الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبدت نفسي

رشيد العالم

2016 / 10 / 7
الادب والفن


عبدت نفسي
أهيم في أغوَار نفسِي، أنظر إلى زجاجها فأراني ولا أرى نفسي. عبثا أحَاولُ اخترَاقِي دُونَ تحْطِيمِي.. أصيخُ إلى بآذان رُوحي، إلى صَوتِ ذاتِي الأخرى التِي تنظرُ إليَّ من وَرَاء الفضَاء، وتنظرُ إلى ظلمتِي الدَّامسة من ورَاءِ حُجبِ الأنوَار الأزليَّــة، عَلي أسمع صَوتهَا العُلوي، وأرَى لمحَتهَا الخَفية، فأعرفَ طريقـِي إلى نفسِي التي أشتاق إلى مُعَانقتهَا قدرَ شغفِي ببُلوغ مَعرفتِهَا، مَعرفة تصُوننِي مِن شرَاكِ نفسِي التي تعكسُ ألوَانـًا قزحيَّة ثم تختفِي في لونِهَا الأصليَّ اللامرئِي، الذِي لا تبصرهُ عُين مُبصِر، ولا يكتبهُ قلــمُ شَاعِر، ولا ترسمُهُ ريشــة فنـَّـان، ولا تجلـِّـيه عَصَى سَاحِر..

أخلعُ جلبابَ زُهدِ ظلالي القدِيــم الذي لم يَكن سِوَى تعلق بظاهِر النفس، وانغماسًا حَدَّ الجنون في عِبَادَتِهَا..أي نعَم !! كنتُ أعبُدُ نفسِي، حينمَا جَهلتُ خَـالقهَا..كنتُ أعبدُ نفسِي حينمَا تعلقتُ بأذيَالهَا وهي ترشدنِي إلى غياهب الكهوف الدامِسَة، بَدَل التعلق بسلمِ الضيَاءِ السَّمَاوي وهو يَمتد نحوي ليُرشِدَنِي إلى خالــقِ النـَّـفس والمَعرفة.

كنت أصلــِّي لهَا.. ولا أغفلُ عَن ذكر أورَادِهَا بالليل والنهَار.. حَتى كدتُ أنصبنِي إلهَا عَلى نفسِي.. بل نصَّبتنِي إلهَا عَلى نفسِي، حينمَا قلت لنفسي: أنا رَبُّكِ الأعلــَى، ولم أقل لأمَّارتِهَا اخلعِي نعْلـَـيْكِ واسجُدِي..
عَبدتُ نفسِي حَتى صِرتُ أشبَهَ بصَنمٍ مُتحجِّر..
عبدت نفسي حتى كفرت وجَحَدتُ ألوهِيَّــتِي..
فهَا أنا ذا أصيحُ: مَاتَ إلهـِي..مَاتَ إلهـِي..الذِي لم يَكنْ غيري.. اندثرَتْ ألوهِيَّـتِي فعدتُ إلى إنسَانيَّتِي من جَدِيد..

أنزعُ عني الألبسةِ التي كانت تلفُّ نفسِي كل بألوان قزحية خفيَّة وأخرى ظاهرة، من خلال تلك الأغطية الثقيلـَة التِي كانـَتْ تحجُبُ نفسِي عَن نفسِي..أدرَكتُ أنَّ نـَفسِي مُغلـَّـفة ٌ..بأغلفـَـةٍ مُتعدِّدة بتعدُّد أحوال النفس وصِفاتهَا وخصَالها.. وَكلمَا أفلحَ سَالك المَعرفة في نزع أغلفتِهَا، تجلتْ لهُ حَقائقهَا..وكلمَا نزَعَ عَن حَقائقهَا أوهَام الخيَال وخوَاطِر الأفكـَار.. التي تنفثُ الظـَّلامَ بدَلَ الضِّيَاء، كلمَا زاد تعمقهُ في فهم حَقيقةِ ذاتِــه..

الإنسان جاهلٌ بنفسِهِ، وسيظلُ كذلكَ مَا لم يَخُض تجربَةِ السَّفر الطويل المُضنِي في سبيل هَذِهِ المَعرفةِ التِي لا يتأتـَى تحْصِيلهَا إلا بالمُجَاهَدَةِ الرياضيَةِ و إزدراء النـَّـفس و جَلدِ طغيَانِهَا وكسر أنفتهَا.. لأن النَّـفس فِي لبِّ الإنسان عَينٌ مُغمَضَة، وحَقيقة مَطمُورَة فِي بوتقة الأنـَا، وفي كيَان الذات التي تشتاقُ إلى مُعَانقةِ المَعَانِي الرُّوحيَّة، غير أن الاتصَالَ بهَذِهِ المَعَانِي والتحلي بها لا يتمُّ إلا بالبحث عن قنديــل منير، مُشع، تهتك له براقع الغياهب وأستارها، فيَرتقِي فيهَا الإنسان مَرَاتبَ البحث إلى مَقامَاتِ المَعرفــَةِ.

فمَعرفة النفس رحْلة والرِّحلة مَعرفة، ومَن فشلَ فِي الرِّحلةِ ولم يُتمُّ أطوَارَهَا، فشلَ فِي تحصِيل المَعرفة، أو حصَّل مَعرفة مُشوَّهَة، قد تضللهُ بدَل أنْ تقيهِ أخطارَ الطريق.
إنهَا مَعرفة جَليلة القدر..رَفيعَة المقام، غاليَة المَهْر، ثمينة الدُّرَر، عَزيزة المَطلب.. وَمن طلب هَذِهِ المَعرفة التِي لا تقرأ ولا تكتبُ ولا تسمع..فقد طلب السُمو الرُّوحِي..ومن مَات دُون أن يَعرُج في مدارجها العَــالية ويشاهد شمُوسَهَا المُشعشِعَة، فقد مَاتَ ميتة حيوَانية.. لأن قيمَة الإنسان هو مَا حصَّله من مَعَارف ترتقِي به فِي مدارج الجَمَال والحِكمَةِ والكمَال.
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر