الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-هبات الجنّيّات - قصيدة نثرية ل شارل بودلير ( مترجمة من الفرنسية )

حذام الودغيري

2016 / 10 / 9
الادب والفن


هبات الجنّيات

اجتمعت الجنياتُ في حفل كبير، لتوزيع الهبات على المواليد الجدد الذين وصلوا إلى الحياة في الأربع وعشرين ساعة الأخيرة.
كانت أخواتُ القدر العتيقاتُ المزاجياتُ، وأمهاتُ البهجةِ الغريباتُ مختلفاتٍ فيما بينهن: بعضُهن عابسات كئيبات، وأخرياتٌ مرحات ماكرات، بعضهن شابات، لا يشخن، وأخرياتٌ عجائز منذ الأزل.
حضرَ الآباءُ الذين يؤمنون بالجنيّات ، وكلّ يحمل وليده بين ذراعيه.
كانت المواهبُ، والَملَكاتُ، والحظوُظ السعيدة والظروف القاهرةُ مُكوّمة أمام كرسيّ القضاء، كمثلِ جوائزَ فوق منصة في حفل توزيع الجوائز. مع الفرْق ِ أن الهباتِ، هنا، لم تكن مكافأةً لمجهودٍ ما، بل كانت هبةً لمن لم يعش بعد، هبةً من شأنها أن تقرّر له المصير، وتكون مصدرا للسعادة أو للشقاء.
كانت الجنّيات المسكيناتُ منهمكاتٍ تماماً، فحشدُ المُسْتَجْدين كبيرٌ، والعالم الوسيطُ ـ الواقعُ بينالله والإنسان ـ يخضع مثلنا لقوانين الزمن الرهيبة، ولذرّيّته اللامنتهية: الأيام والساعات والدقائق والثواني.
و في الحقيقة، كنّ مصعوقاتٍ كمثل وزراءَ في يوم اجتماع، أو كمثل موظفي بنك التسليف، في يوم عيد وطني تُمنحُ فيه الإعفاءات المجانية. وكانت نظراتهن إلى عقارب الساعة الجدارية بنفادِ صبرٍ تشبه نظرات القضاة البشر الذين لا يستطيعون ، وهم الجالسون منذ الصباح، ألاّ يحلموا بالعشاء مع أسرهم وبنعالهم الوثيرة.
ولمّا كان في العدالة الفوقيّة بعض التسرع والمصادفة، فلا نندهش أن يطرأ ذلك أحيانا في العدالة البشرية، وإلا كنّا أنفسنا قضاةً غيرَ عادلين.
وهكذا حدثت، هذا اليوم، هفواتٌ قد نعتبرها غريبةًً لو كانت الحصافة لا المزاجية ما يميّز الجنّيات.
فقد مِنِحَتِ القدرة ُ المغناطيسية ُعلى اجتذاب الثروة إلى وريث أوحد لأسرة بالغة الثراء، مسلوبٍ من أي ميل للإحسان، ومن أي رغبة في طيّبات الحياة الظاهرة، فسينتهي به الأمر إلى الارتباك الشديد بملاينيه.
وكذلك مُنح حب الجمال والمَلَكة الشعرية، إلى ابن مُعْوِزٍ، حجّارٍ كما يبدو من هيئته، غير قادر ـ بأية حال ـ أن يدعم مواهب ذريته البئيسة، ولا أن يلبي احتياجاتها.
نسيتُ أن أقول لكم إن التوزيع في هذه الحالات المهيبة، لا يقبل أي استئناف، ولا رفض أية هبة.
وقفتِ الجنيات جميعهن، ظانّاتٍٍ أن عملهن الشاق اكتمل، فلم تبق هدية ولا عطية تُرمى لهذا الحشد الآدمي. عندما نهض رجل شجاع ـ تاجر صغيرـ فيما أظن، وأمسك جنّية بِقربِه من ثوبها البخاريّ المتعدد الألوان، وصاح:
" يا سيدتي! نسيتُمونني! هناك أيضا صغيري! لم آتِ لأرجع بلا شيء"
كادت الجنّيةُ أن ترتبك ؛ فلم يتبقّ أي شيء. لكنها سرعان ما تذكرت قانونا شهيراً، قلّما يُطَبّقُ في العالم الفوقيّ الذي تسكنه آلهة غير محسوسة، صديقة للبشر و تضطرّ غالبا إلى مجاراتهم في أهوائهم ـ من قبيل الجنيّات والسِّلفات والسمندلات، وحوريات الماء والبحر ...ـ أعني القانون الذي يسمح للجنّيات، في حالة استنفاد الحصص، بهبة إضافية، استثنائية شرطَ امتلاك الخيال الكافي لخلقها توّا.
وهكذا، أجابتِ الجنّية الطيبة، برباطة جأش تليق بمكانتها: "إنني أمنحُ ابنكَ...أمنحُه...موهبة القبول! "
"لكن، كيف القَبول؟ القبول...؟ لماذا القَبول؟" سأل البقّال الصغيرُ بعنادٍ، ولا ريبَ أنه من جملة المجادلين الكثر الذين يعجزون عن الارتقاء إلى منطق العبث.
"لأنّ! لأنّ! " ردّت الجنّية حنِقةً وهي تدير ظهرها له؛ و فيما كانت تلتحق بموكب رفيقاتها قالت لهن: "كيف تجدن هذا الفرنسي التافه المغرور، الذي يريد أن يفهم كل شيء ويتجرّأ، بعدما فاز بأفضل نصيب لابنه، أن يعترض وأ ن يناقش ما لا يناقش؟"

Les dons des fées - Charles Baudelaire








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح