الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زلزال البيت الفتحاوي

جهاد الرنتيسي

2005 / 12 / 27
القضية الفلسطينية


يملي صخب تناقضات فتح القافز الي واجهة الاحداث اكثر من قراءة عابرة لصراع الاضداد في التنظيم الذي كرسته احداث العقود الاربعة الماضية قائدا لنضالات الشعب الفلسطيني ، اومقاربة بين التحولات التي تمر بها الساحة الفلسطينية في هذه المرحلة وما تشهده ساحات عربية اخري ، او بحث خجول في التاريخ القريب عن احداث مماثلة مرت بها الحركة .
فما يحدث في فتح تعبير عن ازمات مركبة فجرتها تراكمات احداث عاصفة تتجه مؤشراتها نحو ادخال متغيرات جذرية علي قضية الشعب الفلسطيني .
ومثل هذه الازمات لا يمكن قراءتها الا من خلال " مرآة " فتح التي يلتقي خصومها وانصارها عند حقيقة انها حركة الشعب الفلسطيني بكل اطيافه السياسية ، والفكرية ، والعقائدية .
فهي ليست التنظيم الذي ينكفئ بانهيار الاتحادي السوفيتي رغم الظلال الثقيلة التي القاها ذلك الحدث الكوني علي يسار الحركة ، ويندثر برحيل نظام عربي او تدهور علاقته مع اخر ، وليست الحالة التي تتغذي علي انكسارات اليسار رغم الجذور الدينية لقادتها المؤسسين ، وهي الكيان السياسي الذي حرص علي توسيع هوامشه للحد الذي يتيح له استيعاب تنويعات الميثولوجيا والايديولوجيا في واقع تعددي خصب ، وعلي ارضية التحرير والعودة استطاع جمع الذين لا يمكن جمعهم .
وبفعل الديناميكية التي اتاحتها النزعة البراغماتية لقيادة الحركة تمكنت من المزاوجة بين تقدم الصفوف في المواجهات العسكرية ، والقيام بمناورات سياسية تصل حد مد الاقدام الي ما وراء الخطوط الحمراء ، والتراجع عند استشعار الخطر دون ان تلتصق بها شبهة التفريط .
الا ان عمليات التعرية والتجوية التي تمر بها الجغرافيا السياسية منذ حرب الخليج الثانية اغلقت الافق السياسي والعسكري امام الحركة الوطنية الفلسطينية ليضيق هامش المناورة للحد الذي يقوض المشروع الوطني ويهدد بتلاشي انجازات عقود مضت .
ففي الوقت الذي انهت رصاصات المتطرف اليهودي ايغال عمير حياة رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين تحولت مؤشرات البوصلة الاسرائيلية عن احتمالات اقامة الدولة الفلسطينية القادرة علي البقاء لتتجه نحو تابيد الاحتلال واخضاع الفلسطينيين بالقوة .
ومنذ ذلك الحين لم يتجاوز الحد الاقصي الذي قدم للفلسطينيين " المصيدة "وقوبل رفضهم للمعروض بـ "المجازر " اليومية ، وعمليات الترويع ، وفرض الوقائع الجديدة علي الارض .
وبلغت التعقيدات التي تواجهها الحركة الوطنية الفلسطينية ذروتها بتلازم العنف الذي تشنه الة الحرب الاسرائيلية مع الاقصاء السياسي الذي تمارسه حكومة ارييل شارون بحجة عدم وجود شريك سلام فلسطيني .
وساهمت الفوضي الكونية وتداعياتها الاقليمية في افساح المجال امام تنفيذ خطوات الفصل احادي الجانب الهادفة الي اقامة دولة فلسطينية مؤقته حسب المواصفات الاسرائيلية .
وفي ظل غياب ادوات المواجهة لدي الجانب الفلسطيني يتحكم تقدم مشروع تصفية القضية الفلسطينية بالحراك السياسي .
فمن غير الممكن انضاج حياة ديمقراطية في سلطة خاضعة لتدخلات الاحتلال في ادق التفاصيل، ومناطق غير امنة ، وباستخدام شعارات تظهر ازمة طارحيها اكثر من ملامستها للحاجات اليومية .
ومع انحسار هامش المناورة السياسية ، والفعل العسكري القادر علي خلق وقائع جديدة ، ووهن الرافعة العربية ، وانغلاق الافق الدولي ، ودوران الحياة السياسية الداخلية في حلقة مفرغة لم يكن مستغربا اندفاع المشهد الفتحاوي نحو مزيد من التشظي .
وساهم الفساد المستشري في اجهزة السلطة وحزبها الذي ظهرت عليه الشيخوخة المبكرة وهو يدخل عامه الواحد والاربعين في تفاقم الازمة .
ففي السنوات التي اعقبت بناء السلطة تراجعت ثقة الفلسطينيين في الحركة التي تولت ادارة الحياة السياسية والاقتصادية في مجتمع فلاحي له تقاليده الاجتماعية والدينية .
ومع هذا التراجع تلاشت صورة التنظيم الذي قاد المواجهة مع الاحتلال العقود الاربعة الماضية .
ومن الطبيعي ان يفكر جزء من كادرات الحركة في تغيير الصورة الجديدة علي امل انقاذ ما يمكن انقاذه .
وفي حالات الفوضي ـ كالحالة التي يمر بها الوضع الفلسطيني ـ يفتقد التعبير عن الافكار للحد الادني من الانسجام .
ولذلك لم يكن مستغربا ان يتم التعبير عن الرغبة في الاصلاح بتولي المليشيات فرض القانون بايديها دون اية اعتبارات لوجود السلطة ، واحتدام صراع الاجيال في التنظيم القائد الامر الذي كرس ظاهرة غياب المركزية التنظيمية ، ودفع نحو تحول فتح الي جزر معزولة .
الا ان دافع الاصلاح السياسي والتنظيمي لم يكن عامل الفرز الوحيد في بنية حركة فتح .
فمن بين العقبات التي تعترض المؤتمر العام السادس الذي يعول عليه في اعادة ترتيب البيت الفتحاوي الداخلي نسب مشاركة الكادرات التي كانت في الاراضي الفلسطينية قبل اتفاقية اوسلو .
ورغم محاولات دعاة الاصلاح تبريرمطالبتهم بان هذه الكادرات ظلمت في التمثيل نتيجة اعتبارات ظروف الاحتلال ـ قبل اتفاقية اوسلو ـ يصعب عزل هذه الدعوات عن عملية الفرز الاجتماعي بين العائدين الذين اطلق عليهم اصطلاح " التوانسة "
والصامدين في الضفة والقطاع .
وعلي ارضية هذا الفرز تمت محاولة اجراء الانتخابات الداخلية التي كان من المفترض ان تفرز مرشحي الحركة للمجلس التشريعي المقبل .
ولكن عوامل اخري حالت دون اتمام عملية الفرز التي كان من الممكن ان تعيد بعض الاعتبار للحركة لو تمت بشكل ديمقراطي يعكس رغبة القواعد في ايصال الكوادر القادرة علي كسب ثقة الناخبين .
فقد لعب العامل العشائري دوره في عملية الفرز ، وانعكست قوة النافذين في السلطة والحركة علي صناديق الاقتراع التي احرقها الغاضبون في خطوة يندر الاقدام عليها في اكثر المجتمعات بدائية .
واعاد الاعلان عن قائمة المستقبل التي تزعمها مروان البرغوثي الي الاذهان الانتكاسة التي مرت بها فتح لدي انشقاقها عام 1982 فلم تخل القائمة من متهمين بالفساد .
وفي المقابل منح انسحاب احمد قريع من السباق الانتخابي احتجاجا علي توحيد قائمتي الحركة بعض المصداقية لاتهامات عدم الايمان بالديمقراطية الموجهة لما تبقي من شيوخ فتح .
كما انه من غير الممكن ادراج هذه الخطوة في غير سياق وضع العصي في دواليب محاولات اعادة ترميم المشهد التي يقوم بها الرئيس محمود عباس علي امل انقاذ الموقف .
والمحاولة التي يقوم بها عباس ليست معزولة عن سعيه الدؤوب لوضع حركة حماس علي سكة الاعتدال من خلال الاصرار علي افساح المجال امام مشاركتها في العملية السياسية .
ولا شك في ان عباس اظهر من خلال المحاولات التي تصب في تصليب البنية السياسية الفلسطينية بعد نظر يصعب علي المثقلين باعباء الرؤي الفئوية الضيقة والمصالح الذاتية الاحاطة به .
فمن خلال التصريحات المؤيدة لموقف عباس الرافض للضغوط الاميركية والاوروبية الهادفة لمنع حماس من المشاركة في الانتخابات ظهر ابو مازن رئيسا لكل الشعب الفلسطيني حتي الذين قاطعوا الانتخابات الرئاسية .
وفي جميع الاحوال يصعب التعامل مع انفجار ازمة فتح باعتباره سببا في اعاقة الانتخابات .
فالانفجار نتيجة لازمات مرتبطة ببنية القضية الفلسطينية ، ولا تخلو من مؤثرات خارجية تتمثل في حالة الاستلاب التي يمر بها النظام الرسمي العربي ، وتنامي الاصولية السياسية علي حساب المشروع الوطني ، وتحول الديمقراطية الي سلاح يستخدمه الغرب لاخضاع شعوب المنطقة .
والحركة التي قادت نضال الشعب الفلسطيني 40 عاما ليست معزولة عن روح حركة التحرر العربي التي اتسعت في الستينات والخمسينات واصبحت جزء من التاريخ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي صلاحيات رئيس الجمهورية في إيران؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. هيئة الانتخابات الإيرانية تعلن عن جولة إعادة بين بزشكيان وجل




.. الداخلية الإيرانية: تقدم بزشكيان مؤقتا يليه جليلي


.. الداخلية الإيرانية: تقدم بزشكيان على جليلي بعد فرز 19 مليون




.. مقتل عشرات الفلسطينيين وإصابة آخرين في قصف إسرائيلي على مناط