الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السينما والصحافة -1- فيلم كلّ رجال الرئيس

حسين علوان علي
(Hussain Alwan)

2016 / 10 / 9
الادب والفن


– All the President s Men -

موضوع فيلم (All the President s Men ) الأميركي المُنتج عام 1976 يخص بإطاره العام الفضيحة السياسية المعروفة بـ ( ووتر غيت)، وهي من أكبر الفضائح السياسية في تاريخ الولايات المتحدة، حيث ثبت بالدلائل تورط الرئيس الاميركي السابع والثلاثين ( ريتشارد نكسون ) عام 1972 بمحاولة التنصت على المكتب الرئيسي للحزب الديمقراطي المنافس لحزبه ( الحزب الجمهوري ) حول حملة الانتخابات الخاصة بتجديد منصبه لفترة رئاسية ثانية، وقد انتهت تلك الفضيحة باستقالته من منصبه كرئيس للولايات المتحدة واعتباره مذنبا حتى تولّى نائبه ( جيرَلدْ فورد) منصب الرئاسة وأصدر عفوا عن الانتهاكات التي اقترفها الرئيس نكسونْ. هذه الفضيحة السياسية والاخلاقية المدوية نَشرت فصولها العاصفة على الملأ وكشفتها صحيفة (واشنطن بوست ) وعن طريق صحفيين يعملان فيها هما ( كارل برنستين و بوب وودوارد ) بطلا فيلم ( كل رجال الرئيس)، الشخصيتان اللتان جسدهما الممثلان البارعان ( داستِن هوفمَن و روبرت رِدفورد) اللذان أدّيا أداء دراميا سلسا وتلقائيا الى حدّ بعيد أضافا فيه الى سجلّيهما الحافلين عملا دراميا ناجحا بامتياز حاز على العديد من الجوائز الدولية.
الفلم حصد عام 1977 أربع جوائز أوسكار ورشح لأربع منها في منافسة قوية مع أفلام ( روكي ) و ( نيتوورك) و ( تاكسي درايفر)، والفلم جاء اخراجا بتوقيع المخرج النيويوركي( ألِن جي بِكولا) وهو كاتب ومخرج ومنتج صنع العديد من الاعمال السينمائية الناجحة ومنها فيلمنا هذا الذي ركز فيه قبل كل شيء وبمعزل عن دوي الفضيحة السياسية تلك على التحديات الكبيرة التي واجهت الصحفيين الذين تبنّيا القضية، وعلى تفاصيل كشفهما الحقائق بما ميزهما من إصرار على تحقيق الهدف وتذليل مصاعب جمّة بأساليبهما الفعالة وحسّهما الصحفي الاعلامي الاستقصائي العالي.
الفيلم مبني على وقائع القصة الحقيقية التي صاغها الصحفيّان نفسيهما في كتابين منفصلين، وكتب السيناريو السينمائي له الروائي والسيناريست ( وليم غولدمان) الذي فاز بجائزتي اوسكار عن أعماله ومنها أوسكار أفضل سيناريو عن هذا الفيلم، فضلا عن كتابته لأكثر من ثلاثين سيناريو فيلم سينمائي وتلفزيوني. ولقد حرص الكاتب أشد الحرص على أن يكون الهدف الرئيسي للحبكة هو مابذله الصحفيان من جهود جبارة أفضت الى الكشف عن وقائع قضية فساد تورطت فيها عدة مؤسسات حكومية وأفراد متنفذون كان يمكن ان يشكلوا اكبر الخطر على حياتهما ومستقبل صحيفة واشنطن بوست العريقة بنفسها.
بعد عرض سريع ومختصر في مستهل الفيلم لعملية اقتحام ( مقر الحزب الديمقراطي ) ليلا من قبل فريق متخصص تجعله المصادفة قيد الاعتقال من قبل الشرطة، وبعد أن يصل الخبر الى مدير التحرير صباحا في جريدة واشنطن بوست، يبادر المدير الى تكليف الصحفي "بوب وودوارد" ( روبرت ريدفورد ) للتحقيق في هذا الحدث المثير الذي لم يكن لاحد ان يتصور انه سينتهي باستقالة رئيس البلاد في صفحة يصعب أن يطويها التاريخ على الاطلاق، وإذ يمضي وودوارد الى المحكمة لمتابعة القضية يدرك بحسه الخاص أن الكثير من الريبة والشك يلفها وان المتهمين باقتحام مقر الحزب في مجمع ( ووترغيت ) السكني يحضون بعناية في المحكمة من جهة معينة قد تكون جهاز المخابرات بنفسه، وكان هذا هو المدخل الى شحذ همته وصبّ اهتمامه على القضية، وسرعان ما يبدأ من هنا بتنفيذ اسلوبه الذي يعتمد على التتبع شديد التركيز على التفاصيل مهما كانت صغيرة ومحاولة لملمة خيوط قضيةٍ هو الوحيد الذي يشعر في دواخله باهميتها الكبيرة، بمعنى ان حسّ الصحفي الذاتي وحدسه الشخصي هما من اكبر الاسلحة التي يمكن ان يتسلح بهما، ولولاهما لما تتبع القضية مطلقا وهو يواجه التعامل الحذر ورفض التعاون معه من كل الذين يتصل بهم ولهم علاقة من قريب او بعيد بالقضية، ولو لم يكن الصحفي يتميز بحس مفرط في التحقيق وباستشعار متفرد وصبور للوقائع لما تميز عن الاخرين، ولكان بامكان اي شخص أن يتخذ الصحافة التحقيقية مهنة ناجحة.
يقوم مدير جريدة واشنطن بوست باشراك صحفي آخر في تتبع القضية، وهو الصحفي "كارل برنستين" ( داستن هوفمن)، وهو بدوره لايقل شكا وإلحاحا ومطاولة عن ( وودوارد )، وهكذا تحتم على الاثنين ان ينسقا فيما بينهما للعمل معا مهما بدا ما بينهما من اختلاف في الخبرة وطريقة النظر الى الوقائع. هنا بالخصوص تبرز الحاجة أمام الصحفي أن يتعامل بروح الفريق الواحد ويهيء نفسه لقبول جهود ومواهب زملائه ويتفاعل معها ايجابيا مادامت تساهم في تقدم سير العمل. سرعان مايدرك الاثنان ان هنالك الكثير من الموظفين والمسؤولين في مرافق الحكومة يضعون العراقيل امامهم ويمنعونهم من الوصول الى المعلومات في اجواء ملبدة بالغيوم والغموض ، وأنهما أزاء محنة كبيرة طالما تعلق الأمر بالحصول على معلومات حساسة تثبت تورط مسؤولين كبار، كيف سيتمكنا من الحصول على المعلومات والكل يخفيها ؟، وهما أعزلان من الأسلحة غير قلم ودفتر ملاحظات، بل حتى أن دفتر الملاحظات لايكفي ليضطرّ أحدهما الى الكتابة على أوراق الكلينكس وأوراق الحمام، بل حتى على ظهر علبة ثقاب، رقم تلفون على علبة ثقاب يمكن أن يطيح برئيس دولة، ويستمرّا في خضم ذلك الى تقليب اطنان المعلومات ومحاولة اللقاء بالعشرات من الناس وزيارة العديد من الاماكن والمؤسسات، حتى يلتقيا مصدرا مجهول الهوية بالنسبة لهما، مسؤولا ما يبدأ بمدّهما بالمعلومات او الخيوط والمفاتيح ليتابعا على هديها، المصدر الذي لم يتم الكشف عن هويته الا بعد سنوات طويلة وكان نائبا لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي.
في اصعب مراحل التحقيق والتعقيدات التي واجهتهما كان لدعم مدير الجريدة لهما حافزا للمطاولة والاستمرار على الرغم من الصرامة التي تميز بها وقسوته أكثر الاحوال، بل حتى مجازفته بسمعة الجريدة ومصيرها اذ يجد نفسه بمواجهة قوى حكومية متنفذة وسرية قد تطيح بكل من سيقف بمواجهتها، ولعل هذا الدعم شكل الدافع الاكبر لنجاح محاولاتهما والذي يبرز اهمية المساندة التي ينبغي ان يتلقاها الصحفي من الادارة ومتابعتها اللصيقة لأدق نشاطاته، ومن ثم نصحه بما يتوفر لديها من خبرة ومراس ورؤية شاملة. بعد ان يجازف مدير الجريدة بنشر مقالات صحفييه عن تفاصيل القصة التي توصلا لها ضاربا عرض الحائط بكل المخاوف، وحينما يبادر بشجاعة للوثوق بفريقه ويمنحه الفرصة ليبرزا الى العلن ويقرأ الراي العام الامريكي مقال الواشنطن بوست حول قضية الفساد تلك، سرعان ماينفرط عقد السرية والكتمان، ويتهاوى الكبار وتنكشف الحقائق بعد زوال حاجز الخوف، وسرعان مايستقيل الرئيس نفسه بسبب مقالات كتبها صحفيان لم يتهاونا ولم يستسلما لليأس والخوف، ولم يتوقفا عند الكثير من الموانع التي تراكمت امامهما. سرعان ماتهاوى كل رجال الرئيس واحدا بعد الآخر على الرغم انهم جميعا حاولوا التستر على الفضيحة وحرف مسارات التحقيق فيها. إنها قصة صحفيين وثقوا بأنفسهم وبعدالة المسعى الذي اتخذوه في الكشف عن فضيحة فساد على أعلى المستويات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |


.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه




.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز


.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال




.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا