الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تشويه الآخر تحت سقف الوطن

يوسف أحمد إسماعيل

2016 / 10 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


" كلّ المواطنين السوريين أبرياء، كل المواطنين السوريين على صواب، كلّ المواطنين السوريين يكرهون الإرهاب، كلّ المواطنين السوريين يحبون الوطن ويتغنون به، كلّ المواطنين السوريين يمقتون الاستبداد، كلّ المواطنين السوريين يحبون الحياة "
لن أسأل بعد تلك المقدمة السؤال البدهي : من الظالم ومن المخطئ ومن الإرهابي والخائن للوطن والكاره للحياة وللمستبد إذاً ؟! فالمقدمة التي بدأت بـ " كل المواطنيين " تمهد للكل أيضا للتنصل من المسؤولية، ولذلك سأذهب بشكل مباشر إلى مبضع الجراح لعله يكشف العلة دون حرج.
فبعد أكثر من خمس سنوات من القتل والتدمير والتشريد تنافرت المواقف وتبددت العزائم واختلطت الآراء والمواقع ؛ فمن كان وطنياً بالأمس أصبح في نظر البعض، من أصدقائه، مِن الخونة والمارقين على ناموس الشعب ، أو مِن الانتهازيين النفعيين ، أو مِنْ عشاق البترودولار ، أو مِن المصابين بلعنة الطائفية ، أو ممن عميت بصيرته عن رؤية الحق الأبلج . ومَن كان فكره محطّ إقبال المتنورين اليساريين بشكل خاص أصبح اليوم تافه الفكر والرؤية ، منذ أن باع نفسه في سوق النخاسة الخليجي . ومن كان بالأمس انتهازيا في سوق السلطة غدا معارضا عتيدا .
تلك الصورة الهزلية والمأساوية في الوقت ذاته ، تتلبس أغلب السوريين ، ومن تتلبسه تلك الصورة فهو في قفص الاتهام ؛ أي أنه متهم بتشويه الآخر تحت سقف الوطن ؛ بمعنى أن كل سوري غدا يتهم الآخر بالخيانة أو الانتهازية أو العمالة أو الإرهاب أو العمل في سوق النخاسة ، انطلاقاً من رؤيته الذاتية للصراع السوري بعامة . وقد ازدادت الرؤية وضوحاً عند كل سوري أمام ذاته مع تعقد الصراع واستمراريته وشموله ؛ فهذا يدافع عن جبهة النصرة تحت سقف الوطن و " الثورة " ، وذاك يدافع عن الميليشات الطائفية تحت سقف الوطن وشرعية النظام ، وآخر يمجد قصف الطيران الروسي وتدميره الشامل متوهما أنه قصف سوفيتي لجزر إمبريالية في بحر الصين ، ومن تحت الأنقاض يخرج العاجز ليصرخ مستنجداً " واااا أمريكا " !
وعليه فقد هيمنت على وعي المواطن السوري فكرة تخوين الآخر المختلف عنه في الرؤية والموقف أو في الجغرافية ؛ إن كانت الجغرافية داخلية ـ مثل حلب الشرقية وحلب الغربية أو مثل اللاذقية وإدلب ـ أو الجغرافية الخارجية ـ مثل سورية ولبنان أو سورية وتركيا أو سورية وألمانيا ـ فمن بقي في سورية يتهم من خرج منها بالخيانة الوطنية ، ويصرخ بين الحين والآخر " لا نريد تعاطفكم ودموعكم المزيفة " ممثلا من نفسه نصباً شامخاً لرمز التضحية تحت سقف الوطن على الرغم من أن الصورة الموضوعية تقول بأن الحالات الداخلية للشعب السوري تدخل في الظروف الآتية :
ـ مِن المواطنين مَن بقي في مدينته آمنا من القتل والملاحقة أو التدمير بالصدفة أو بغيرها بحكم أن الحروب لا تصيب الجميع بشكل مباشر .
ـ مِن المواطنين مَن لم يستطع الخروج من موقع عمله البهيّ الآمن ، إلى حدّ ما ، حتى لا يتحول إلى معارض بالصدفة ، وهو الذي لا يملك ؛حضناً أدفأ من حضن النظام .
ـ مِن المواطنين مَن لم يجد ملاذاً آمناً أكثر من موقعه المهدَّد داخل الوطن، فآثر الانتظار إلى أن تحين الفرصة الأفضل ، هذا إذا أخطأته القذيفة أو مال البرميل عنه قليلا او لم ينتبه إليه الصاروخ القادم !
وإلّا كيف نقيّم موقف الانتهازيين وتجار الحروب ورجال العصابات والمهربين والبسطاء والدراويش وقليلي الحيلة والمبادرة، وضعيفي الحال ؟ ! هل كل تلك الصور تعبر في بقائها داخل الوطن عن التضحية في سبيله ، ومن خرج يعبر عن بيعه ؟ !
هذا الشعور تحت سقف الوطن طال القاطنين في الجغرافية السورية برمتها أيضاً؛ فالقاطن في اللاذقية ينظر إلى القاطن في إدلب على أنه عميل لأمريكا على الرغم من أنه يموت من الجوع والحصار والفقر التاريخي المتراكم قبل " الثورة " وبعدها . والقاطن في إدلب ينظر إلى القاطن في اللاذقية على أنه باع نفسه لإيران وموسكو والمليشيات الطائفية ، وابن حلب الغربية ملّ من الخوف والانتظار وبعض القذائف المتناثرة ، فبدأت تمنياته بالإعلان عن نفسها ، وتتمثل بتدمير كليّ وسريع وماحق لمناطق سيطرة المعارضة المسلحة بغض النظر عن سكانها المدنيين ، إذ لابد من الخلاص ، فتلك الجحور لم تعد قابلىة للحياة إلى جانب حلب الغربية ، حتى وإن كان ساكنها بعض إخوته ورفاق طفولته !
وبالابتعاد عن الجغرافية الداخلية والخارجية وبمقاربة المواقف والرؤى أرى أن صديقي اليساري بالأمس يشيد بعناصر القاعدة السورية رغبة في تحقيق الانتصار على النظام ، وإن كان بيد داعش وأمثالها ، أو صديقي اليساري الآخر بالأمس أيضا تتلبسه الرؤية النمطية للواقع كما كانت بعد الحرب العالمية الثانية وانقسام العالم إلى قسمين ؛ إمبريالي وبروليتاري ، فحسب ، ويأخذ بتحليل المعطيات والتطورات وفق ذلك فيصل إلى نتيجة مفادها أن صديقه الذي شاركه الهم والفقر والجوع ومازال ، هو انتهازي أو عميل أو عاشق للدولار بمذاقه البترولي أو دونه .
وبين كل تلك الصور المتناقضة، والبروز الفجّ لصراع المصالح بين المتصارعين الدوليين والإقليميين والداخليين ، لم ينتبه أو لم يتعظ أو لم يتعقّل المواطن السوري الذي يشوّه الآخر تحت سقف الوطن جاعلا من نفسه مثالا ونصبا للتضحية على الرغم من أن شبكة العلاقات في الصراع على الجغرافية السورية لا تشجع عاقلا للوقوف على ضفة جبهة من الجبهات وإن ادّعت أنها تدافع عن الوطن، لأن الوطن لا يُبنى بالدماء، خاصة دماء الأطفال الأبرياء والمدنيين والمهجّرين والهاربين من الموت خارج مدارسهم و أحيائهم ومدنهم ووطنهم ؟! وإنما يُبنى بالقدرة على رؤيته خارج الأنا المتمثلة بالرغبة في السيطرة ، إن كانت دولية أو إقليمية أو حتى داخلية ؛ فكل هؤلاء يدافعون عن ذواتهم الخاصة، وليس عن وطنكم السوري ، ولذلك هم من يستحقون التشويه تحت سقف الوطن وليس شركاؤنا في الوطن !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله