الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلة انهيار الاتحاد السوفياتي

فالح الحمراني

2005 / 12 / 28
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


مرت الذكرى السنوية لانهيار الدولة الكبرى التي كان اسمها الاتحاد السوفياتي هذا العام دون اهتمام.فلم تعقد الندوات ولاالمؤتمرات لدراسة التجربة التاريخية للامبراطورية السابقة، كما تدرس الامبراطوريات الغاربة. فهل تجاوز الروس فترة النقاهة من مرض الحنين للدولة التي افتخروا بها؟ وامنوا بما قيل من ان من الجنون الدعوة لاعادة الاتحاد السوفياتي.وما الذي جعل الدولة العملاقة تختفي دون حرب، من على مسرح التاريخ قبل ان تكتمل القرن من حياتها؟.
في 25 ديسمبر عام 1991 حينما كان العالم الغربي منغمرا بالاحتفالات بعيد الميلاد ظهر الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف فجأة على شاشات التلفزيون وقد لاحت على قسائم وجهه امارت الحزن. اطل غورباتشوف مهدما بلغ بين ليلة وضحاها من العمر عتيا. وتلا بصوت تشوبه البحة، على الامم القاطنة في فضاء الاتحاد السوفياتي كلمة كانت بمثابة قرار حكم بالموت على الدولة العظمى، القرار الذي نجمت عنه تداعيات الحقت الكوارث، ليس بروسيا والجمهوريات الملحقة بها فقط بل بالعالم ككل.اعلن غورباتنشوف انه يرحل بطواعية عن منصبه كرئيس لثاني اعظم دولة في العالم حينها، كان اسمها الاتحاد السوفياتي، ليعطي الضوء الاخضر لشطبها من على خارطة العالم.وسبق ذلك الحدث اجتماع زعماء روسيا وبيلاروسيا واوكرينا ليعلنوا حل الاتحاد السوفياتي.ولحد الان هناك من يرصد وجود مؤامرة " امبريالية" وراء القرار، ولكن الاكثر العقلانية ينظرون في الاسباب الموضوعية التي ادت الى الموت البطئ.وربما شئ من هنا واخر من هناك.
وفي الليلة ذاتها ودون مراسيم او ضجة، وتحت جنح الظلام جرى بعجلة انزال علم الاتحاد السوفياتي من على قصر الكرملين: رمز السلطة في روسيا، ليرتفع مكانه علم الدولة الجديدة التي ستسمى روسيا الاتحادية. في تلك الليلة البعيدة لم يدافع احد عن الامبراطورية الغاربة.وخرجت جماهير بعدد غير كبير، كانت في الحقيقة كتلة من الغوغاء اكثر منها جماهير تتحرك بوعي وارادة( لانها ستعود وتندب موت الدولة الكبرى، وهناك اليوم 60% من الروسي يشعرون بالحسرة على الاتحاد السوفياتي) مؤيدة انهيار الدولة العظمى، وتلوح باعلام روسيا ومهللة، كما توهمت حينها، لعصر جديد من الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة، هذه الجماهير ستشعر بعد حين بشعورها بالاحباط من النظام الذي عقدت عليه الامال، وتوجهت لساحة "ديرجينسكي"( لوبيانكا حاليا) حيث مبنى جهاز امن الدولة المعروف ب ال الكي جي بي التي رات فيه آلة العنف الني استخدمها النظام الشيوعي لترويع الجماهير من الخروج عن الطاعة، وقمع المعارضة بكافة اشكالها، وحطمت الجماهير ثمثال باني صرح النظام الامني السوفياتي ديرجينسكي. ومن ثم توجهت الى "الساحة القديمة"( ستاريه يلوشاد) لتنقض على مكاتب الحزب الشيوعي، وتظهر حافلات لنقل ارشيف الحزب الشيوعي الى جهة مجهولة.ويعلن بعد ساعات عن انتحار المسؤول المالي للجنة المركزية بظروف غامضة، ليخلق موته اسطورة او حقيقة اختفاء اموال الحزب الشيوعي السوفياتي في احد البنوك الاوربية التي تدور لحد الان. هذا في موسكو وربما في مدن كبرى اخرى، اما في انحاء روسيا مترامية الاطراف فقد مرت الليلة مثل هادئة كاية ليلة عادية.
