الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعويم .. من المستفيد ؟

احمد البهائي

2016 / 10 / 4
الادارة و الاقتصاد


تتعرض السياسة النقدية والسلطة المالية في مصر لضغوط وحملة شرسة من قبل مؤسسات وشركات مالية وبنوك تدعي انها تعمل من اجل الاقتصاد والمواطن المصري ، ولكنها في الحقيقة تعمل من اجل اصحابها ومموليها ومن يحتكرون سواء داخل البلاد او خارجها ، ولم يكتفي بذلك ، بل هناك حملة اعلامية موجهة باعتبارهم ممن يمتلكون الاعلام ، من اجل ترويج ما يريدونه ، حيث قامت بعض الشركات والبنوك الاستثمارية الخاصة المملوكة لبعض رجال الاعمال ، بالترويج عن خطة زمنية لتعويم الجنيه ، وفيها ان يقوم البنك المركزي المصري خلال الاسبوع الاول من شهر اكتوبر الحالي ، بتخفيض للجنيه إلى ما يتراوح بين 11.5 و12.5 للدولار وهو ما يمثل 30 إلى 40% من قيمته الحالية بالسعر الرسمي الذي يبلغ 8.88، وذلك في مذكرة بحثية أصدرها احد تلك البنوك يوم الأحد 2-10-2016 ، في خطوة أولى للتعويم المدار يليها مرحلة التعويم الحر، الذي قد يحدث خلال أسبوعين أو ثلاثة على الأكثر.

التعويم الحر يعني ترك سعر صرف العملة يتغير ويتحدد بحرية حسب قوى السوق " وقوى العرض والطلب في السوق النقدية "، ويمكن للسلطة النقدية التدخل بهدف التأثير في سرعة تغير سعر الصرف ، وليس الحد من ذلك التغير، فتعويم العملة ، يعني ترك قيمة العملة عائمة ترتفع وتنخفض مع موجات الطلب والعرض ، ولكن تعويم العملة ، هل هو نظام ، ام أداة من ادوات السياسة النقدية المباشرة والغير مباشرة ، ام من الاجراءات والتدابيرة الكمية والهيكلية ، وهل هو من اختصاص البنك المركزي وحده ، ام من اختصاصات السلطة النقدية(وزارة المالية-والبنك المركزي) ، ام لابد ان يكون الاقرار به من اختصاص المجموعة الاقتصادية التي تحددها الحكومة ، مما لاشك فيه فهو نظام ، يكون بموافقة المجموعة الاقتصادية برئاسة رئيس الحكومة ، يقر فيه بترك القوى الأساسية في السوق أو ما يعرف بالعرض والطلب، بتحديد سعر صرف العملة المحلية، وفك ارتباطها بأي عملة أخرى ، فإذا ما ازداد الطلب على الدولار مثلا في سوق النقد الأجنبي ، فإن معدل صرف الدولار يميل نحو الارتفاع ، وإذا ما انخفض الطلب على الدولار فإن معدل صرفه يميل نحو الانخفاض .

ومع ذلك هناك ما يطلق عليه خطأ بالتعويم المدار، فالتسمية الصحيحة والسليمة هي سعر صرف غير مضطرب وليس تعويم مدار ، ويعني بها ترك سعر الصرف يتحدد وفقا للعرض والطلب لكن مع فرض سعر مركزى وحد أقصى وحد أدنى للعملة المحلية مقابل بقية العملات وبالاخص العملة الرئيسية المرتبطة بها ، فسعر الصرف الغير مضطرب مرتبط ببعض المؤشرات والمتغيرات والتطورات الاقتصادية والسياسية ، منها على سبيل المثال ، سوق العملة الموازي ، والفجوة بين العرض والطلب في سوق العملة ، وميزان المدفوعات ، ومعدلات التضخم ، ومعدلات الفائدة على المدخرات بالجنيه والمدخرات بالدولار ، وجذب الاستثمارات ، والاستقرار السياسى فى البلد ، ويمكن القول ان التعويم بمفهومه الصحيح يعتبر من الأدوات التي تلجأ اليها وتستخدمها السلطات النقدية لتحقيق أهدافها الاقتصادية ، ولكن من التجارب فالتعويم الحر لايصلح إلا في الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة ، التي يقوم اقتصادها على الإنتاج الصناعي في المقام الاول ، وتريد من خلال اتباع سياسة التعويم الحفاظ على تماسك عملتها مقابل بقية العملات ، فهناك من يظن ان التعويم يعمل على جذب رؤوس الأموال لتمويل عجز الميزانية ونفقاتها ، هذا صحيح ، ولكن يجب النظر في اسباب هذا العجز ، فهل هو ناجم عن زيادة الإنفاق الحكومي نتيجة للاستثمار الخارجي ام لتمويل نفقات حرب ، ام ناجم عن قلة الانتاج وخاصة الصناعي ، ام زيادة في الفجوة بين الواردات والصادرات لصالح الاولى وعدم وفاء باقي المدخولات كالسياحة والتحويلات والضرائب مثلا لسد تلك الفجوة .

فالجالة المصرية معقدة للغاية وقد لا تنجح فيها سياسة التعويم الحر ، بسبب ان الاقتصاد المصري يعاني من عيوب هيكلية وخاصة في عموده الفقري وهو ضعف مؤسسات الدولة الاقتصادية ، كذلك اقتصاد لا يعرف التخصص حتى الان ، فالاقتصاد المصري ذات نمط استهلاكي قائم على الاستيراد ، وإنتاجه الصناعي ضعيف للغاية ، وهذا ما تعكسه عجز الميزانية ، فهناك عجز بين الواردات والصادرات لصاح الواردات بقيمة 40 مليار دولار ، وهذا يمثل الخطر الأكبر في حالة الموافقة على سياسة التعويم ، والتي يتضمن نجاحها شرط اساسي في مثل هذه الظروف بأن يكون الاحتياطي النقدي لا يقل عن 40 مليار دولار ، فى ظل الوضع الاقتصادى الحالى ونقص النقد الأجنبى، والواردات اكبر من الصادرات ، فالتعويم ـسوف يرفع سعر الدولار كثيرا وينزل من قيمة الجنيه. وهذا يعني أن الأسعار خصوصا أسعار السلع المستوردة سترتفع بطريقة دراماتيكية ، مما يزيد من مستوىات التضخم بشكل لا تستطيع الحكومة السيطرة عليه ، بجانب ذلك فالتعويم يتطلب اتباع ادوات نقدية واهمها رفع سعر الفائد لكبح التضحم الذي قد يصاحبه في مراحل تطبيقه الاولى ، ففي الحالة المصرية مع وجود السوق السوداء قد يصل التضخم الى اعلى معدلاته وقتها قد تفقد الادوات النقديه مهمتها وهو التحكم في التضخم وترتفع الاسعار بشكل جنوني وبنسب لا يقدر عليها المواطن الفقير ، وتتآكل قوة النقود ، فجميع الدول التي إنتهجت سياسة التعويم لم تنجح في تطبيقها إلا بعد ان اتبعت معاير وآليات وضوابط معينة ، والتي تختلف من دولة الى اخرى حسب مستوى تحرر اقتصادها الوطني، وكفاية أدائها ، ومرونة جهازها الإنتاجي، وهذا ما تفتقدة مصر ، فوجود السوق الموازي يعتبر وحده من الاسباب الرئيسية التي تهدد نجاح سياسة التعويم ، فتطبيق التعويم في ظل الظروف والاوضاع الاقتصادية الحالية يصب بشكل أساسى فى مصلحة المستثمرين ورجال الأعمال والمحتكرين فقط ، فهناك ضغوط من قبل اصحاب النفوذ وخاصة ممن في حيازتهم احجام كبيرة من الدولار ويسعون لتحقيق ثروات اكبر ، بحجة ان التعويم يعكس القوة والقيمة الحقيقية للعملة المحلية ، ويساعد على جذب الاستثمارات ، وخفض معدلات البطالة ، وزيادة الدخل ، ورفع نسبة النمو الاقتصادي ، فأذهان المصريين تستحضر ماحدث في عام 2003عندما قررت الحكومة المصرية، برئاسة عاطف عبيد وقتها ، تعويم الجنيه، بتحرير أسعار صرف النقد الأجنبي ، وذلك كان اعتباراً من 29 يناير 2003 ، وسمح وقتها لكل البنوك العاملة في مصر أن تحدد أسعار الصرف الخاصة بها بصورة مستقلة ، كذلك اصبحت سوق الصرف الأجنبي حرة وستحدد آليات السوق سعر الصرف ، وتقوم البنوك بجميع الصفقات ، أي إطلاق الحرية لمعاملات العرض والطلب في السوق بتحديد سعر صرف الجنيه ، الأمر الذي تسبب في ارتفاع سعر الدولار بنسبة اقتربت من 50 % ، وقد كان سعر الدولار قبل قرار التعويم فى الأسواق 3 جنيهات و40 قرشا، وفجأة وبعد قرار التعويم ارتفع ليصل إلى 5 جنيهات و50 قرشا، ثم ارتفع مرة أخرى ليصل الى 7 جنيهات، ليعود ويستقر عند 6 جنيهات و20 قرشا فى ذلك الوقت ، وقد كان المستفيد من ذلك كما يغلم الجميع حفنة من رجال اعمال ومستثمرين واصحاب النفوذ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمال المحارة الترند عملوا فيديو جديد .. المنافسة اشتدت فى تل


.. أسعار الذهب اليوم الأحد 19 مايو 2024




.. الأسبوع وما بعد | قرار لبوتين يشير إلى تحول حرب أوكرانيا لصر


.. بنحو 50%.. تراجع حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل




.. العربية ويكند الحلقة الكاملة | الاقتصاد مابين ترمب وبايدن..و