الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سدنة الميكيافيلية الجديدة

مولاي عبد الحكيم الزاوي

2016 / 10 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


سدنة الميكيافيلية الجديدة
مولاي عبد الحكيم الزاوي
استاذ باحث من المغرب
لا تزال أفكار نيكولا ميكيافيلي لم تشخ بعد، رغم مرور أزيد من ستة قرون عن رحيله، كما لا تزال مقولاته السياسية ترن داخل أروقة الجامعات السياسية، وصالونات الفكر الإنساني وردهات الإعلام، لنفاذيتها إلى عمق وخبايا الذات البشرية المهووسة بالاستقواء وعلياء العظمة، ولاجتراحها العميق لواقع الإنسان والانسانية، في لحظة عبث صارخ.
يضل حاضرا بيننا متى أردنا تفسير السلوكيات السياسية التي ينتجها الأمراء إزاء الرعية، ومتى استعصى علينا فهم ما جرى وما يجري داخل مستنقع السياسة، من عنف واستبداد واضطهاد، وهو الذي أرّخ لأروبا القروسطوية في لحظة فارقة من تاريخها، لحظة بداية تصدع المكتسبات الرمزية للكنيسة الكاتوليكية، وبداية انعطاف العقل الأوربي نحو الأنسنة، والتحرر من القيود والكليشيهات التي كبلت ملكة العقل عن التفكير، إذ مثل كتابه المرجعي "الأمير" لحظة إنكسار وخيبة أمل حقيقية في مشروعه وتطلعاته السياسية، وصرخة يأس لرجل لم يطاوعه الزمن لتحقيق غاياته، فبات ينظر إلى السياسة من زاوية الناصح، العارف، المحايد، المبعد، المهمش، ليسطر دروسا في فن السياسة وعلم الكتابة وابستمولوجيا التاريخ، وهو وضع شبيه بذاك الذي اعترى مسار ابن خلدون في الفكر الاسلامي، حينما أبعدته يد الدسائس عن السلطة، ورمت به في قلعة بني سلامة، ليجد نفسه متفرغا للكتابة والتأمل عن بعد، مقدما للعالم في لحظة أفول حضارة الإسلام مبحثا نظريا خصبا في تفسير "العمران البشري"، سيشكل في ما بعد لبنة تأسيس علم الاجتماع مع أوغست كونت واميل دوركهايم في القرن التاسع عشر.
ولأن المناسبة شرط، فميكيافيلي يظل شاهدا على منجزنا السياسي، وعلى تكلس وتصحر واقعنا السياسي: تناطحات سياسية هنا وهناك، خطابات جوفاء ترسم أحلاما لمغرب تضنيه فواجع اليومي، وإملاءات كرستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي، ضربات من تحت الحزام بين هذا وذاك، بحثا عن وثيرية كراسي السلطة، اندفاعات سوريالية نحو اقتسام كعكة الهامش، "طاجين المخزن" بتوصيف رجل الاقتصاد المغربي ادريس بن علي.
قد يقول البعض، الديموقراطية عندنا غنيمة حرب كولونيالية، وليست مخاضا أنتجته شروط مجتمعية أفرزها التدافع السياسي، ويرد آخر، مرتديا عباءة التحليل الذهني، بالأمس، كانت كفرا، واليوم أضحت واجبا وطنيا ودينيا، ويجيب ثالث بينهما، مهووس بالسوسيولوجيا، متى تم الحسم مع إرث المخزن والقبيلة والزاوية وثنائية الشيخ والمريد، وخطاطة الانشطار والانصهار الانقسامية، أمكن الحديث عن الانتقال الديموقراطي، وارتقاء الفرد من مجال الطاعة نحو المواطنة بالمفهوم المدني، ويختم متشائم، الانتخابات لا تصنع الديموقراطية، ليست تمرينا يمكن استنساخه، كما لو كنا نستنسخ أوراق رواية أغاتا كريستي" انتقام العدالة"، المشكلة تعتور نسقا شموليا يضيق الهامش، ولا يسمح بفصل حقيقي للسلط، ومجتمع لم يحسم بعد مع معضلة التخلف.
كانت "المكيافيلية" منفذا نحو غرس "القومية" لقارة أتعبتها حروب المذاهب الدينية، وطموحات الاستقواء، وأضحت بيننا اليوم "منفدا" لتفسير سورياليتنا السياسية، وطوباوبة أحلام سياسيينا، الذين رمت بهم أقدار الزمن نحو توزيع صكوك الأحلام على معذبي الواقع.
ما يؤرقني في توصيف الحال، في تشريح ذاتنا المقهورة بلون السياسة، في فهم قضايا عامة تعتورها خلفيات السياسة، التي قضت وتقضي بأن تجعل المواطن رقما انتخابيا لا همّا تنمويا، هو ذلك السياسي المغربي الذي يدعي افتراضيا فهمه للواقع السياسي، وقدرته السحرية على تفكيك ترميزاته الخفية، وتفصيل مدخلاته ومخرجاته، إليك أيها السياسي أتوجه بالسؤال:
هل تمتلك أرضية نظرية تمتح من مرجعيات الفكر السياسي لتحليل مشهد سياسي يكاد يكون متنطعا من كل المقاسات؟ هل سبق لك أن قرأت كتابا واحدا عن المخزن والقبيلة والزاوية بمغرب مملكة الأولياء؟ هل احتككت يوما بمثون العلوم السياسية وأبجديات الفكر السياسي؟ هل خبرت يوما تحليلات جون واتربوي وجيل بيرو ولازاريف وزارتمان وريمي لوفو ومحمد الطوزي ورحمة بورقية وهند عروب ومحمد خير الدين...؟ والأكثر من هذا هل تستطيع أن تجد لنا حلولا لواقعنا المتشظي، في التعليم والصحة والشغل، وتنأى بنفسك وبنا عن نظرية التحكم والمؤامرة والاستهداف؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تقتحم حشدًا من محتجين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة أمري


.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. سيناتور أمريكي يعلق على احتجاجات جا




.. الولايات المتحدة.. التحركات الطلابية | #الظهيرة


.. قصف مدفعي إسرائيلي على منطقة جبل بلاط عند أطراف بلدة رامية ج




.. مصدر مصري: القاهرة تصل لصيغة توافقية حول الكثير من نقاط الخل