الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنتخابات البرلمانية المغربية: أصوت أم أقاطع؟

يوسف الفتوحي

2016 / 10 / 6
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


يشبه الأمر، إن توخينا التبسيط الشديد، الثنائية المانوية manichéenne (خير/شر). فالواقع العالمي ينقسم اقتصاديا وسياسيا على طرفين: من جهة أولى، توجه نيوليبرالي متطرف، بما هو أيديولوجية وسياسة الرأسمال العالمي (الشركات متعددة الجنسيات الكبرى، وكارتيلات البترول والأسلحة، واللاعبون الكبار في الأسواق المالية) ، والذي يفرض ويصرف بوساطة المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، منظمة التجارة العالمية ....). تتمثل أركان هذا التوجه بشكل أساسي في إلغاء جميع القيود التي من شأنها أن تقيد حركة الرساميل أو تضيق من هامش ربحها. وأهم هذه القيود التي تعمل المؤسسات المالية الدولية على تقويضها هو ما تبقى من استقلال نسبي للاقتصادات الوطنية في بعض بلدان الجنوب (الحماية الجمركية، قطاع عام قوي، استقرار قيمة العملة الوطنية، نظام ضريبي تصاعدي على الدخل، أي من يكسب أكثر يؤدي أكثر، التحكم في الأسعار وربطها بالأجور وبالتالي بالقدرة الشرائية، الخدمات العمومية والحماية الاجتماعية التي تكفلها الدولة للمواطنين من أموال الضرائب والمساهمات المختلفة التي يؤدونها). وتشكل المديونية الخارجية أهم وسيلة ضغط تفرض عن طريقها المؤسسات المالية برامج ماكرو-اقتصادية نيوليبرالية، تنفذها الحكومات المحلية صاغرة مهما كانت خلفيتها الأيديولوجية (ليبرالية صريحة، اسلامية...)، لكن يبقى القاسم المشترك بينها هو لاديمقراطية أنظمتها. ومعلوم مفعول هذه السياسات على توزيع الثروات، إذ لا تفتأ تعمق الهوة أكثر فأكثر بين الفقراء والأغنياء عالميا ومحليا وتوسع رقعة الفئات المقصية والمهمشة.’ أما الطرف الثاني في هذه الثنائية فهو طيف غير متجانس من القوى والحركات المقاومة لهذا التيار النيوليبرالي الجارف، في جميع تجلياته الاقتصادية والسياسية والثقافية. قد تتولى هذه المقاومة حركات سياسية (في الأغلب الأعم يسارية)، أو اجتماعية جماهيرية، أو دولتية (العديد من دول امريكا اللاتينية). ويتأرجح ميزان القوة بين الطرفين حسب درجة المد والجزر في حركات المقاومة، غير أن قوة الرساميل تبقى إلى حدود الساعة هي الماسكة بخيوط الواقع العالمي، رغم ما تعرفه دوريا من أزمات ورغم ما تتكبده أحيانا من ضربات المقاومة، إلا أن هذا لا يعني أن الأمر يتعلق بقدرية مغلقة، بل هناك دائما حقل من الممكنات والبدائل تلوح ملامحها في الأفق بالتناسب مع درجة تنظيم وتحالف القوى المقاومة في جبهات محلية وعالمية.
لا يشذ المغرب عن هذه اللوحة، بل هو حقل من حقول هكذا تجاذب. تشكل المؤسسة الملكية، وما يطوف في فلكها من لوبيات قوة وشبكات ريعية، وكيلا محليا للمؤسسات المالية الدولية ومطبقا مجتهدا لإملاءاتها، لا يحكمها في ذلك إلا اعتبارين أساسيين، هما ضمان مصالحها الخاصة إلى جانب مصالح الرأسمال المعولم، والتوجس من الانفجارات الشعبية. أما طيف الأحزاب السياسية المؤثتة للعبة السياسية الرسمية فما هي إلا "علبة أدوات" لتجديد مصداقية هذه المنظومة، و"قفازات" لتنفيذ "الأعمال القذرة"، أي السياسات النيوليبرالية المضرة للغالبية الساحقة من الساكنة، فضلا عن أن النخب الحزبية نفسها تشكل جزءا من شبكات النفوذ والمصالح الريعية المحيطة بالقصر. من هنا يتبين جليا أن الفرق بين الأحزاب السياسية التي تعتلي دوريا سدة الحكومة (وليس الحكم)، هو بالضبط الفرق في درجة "جرأتها"، أو قل وقاحتها، في إنزال تلك البرامج التي تبلوَر جيلها الأول في خطط التقويم الهيكلي 1983، وجيلها الثاني في "تقرير البنك الدولي 1995". من هنا نفهم أن حزب العدالة والتنمية كان هو التشكيل السياسي الأكثر تفوقا من حيث قدرته على تمرير الحلقات المتبقية من هذه البرامج النيوليبرالية (المسماة إصلاحات)، والتي لم تستطع حتى "الأحزاب الليبرالية الصريحة" أو تلك التابعة بشكل مباشر للقصر من تمريرها (تحرير الأسعار ورفع الدعم، التسريع بإفلاس التعليم العمومي المجاني، ضرب الحماية الاجتماعية من خلال "إصلاح نظام التقاعد"، لجم الحريات النقابية وخصوصا الاضراب، تحرير قيمة الدرهم.....)، فضلا عن سكوته بل ودعمه العملي للفساد: أي اقتصاد الريع بمعناه الشمولي، والاستبداد: أي لجم الحرية بجميع معانيها (تمرير قانون الوصول إلى المعلومة، محاكمة الصحافحيين ...)، خصوصا وهو يغلف خطابه التبريري بهالة دينية ويوجد على رأسه زعيم شعبوي.
من هنا ينفتح المستقبل القريب على احتمالين: إما أن حزب العدالة والتنمية وأمينه العام سيمنحان ولاية ثانية، كنتيجة منطقية لكفاءتهما في لعب الدور المنوط بهما، فتكون بذلك مسيرة الدار البيضاء مجرد حركة كاريكاتورية أريد لها أن تجدد التعاطف مع بنكيران وحزبه. وإما سيتم رميه بعد استعمال واحد، لسبب رئيس هو أن التفكير الماكيافيللي للدولة يجعلها تتوجس من اكتساب أي مكون سياسي لحجم أكبر من الذي هو مسموح له باكتسابه، خاصة إذا ما استحضرنا المنهج الثابت للحركات الاسلامية التي تتمسكم حتى التمكن من جهاز الدولة فتغرز فيه أنيابها ومخالبها، وعلى الأخص أن الاسلاميين ينازعون الملك نفس مصدر المشروعية، أي الدعامة الدينية. إلا أن الاحتمالين معا يحكمهما نفس المنطق. وهو ما يجعلنا نفهم تلويح بنكيران بتهديدات مبطنة بزعزعة الاستقرار إن هو رمي بعد استعماله.
في مقابل هذا النسق لا توجد في المغرب قوة مقاومة قادرة على تعديل موازين القوى، وبالتالي كبح سيرورة التقويض النيوليبرالي هذه، بل توجد بذور مقاومة كامنة، مشتتة وضعيفة، ومفتقرة إلى الانغراس الشعبي، موزعة بين تيارات وأفراد ناشطين في التشكيلات اليسارية الموجودة على هامش اللعبة السياسية الرسمية، ومناضلين نقابيين وجمعويين في الغالب خارج مواقع القيادة، ومثقفين وفنانين فرادى، وطاقة شبيبية كبيرة لكن كامنة تتمظهر بين الفينة والأخرى، خصوصا في التعبيرات الفنية والثقافية الهامشية.
شكلت حركة 20 فبراير مناسبة اسثنائية لتلاقي بذور المقاومة الكامنة هذه. ورغم أن الحراك آل إلى الخمود إلا انه أحدث رجة - قد تكون غير مرئية بشكل سافر- في وعي هذه المكونات وأمدها بجرعة من الأمل والثقة في قدراتها على الفعل. هذا ما يفسر التفاف جزء كبير من المثقفين والفنانين والشباب حول فيدرالية اليسار الديمقراطي في حملتها الانتخابية الحالية. ليس لأن الفيدرالية تشكل المنقد والمخلص، فهي لا تعدو أن تكون تشكيلا تنظيميا عرضيا ولا يعدم أن يتواجد الانتهازيون من داخله، وليس رهانا على صعودها إلى الحكومة وتغيير الوضع من داخل النسق فكلا الأمرين وهم خالص، وإنما لأن الأمر يتعلق بفرصة أخرى لتجميع القوى المقاومة واختبار خطابها في تواصل مباشر مع الساكنة خلال الحملة، والصدح كخطاب محرج وفاضح للنسق من داخل البرلمان إذا قيض لمرشحي الفيدرالية ولوجه. إنها مجرد محطة من المحطات وجبهة من الجبهات، ليست بأي حال من الأحوال بديلا عن الرهان الأساسي، الذي هو بناء قوة مضادة مستندة إلى الشارع، ليس بمعناه الغوغائي، وإنما من خلال المساهمة في بناء أدوات المقاومة الثقافية والاجتماعية الذاتية للساكنة بدءا من الفرد، كشرط لازم لتعديل موازين القوة، وبالتالي بناء الديمقراطية، وإحلال العدالة الاجتماعية، وغرس الكرامة في وعي الموطنين الأفراد قبل فرضها كغاية لسياسة الدولة.
من كل هذا يبدو الجدال بين المناضلين اليساريين، حول صواب أو خطأ موقفي المشاركة أو المقاطعة جدالا عقيما. فليشارك من يشارك وليقاطع من يقاطع، الأهم أن يكون الجميع على وعي برهان المقاومة وتكون الممارسة والخطاب خادمين لهذا الرهان سواء من داخل أو من خارج البرلمان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اشتباكات بين الشرطة ومتظاهرين مؤيدين لفلسطين في أورلاندو


.. فيديو: ابنة كاسترو ترتدي الكوفية الفلسطينية وتتقدم مسيرة لمج




.. Vietnamese Liberation - To Your Left: Palestine | تحرر الفيت


.. آلاف المحتجين يخرجون في مدينة مالمو السويدية ضد مشاركة إسرائ




.. اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية والمتظاهرين المطالبين بإسقاط