الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما قبل الصفر الإستعماري

كريم كطافة

2016 / 10 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


كتب السيد محمد سيد رصاص مقالاً مهماً في جريدة الأخبار العدد ٢٩٩٧ الجمعة ٣٠ أيلول ٢٠١٦، استعرض فيه مراحل تجلي مشروع الصفر الإستعماري منذ بداياته حتى لفظه لآخر أنفاسه مع الوقائع التي تفقأ العين والتي حدثت في كل من العراق وليبيا وسوريا وإلى حد ما في لبنان.. أحاول في هذا الحيز إلقاء ذات الضوء على ما كان قبل الصفر الإستعماري.. لنبحث ولو للأسف متأخرين عقدين من الزمن عن البدائل التي كانت متاحة لشعوبنا لتتجنب ويلات ما حدث.. وهل كانت ثمة بدائل؟
لكن قبل هذا؛ ما هو الصفر الإستعماري؟
أُطلق هذا التوصيف من قبل المعارضين لرأي السياسي السوري الشيوعي رياض الترك، وهو أحد رواد السجون السوريه، الذي طال أمد أعتقاله أكثر من أمد اعتقال نيلسون مانديلا الذي أعتبر في ذلك الوقت أقدم سجين سياسي في العالم.. هذا السياسي وبعد إطلاق سراحه لم يكف عن معارضته للنظام السوري. لكنه حاول التغيير من بوصلة الإتجاه أو المرجعية من الثوابت الماركسية المعروفة في الموقف من الإمبريالية والاستعمار إلى محاولة فهم ما يجري بعد إنهيار التجربة السوفييتية ومعسكرها الإشتراكي.. صرّح في مقابلة مع صحيفة "النهار" ليوم 28 أيلول من عام 2003 تعليقاً على ما حدث في العراق من سقوط نظام صدام حسين باحتلال أمريكي عسكري مباشر، قائلاً (أعتبر أن الأميركيين قد قاموا بفعل مفيد وأنهم نقلوا العراق من تحت الصفر إلى الصفر).
لذا اختار معارضي هذا الرجل توصيف (الصفر الإستعماري) لكامل مشروعه الذي هو الآخر فشل فشلاً ذريعاً فيما بعد. لكن، دعونا هنا نتفحص خلفية هذا الرأي وما هي البدائل التي كانت متوفرة أمام اليساريين على اختلاف موديلاتهم من ماركسيين إلى ليبراليين وماذا حدث في الواقع؟
سأتجنب الحديث هنا عن سوريا واكتفي فقط بالتوصيف الذي جاء على لسان السيد محمد سيد رصاص لحال المعارضة السورية والشعب السوري عموماً تحت سلطة (الأسدين الأب وإبنه).. وهو توصيف اتفق معه مئة بالمئة، يقول: (... ماركسيون صدمتهم هزيمة موسكو أمام واشنطن في الحرب الباردة (1947ــ 1989)، ومعارضون سوريون حطمت تنظيماتهم في السجون أو في العمل السري في الثمانينيات بعد انتصار النظام على المعارضة بشقيها الإسلامي واليساري وسط انكفاء وصيام المجتمع السوري عن السياسة. كان اجتماع هاتين النقطتين قد أنتج بذرة جنين لنزعة الاستعانة بالأجنبي ولكن بعد تغيير "القميص الماركسي").
سأتحدث هنا عن العراق ما قبل (الصفر الإستعماري). وهو وإن كان مجسداً في العراق على نحو واضح لكنه كان موجوداً وإن بدرجات متفاوتة في كل البلدان التي حكمتها أنظمة أستبدادية لفترات طويلة (سوريا، ليبيا، تونس، الأردن، السعودية..إلخ). والحديث يتناول مقطع زمني محدد وصلت فيه التراكمات إلى مداها، هو مقطع الحصار الإقتصادي الذي دام 13 سنة على خلفية حروب دكتاتور العراق المتعددة. لقد وصل تهميش المجتمع إلى مداه الأقصى. جرى تهميش فئات واسعة من شرائح اصحاب الأعمال الصغيرة أو الحرة وقطاعات واسعة من الموظفين وكوادر المهن المختلفة، الطب، القانون، الهندسة، العلوم، الآداب.. ومعهم اساتذة الجامعات والمدرسين والمعلمين وطلبة الكليات وعموم المثقفين الذين تحولوا إلى باعة جوالين وسواق تاكسي وكسبة أو عاطلين عن العمل تماماً، ناهيك عن تحويل كل مصانع البلد تقريباً لخدمة صناعة وحيدة يديرها صهر الرئيس (حسين كمل) – التصنيع العسكري-.. كل هؤلاء واولئك يجدون مطالبهم وأهدافهم في برامج اليسار والديمقراطيين عموماً. وحين يتعرض هؤلاء إلى هجمة شرسة وعلى كافة المجالات، عندها ستتفكك الأواصر والروابط فيما بينهم، ويعودون إلى أصولهم الأولى ما قبل وصولهم إلى ما كانوا عليه.. منهم من يترسب في قاع المجتمع وهم الغالبية ومنهم من يصعد إلى رأس الهرم الذي تسلقه الانتهازيون والوصوليون الذين شكلوا الطبقة الجديدة التي نمت وترسخت مفاهيمها وقيمها في المجتمع، أقصد الطبقة الطفيلية. وهذه بكل المقاييس هي طبقة غير منتجة تراكم ثروة مسروقة عبر أروقة ودهاليز الفساد الحكومي وغير الحكومي. ولم يقتصر هذا الضمور على الطبقة الوسطى، بل الطبقة العاملة كذلك حدث لها اختفاء واضح من نسيج المجتمع. لم تعد طبقة ولا عاملة.. كيف تكون هناك طبقة عاملة والبلد يفتقر للصناعة بفروعها المختلفة.. حتى استقر التركيب الطبقي لهذه المجتمعات على طبقتين لا غير.. طبقة ضيقة قليلة العدد نسبياً من الطفيليين والانتهازيين تدور بفلك الحزب الحاكم أو العائلة المالكة، التي صارت هي الدولة وطبقة واسعة وعريضة من المهمشين هي جل الشعب. ولأن التخريب متسلسل، سيرافق هذه الهجمة على البنى التحتية للمجتمعات هجمات شرسة على البنى الفوقية لها، سياسات قمع وتشريد وتغييب طالت كل النخب السياسية من أحزاب وجمعيات وتنظيمات مختلفة، تاركة أمام أنصارها ومؤازريها أحد أمرين لا ثالث لهما؛ أما التعفن في جحور أجهزة الأمن والقتل أو الرحيل إلى المنافي. الأمر الذي فرّغ الساحة تماماً من هذه النخب وحولها إلى ساحة لعب بلاعب وحيد هو النظام. ثم توالت متوالية التخريب بسياسة منظمة للتجهيل، سواء في مناهج التعليم أم بوسائل الإعلام. السؤال هنا؛ وسط كل هذه المحن والكوارث إلى أين سيتجه المواطن المغلوب على أمره والذي حُرمَ من أي سلاح للدفاع عن نفسه..؟ يقيناً سيرفع رأسه إلى السماء ليناشد الله ومن ثم يتوجه إلى بيت الله (المسجد)..!! لكن ماذا سيجد هناك..؟ مؤكد سيجد الشيخ والملا وما شابههم.. وماذا سيقدم هؤلاء المشغولون بهموم الآخرة وعذاب القبر لأولئك الغلابة المنتهكين..؟ لا شيء غير المزيد من الدعاء والإنغماس في تهيئة النفس لتجنب عذاب الآخرة. ولكي تكتمل الصورة؛ لم تترك الأنظمة مواطنيها، لقد تبعتهم إلى هناك، إلى المسجد، بحملات دينية كان عنوانها العريض في العراق (الحملة الإيمانية) وفي بلدان أخرى تقارب وتصالح مع الدين على صعيد القوانين أو التسهيلات.. هكذا تكون الأرضية قد مهدت وسويت تماماً للبدائل القادمة بعد أنظمة الاستبداد والقمع.. وهذا الذي حصل وسيحصل.
إذن ما وجه الغرابة حين نرى الشعوب اليوم وقوداً وحاضنات اجتماعية للتيارات الدينية السلفية وغير السلفية وبأشكالها الأشد تخلفاً..؟ حين تختفي من بنية اي مجتمع فئات وشرائح وطبقات إجتماعية بكاملها.. عندها ستصبح النخب السياسية التي تعبر عن مصالح هؤلاء كأنها طيور محلقة في الهواء.. قد تكون أشكالهم جميلة ألوانهم خلابة لكنهم للأسف لا يقفون على الأرض.. وهذا ما جعل ويجعل النخب اليسارية والديمقراطية منشغلة بخلافاتها وانشقاقاتها والمزاودات فيما بين أطرافها أكثر من انشغالها بدراسة وتمحيص ما جرى ويجري في مجتمعاتهم من تحولات بنيوية مخيفة.. حتى البرامج التي يرفعونها لم تعد تختلف عن ما يرفعه ويقوله الأصوليون الإسلاميون إن كانوا من اخوان مسلمين أو أخوان شياطين.. الجميع يتشدق بالديمقراطية والحرية والتعددية والتنمية وغيرها من الشعارات. إذن ما وجه التمييز في برامج اليسار..؟
للأسف، لم يعد أمام اليسار من حاضنة اجتماعية وسط هذا التدين الجارف للشعوب، حتى غدت الديمقراطية (بجلال قدرها) مدعاة للسخرية على لسان الاسلاميين الذين كانوا يعادونها وحتى وقت قريب يعتبرونها بدعة من الكفر، ها هم اليوم ولسان حالهم يردد (تريدون ديمقراطية.. تفضلوا.. نحن الأكثر.. تريدون ديكتاتورية.. نحن لها). لم يعد أمر تطور مجتمعاتنا تطوراً (إقتصادي – اجتماعي) طبيعياً يفرز ما يفرزه خلال مسيرته من فئات وطبقات وجماعات تكون لها أهداف خاصة بها وتبحث عن من يتقدم لتحقيقها. ومن المؤكد في ظل هكذا فراغ من أهداف معاصرة وآنية لا محال ستتم العودة إلى الماضي بعقده ومشاكله.. العودة إلى مواصلة صراعات الماضي المدجج بكل أنواع الأسلحة مع حاضر هزيل لا شكل له بعد. الآن، إذا لم تكن هذه هي الفوضى الخلاقة فبماذا يمكن توصيفها.. والسؤال الأهم؛ أهي مسبقة الصنع في الخارج أم هي حصيلة تفاعلات الداخل بعد أن مهدت أرضيتها أنظمة الإستبداد..؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - في الوعي الماركسي
إيمان البغدادي ( 2016 / 10 / 6 - 23:04 )
كل دارس للإقتصاد الرأسمالي لا بد وأن يدرك أن المواجهة بين الاتحاد السوفياتي والغرب انتهت بانهيار الرأسمالية العالية في السبعينيات والاتحاد السوفياتي تفكك بفعل قوى داخلية في التسعينيات
الذين يقولون بانهيار الاشتراكية في مباراتها للرأسالية لا يفهمون في الاقتصاد ولا يتابعون التاريخ
في العام 1971 فقدت الولايات المتحدة غطاء نقودها الدولار وهو ما يعني دون أدنى لبس انهيار النظام الرأسمالي


2 - الماركسية الوثنية.. من أسوا التيارات الشكلية
حميد خنجي ( 2016 / 10 / 7 - 00:05 )
اسم جديد وهمي ( إيمان) .. ضمن سلسة الأسماء الوهمية التي يخترعها أستاذ الاقتصاد السياسي (فؤاد النمري). ومن هنا فإن إيمان البغدادي، أضحى رقما صفريا جديدا في عائلة فريق النمري
هذا الفريق لا يعرف شيئا عن الماركسية، عدا الدوغما والتحجر والتكلس والخزعبلات، التي لصقت أو ألصقت بالماركسية، خاصة من جانب مؤلهي ستالين. بالنسبة لهم؛ ستالين أهم من ماركس نفسه! لا يستطيع هذا الفريق تطبيق ماركسية خلاقة (يسمونه انحرافا يمينيا)، الذي يعني اول ما يعني؛ الحياد العلمي والنظرة الموضوعية والإبتعاد عن الشخصنة وخاصة نبذ التاليه والمبالغات في قدرة هذا الزعيم أو ذلك (من هنا كان هاجس ماركس.. حينما قال - أنا لست ماركسيا، أي بمعناه السوقي). لقد فشل هذا الفريق حتى في تقييم شخصية إشكالية مثل ستالين! لقد صدقت الزميلة؛ -نجاة طلحة- من أنك ستصاب بسوط الستالينيين سواء أتفقت معهم أو أختلفت


3 - مقاله تستاهل القراءه والتفكير بس العراق ليس كله سو
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2016 / 10 / 7 - 05:11 )
العراق ليس كله سواد وحتى التدين ليس في كثيره عقبه وشكرا


4 - الدوغمائي حميد خنجي
إيمان البغدادي ( 2016 / 10 / 7 - 05:58 )
حميد خنجي يبشر بتطوير وتجديد الماركسية وبذات الوقت يهاجم كل من يقول رأياً غير رأيه المتفق مع ماركسيته فماذا لو قال فؤاد النمري رأياً يقول بموت الرأسمالية الذي لا يراه خنجي
هناك ألف عالم إقتصادي أميركي يقولون بموت الرأسمالية
وزير المالية البريطاني يصدر اليوم كتاباً جديداً يقول الرأسمالية في أزمة مخففا الوطئ على انصار الرأسمالية ومنهم خنجي
خنجي لا يملك تفسيراً واحدا لبقاء الرأسمالية
وإلا كيف يفسر الاحتلال الأميركي للعراق ثم الاصرار على الخروج منه رغم دعوات العراقيين ببقائها

فسر لي هذا كي أنبذ عدوك فؤاد النمري وأنضم إليك
هل لك يا حميد أن تكتب شيئاً يثبت بقاء الرأسمالية؟؟


5 - السيد حميد خنجي
فاخر فاخر ( 2016 / 10 / 8 - 10:07 )
عندما تفلس في الرد على الكاتب او الكاتبة تلجأ إلى اسلوب تعلمته حضرنك من الزيرجاوي وهو التشكيك في شخصية الكاتب
لنفرض كما افترضت ان النمري يتداخل باسماء مزورة وهو حق له إذا ما صح
لكن عليك قبل أن تعلن فشلك أن ترفض التعليق بالحجة
المعلقة ولعلها اعتمدت على كتابات النمري النشورة على النت قالت أن النظام الرأسمالي انهار في السبعينيات
فهل لك أن تثبت العكس بدل أن تشتمنا دون وجه حق
كيف تكون الولايات المتحدة رأسمالية إمبريالية وهي دينة ب 20 ترليون دولار؟
هذه المسألة تحديدا هي التي تفرز الماركسي عن غير الماركسي وليس السباب والعبارات الجوفاء التي لا تدل إلا على الإفلاس
ودعك من اتهامي بأنني النمري فهو لا يعفيك من التحدي

اخر الافلام

.. توسع الاحتجاجات الجامعية في أنحاء العالم


.. إجراءات اتخذتها جامعات غربية بعد حرب إسرائيل على غزة




.. استشهاد فلسطينيين أحدهما طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزلا شر


.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع




.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر