الثقيلة أو الصعبة وتميل إلى انتقاء الأصوات السهلة المتآلفة، لأن السهولة والوضوح من أهم ملامح لغة هذا الخطاب ذلك بجانب الاستعانة بالمؤثرات الصوتية كالتنغيم لإبراز الرموز الصوتية المعبرة عنها.
2. على المستوى الصرفي، حيث يصطفي الخطاب السياسي الكلمات القصيرة والواضحة والسهلة التي تخلو من التنافر بجانب الحرص على استعمال الكلمات الشائعة والمعروفة لدى الجماهير كي يتحقق بها التواصل مع تجنب الكلمات الغريبة غير المألوفة أو التي بها ثقل في النطق.
3. على مستوى التركيب، حيث يميل الخطاب السياسي إلى استخدام الجمل القصيرة، المعبرة بوضوح، ذلك لأن الجمل القصيرة تأخذ جهدا أقل من المستمع دون إفراط في استخدام هذه الجمل، كي لا تأتي بنتيجة عكسية بينما تكثر الجمل الاسمية التي تبدأ بالأسماء مع توظيف أدوات النفي في تقابل بين النفي والإثبات لإظهار الدلالة المقصودة.
4. التكرار، بوصفه أحدى الوسائل الفعالة في التأثير على وعي الجماهير، كما تلجأ لغة الخطاب السياسي إلى التضاد لإظهار المعنى وإبرازه من خلال المقارنة التي يحدثها التضاد في ذهن المستمع، أما شعارات الخطاب السياسي المعاصر فتتسم بالتكثيف والتركيز الشديد لدلالات مقصودة، اعتمادا على جمل قصيرة أو كلمات مختصرة أو كلمة واحدة.
فالخطاب السياسي لا ينطوي مضمونه على المعلومات فقط، إذا علمنا إن المعلومات هي أي مضمون يساعد الفرد في بناء أو تنظيم جوانب الظروف المحيطة المتصلة بالحالة التي سيعمل في إطارها أو يقدم فيها على تصرف معين(26)، بل ينطوي على بناء من الأفكار والآراء والاتجاهات السياسية التي يستطيع الفرد بواسطتها فهم بنية نظام سياسي معين من حيث خصائصه وسماته، وتفرض العقلانية في الخطاب السياسي ثلاثة أمور:(27)
1. أن تقوم السياسة على مقتضى العقل، لا على مقتضى الهوى والمزاج فتنتج سبيل التخطيط والحساب الدقيق للمواد السياسية وكيفية استخدامها استخداما مثاليا، وتدبير عملية الصراع الاجتماعي إدارة عاقلة لا مجال للعبث فيها، تماما كما تدار دولة أو مؤسسة اقتصادية كبرى.
2. أن تكون السياسة برامجية، وأن يتحرى خطابها التعبير عن هذه الخلفية البرنامجية أو التعبير من داخلها.
3. أن يخاطب الخطاب السياسي عقل الجماهير، لا وجدانها ومشاعرها، وحين تتأسس السياسة والخطاب السياسي على هذه القاعدة، تصان ويصان معها الخطاب من كثير من العاهات والإعطاب القاتلة مثل التجارب السياسية غير المحكومة بأي ضغط مرجعي والذاهبة بالعمل السياسي إلى متاهات لا نهاية لها.(28)
فالخطاب السياسي تعبير عن اتجاهات النخبة السياسية والذي يربطهم أحد أشكال التجمعات السياسية كالسلطة أو الحزب السياسي أو التجمعات السياسية الأخرى، ويتم مسبقا الاتفاق على منطلقات ومرتكزات هذا الخطاب، وقد يكون هنالك منظرون يقومون بصياغة هذه المنطلقات في قوالب فلسفية بلاغية مع إيجاد الأدلة الإقناعية المنطقية إلى حد ما للتوصل إلى هدف الجهة السياسية المتمثلة بالإقناع، إذ يصدر عن الفكر السياسي الكثير من الخطابات السياسية المتفاعلة ضمن الأحداث والمواقف دون أن تأبه بالخطاب الآخر، وتعتبر الجهة السياسية مصدر الخطاب السياسي، فتقوم بصياغة تصوراتها السياسية على شكل رموز دلالية لإقناع الجماهير بها.
ويقسم محمد عابد الجابري الخطاب وفقاً لذلك إلى:(29)
1. خطاب السلطة (الخطاب السياسي): ويتم ذلك في ضوء تحليل المواثيق المعلنة الأساسية للنظم السياسية (الدساتير، المواثيق، الوثائق الحزبية للأحزاب السياسية) وأهم من ذلك كله دراسة الممارسات السياسية للنظم بكل تناقضاتها وتغيراتها عبر الزمن، خصوصا في مجال التحالفات الدائمة أو السوقية والتحولات فيها.
2. خطاب المثقفين: ويتم في ضوء قراءة نقدية واعية للإنتاج الفكري المعاصر وفق منهجية دقيقة تسمح برسم الخريطة الأساسية الفكرية في مرحلة أولى.
3. خطاب الجماهير: ويقصد بذلك الإدراكات والتصورات والصور النمطية التي تكونها الجماهير عن شعوب البلاد الأخرى، وفي هذا المجال، من الأهمية بمكان القيام بدراسات ميدانية مقارنة لمعرفة هذه الإدراكات والصور النمطية.
خصائص اللغة السياسية في الخطاب السياسي
يحتاج الخطاب السياسي إلى لغة سياسية لها استقلاليتها، إذ إن مضمون اللغة يهم قطاعا كبيرا من أفراد المجتمع، وقد تمثل هذه الشريحة الكبيرة من الناس أفراد القرية أو المدينة أو سكان الدولة أو المجتمع الدولي ككل، كأن يكون موضوع اللغة السياسية الحديث عن السلام أو الحرب أو الأمن الاقتصادي أو مشكلات الحدود أو ما شابه ذلك.(30)
تنبع أهمية اللغة السياسية من أهمية الأشخاص الذين يتحدثونها فموقعهم الوظيفي من النظام السياسي للمجتمع يمنحهم صلاحية الانتقال من مرحلة الحديث عن القضايا المهمة إلى اتخاذ القرارات المناسبة تجاهها، كذلك يزيد من أهمية اللغة السياسية وأيضا إنها تنقل عبر وسائل الإعلام إلى الجماهير.(31)
ولا بد من الإشارة إلى التعريف الذي قدمه الباحث الأمريكي بيل، حيث حصر هذا التعريف في تأثير اللغة، وتأثير القوة والسلطة، ومن شأن هذه اللغة أن تساعد على إيجاد إطار أساس للباحثين في مجال تحليل الخطابة والاتصال وبخاصة إذا استخدمت في حالات التهديد أو التخدير أو الهيمنة.(32)
وتكمن فعالية اللغة السياسية وأهمية تأثيرها في فهم العوامل آلاتية:(33)
1. إن مضمون اللغة يهم أفراد المجتمع، وويشمل أفراد القرية والمدينة وسكان الدولة والمجتمع الدولي ككل، كأن يكون موضوع اللغة السياسية الحديث عن السلام أو الحرب أو الأمن الاقتصادي أو مشكلات الحدود أو ما شابه ذلك، ولا شك إن اللغة المستخدمة في الحديث في مثل هذه القضايا لها مساس مباشر بحياة كل واحد من أفراد المجتمع.
2. إن أهمية اللغة السياسية تنبع من أهمية الأشخاص الذين يتحدثونها، فموقعهم الوظيفي في النظام السياسي للمجتمع يمنحهم صلاحية الانتقال من مرحلة الحديث عن القضايا المهمة إلى اتخاذ القرارات المناسبة تجاهها.
3. يزيد من أهمية اللغة السياسية أيضا أنها تنقل عبر وسائل الإعلام إلى جماهير واسعة.
كذلك فأن هذه اللغة تصل إلى جماهير تقدر بالملايين وهذه الجماهير على نوعين:(34)
1. عامة الناس الذين يستمعون إلى ما تتضمنه هذه اللغة وما يقوله الساسة يصبح مدار حديثهم ونقاشهم ويسهم في صياغة اتجاهات الرأي العام، وقد يقبل هذا النوع ما يفعله الساسة أو يرفضه وإذا ما قوبل ذلك بالرفض فمعناه إن الفعل السياسي الذي يلي اللغة يصبح عديم الشرعية وبخاصة في المجتمعات الديمقراطية.
2. الجماهير المستقبلة للخطاب السياسي هو شريحة النخبة المؤثرة التي تبني تصوراتها وردود فعلها وقراراتها على ما تسمعه من آراء تتجسد في الخطاب السياسي الذي يستخدمه المشتغلون بالسياسة ومن هنا فأن للغة السياسية أثر في الحياة السياسية في أعلى مستوياتها.
ويفرض السياسيون مفاهيم متعددة تتوافق مع اتجاهاتهم، على خطابهم السياسي "فقد أتسع مثلا نطاق الوحدانية لتفرض نفسها على الخطاب السياسي العالمي المعاصر، فعبارة الأمم المتحدة التي كانت تحتل حيزا مهما في الأرض قد اتحدت وكونت مجتمعا واحدا أو جماعة واحدة، والفرق من الناحية السياسية واضح، فالأمم تضم مجموعة من الدول والحكومات، ولا يتصور وجود أمم لها حكومة واحدة، وبخاصية في الخطاب السياسي الغربي الذي يقترن فيه اسم الأمة بالدولة، أما المجتمع فهو يحتمل دولة واحدة يبلغ التعدد فيها ما بلغ، والمجتمع الدولي يوحي بوجود دولة واحدة.(35)
والخطاب السياسي بهذا المعنى يعبر بشكل أو بآخر عن اتجاهات النخبة السياسية والقادة السياسيين وهو البنية النظرية لسلوكهم على الصعيدين الداخلي والخارجي.
الخطاب السياسي في التلفزيون
تتخذ السلطة السياسية من وسائل الإعلام الجماهيري وسيلة نقل خطابها السياسي إلى الجماهير بمختلف أطيافها، وقد تعهد إلى الإعلاميين مهمة صياغة التفاصيل الدقيقة المستنبطة عن الخطوط العريضة لخطابها السياسي، إذ إن بناء السلطة السياسية للنظامالاشتراكي مثلا، كفيل بتحديد مسار الإعلاميين، بما يخدم اتجاهاتها السياسية وأيديولوجيتها خاصة في الدول التي ما تزل أجهزة الإعلام تسيطر عليها الحكومة، أو تحتفظ بوسائل إعلام تمارس عن طريقها دورها في تعريف الجماهير بخطابها السياسي.
وقد استخدمت السلطة السياسية الصحافة كوسيلة لترويج خطابها السياسي، قبل ظهور وسيلتي الإعلام المسموعة والمرئية، ونجد ذلك واضحا في سيطرتها على الصحف وعلى وسائل الإعلام الأخرى فيما بعد خاصة في بدايات ظهورها، وإذا كانت السلطة السياسية قد تخلت عن معظم هذه الوسائل، بسبب تبني السلطة السياسية النهج الديمقراطي في نظر الجماهير، إلا إنها تحتفظ بوسائلها الإعلامية الدعائية كذلك تدخلها في آلية عمل هذه الوسائل وما تنشرها، خاصة في أوقات الأزمات والحروب والصراعات.
وبسبب تزايد أهمية التلفزيون كوسيلة اتصال ومعرفة السلطة السياسية بأهميتها، السياسية خاصة وضمان إيصال الخطاب السياسي من خلالها وتوسيع قاعدة جمهورية خاصة بعد أن نقل بث القنوات بالأقمار الصناعية كل هذه المميزات التي تمتعت بها وسيلةالتلفزيون أدت إلى اعتماد السلطة السياسية لها بالدرجة الأساس في تعريف الجماهير بخطاباتها السياسية.
نستطيع أن نجمل طبقا لذلك كيفية تقديم الخطاب السياسي في التلفزيون:
1. يختلف الخطاب السياسي في التلفزيون عن الخطابات السياسية المقدمة في وسيلتي الإذاعة والصحف فيما يخص صياغته بطريقة تتلاءم مع الخصائص الفنية التي يتمتع بها التلفزيون.
2. يركز الخطاب السياسي في التلفزيون على التعقيد وتأطير وجهات النظر بفلسفة سياسية خالصة وفقا لما يتمتع بها التلفزيون من مزايا الصوت ووسائل الإيضاح والمساهمة فلا تبسيط المعقدات من خلال توظيف هذه المزايا.
3. يتميز الخطاب السياسي في التلفزيون بإمكانية ترسيخ القيم السياسية والوصول إلى غاية تتمثل بتحقيق الإقناع عند المشاهدين.
4. تسعى القوى السياسية لتقديم خطاباتها السياسية عن طريق التلفزيون بسبب زيادة قاعدة جمهور التلفزيون مقارنة بجمهور وسائل الاتصال الأخرى.
5. يتيح التلفزيون ميزة التكرار في تقديم الخطاب السياسي أكثر من وسائل الاتصال الأخرى لما يتمتع به من مساحة زمنية قد تصل إلى24 ساعة في اليوم.
6. يتيح التلفزيون إمكانية إعداد الخطاب السياسي قبل تقديمه.
7. يقدم الخطاب السياسي في البرامج السياسية التلفزيونية من المسؤولين السياسيين أنفسهم، أي يعدون فاعلوا الخطاب.
8. يفضل المسؤولون السياسيون التلفزيون في ترويج الخطاب السياسي لإمكانية اختيار أكثر من موضوع لمناقشته.
9. يتميز الخطاب السياسي في التلفزيون أنه خطاب شمولي متعمق في جوانبه الفلسفية وفيما يتعلق باستشفاف منطلقاته ومرتكزاته السياسية.


(1) جليل وادي حمود، مصدر سابق، ص44.
(2) شبكة النبأ المعلوماتية، عن شبكة الإنترنت: http://www.google.com
(3) المصدر نفسه.
(4) روجر فاولر، نظرية اللسانيات ودراسة الأدب ، في: مجلة الآداب الأجنبية، العدد:2، بغداد1985، ص83
(5) المرجع السابق، ص. 92
(6) بوريس إيخنباوم، نظرية المنهج الشكلي، في: نظرية المنهج الشكلي ، نصوص الشكلانيين الروس، ترجمة: إبراهيم الخطيب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1982، ص 3036
(7)Pierre Guiraud et Pierre Kuentz, La stylistique, lecture, Klincksieck, Paris, 1970,P. 15
(8) C. KerbratOrecchioni, La connotation, Presses Universitaires de Lyon,1977,P. 11
(9) نور الدين السد، الأسلوبية في النقد الأدبي الحديث، ص. 3638
(10) نقلاً عن جليل وادي حمود، مصدر سابق، ص47.
(11) د.حميدة سميسم، مدخل في مفهوم الخطاب الدعائي: تحديد فاعليته في أطار التعامل النفسي، مجلة آفاق عربية، بغداد، العدد(5)، 1994، ص17.
(12) د.حميدة سميسم، الخطاب الإعلامي العراقي بين النظرية والتطبيق، مصدر سابق، ص7.
(13) د.حميدة سميسم، نظرية الرأي العام، مصدر سابق، ص109.
(14) المصدر نفسه، ص160
(15) د.عبد الستار جواد، مصدر سابق، ص65.
(16) المصدر نفسه، ص63.
(17) المصدر نفسه، ص111.
(18) المصدر نفسه، ص281.
(19) جليل وادي حمود، مصدر سابق، ص50-51.
(20) جليل وادي حمود، مصدر سابق، ص47.
(21) عبد العليم محمد، مصدر سابق، ص18.
(22) المصدر نفسه، ص18.
(23) ألياس فرح، تطور الأيديولوجية العربية الثورية، ط7، بغداد، مطبعة جامعة بغداد، 1979، ص10.
(24) جليل وادي حمود، مصدر سابق، ص47.
(25) عن شبكة الانترنيت: http://www.albayan.com.ae
(26) د.جيهان رشتي أحمد، مصدر سابق، ص65.
(27) عبد الإله بلقزيز، أزمة المعارضة السياسية في الوطن العربي، ورقة عمل، منشورة في كتاب (المعارضة والسلطة في الوطن العربي)، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية،2001، ص49.
(28) المصدر نفسه، ص49.
(29) د.محمد عابد الجابري، الخطاب العربي المعاصر، مصدر سابق، ص56.
(30) د.محمد بن سعود البشر، مقدمة في الاتصال السياسي، نسخة مسحوبة بالرونيو، ص97.
(31) المصدر نفسه، ص97.
(32) المصدر نفسه، ص97.
(33) المصدر نفسه، ص97.
(34) المصدر نفسه، ص97.
(35) محمد عابد الجابري، خطاب الوحدانية في عصرنا، مجلة المستقبل العربي، بيروت، العدد 1، 2003، ص62.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كأس الاتحاد الإفريقي - -أزمة القمصان-.. -الفاف- يتقدم بشكوى


.. نيكاراغوا تحاكم ألمانيا على خلفية تزويد إسرائيل بأسلحة استخد




.. سيارة -تيسلا- الكهربائية تحصل على ضوء أخضر في الصين


.. بمشاركة دولية.. انطلاق مهرجان ياسمين الحمامات في تونس • فران




.. زيلينسكي يدعو الغرب إلى تسريع إمدادات أوكرانيا بالأسلحة لصد