وغاب في الليلة نفسها عن العيان اعضاء الحزب السوفياتي الحاكم الذين قدرت اعدادهم ب 18 الى 20 مليون عضو.حتى لم يدافعوا عن الامتيازات المختلفة التي تمتعوا بها، ناهيك عن عقديتهم ( الفكر الشيوعي) التي كانوا يصفونها بانها ذروة ما توصل العقل البشري.ومن ثم لم يرفع احد من النواب الشيوعيين في البرلمان( مجلس السوفيات الاعلى حينها) يده رافضا التصويت على قرار حل الاتحاد السوفياتي الذي طرحه عليهم الرئيس السابق بوريس يلتسين، بما في ذلك الزعيم الشيوعي الحالي غينادي زيوغانوف الذي قيل انه لم يشارك في تلك الجلسة التاريخية. وكان بمقدوره المشاركة. ولكن...!. فمر القرار بمعارضة نائب واحد من القوميين.
كل التطورات حينها كانت تؤشر الى ان الاتحاد السوفياتي انهار غير ماسوف عليه.وان الجميع كانوا بانتظار نهاية المسرحية ذات الفصول التراجيدية. بيد ان التطورات والمنعطفات كشفت عن حقيقة اخرى. اما ان انهيار الدولة العظمى كان صدمة شلت الجموع الغفيرة من التحرك، او ان الخوف الذي عاشتها لسبعة عقود قد تاصل فيها حتى العظام وعاقها عن الخروج للتضحية بالذات، او انها لم تع الحدث واحتمالات تداعيه او انتمت للحزب دون الايمان بنظريته، وفي النهاية ربما كانت تبارك ازاحة القبادة العليا من الحزبيين البيريروقراطيين وليس الدولة العظمى فاختلطت الاورواق.فهذه الجماهير ستخرج بعد حين بقوة تعارض وتندد وتدعوا لاعادة عربة التاريخ للوارء. ولكن هيهات. العملية مضت للامام. كما يقول غورباتشوف.
في تلك الليلة بالذات جرت احداث كثيرة وراء الكواليس. وظهر ان الجنرلات ورجال الكي جي بي اللذين كان ذكرهم يثير الهلع والرعب، دمى فارغة، وكارتونية، سارعوا بتقديم الولاء لاسيادهم الجدد دون ثمن. واخبر غورباتشوف مستاءا في تلك الليلة ايضا ان يلتسين اتصل بالرئيس الاميركي جورج بوش ( الاب) ليحيطه علما بحل الاتحاد السوفياتي الامر الذي سيقول عنه بوش بانه تطور غير متوقع ابدا !.( فاين جهاز المخابرات المركزية؟).
لم تكن تلك الليلة ولا الاحداث التي رافقتها صدفة او خطئا تاريخيا، ولوتم النجاح بالتغلب عليها فانها حتما كانت ستظهر بشكل اخر. ان الموت كان ينخر في الاتحاد السوفياتي مثلما كان يسرى في اركانه مشروع التجدد والازدهار والحيوية. ولكن قوى الموت تغلبت لان قوى الحياة كانت ضعيفة ومهمشة وجلة لم تتحرك بجد.ان الخطأ المميت تمثل بان القيادات المتعاقبة كانت تتصارع على السلطة في محيط مغلق ومنعزل عن المجتمع. تتخذ ايضا القرارات فيما وراء الكواليس، دون الاعتبار لمواقفه ومزاجه،وصنعت الة مرعبة للترويع والتخويف لفرض الصمت على كل من يسول له النقد وتعاملت مع المجاميع على انها دهماء( مخصية) لاشكل لها. تحولت القيادة الى ايقونة لايطولها النقد ولايسمح الا بالصلاة لها. في غضون ذلك نمت في اذهان المجتمع مشاعر الغضب والاستياء لاوضاعه المعيشية وجمود الحياة التي سادها اللون الرمادي المكفهر، ولم يعد احد يؤمن بشعارات العدالة والمساواة والاشتراكية المتطورة المفروضة من الاعلى.
لقد وفرت السلطة السوفياتية حقا "للكادحين" خدمات مجانية صحية و تعليمية واجور منتظمة واحيانا اجازة شبه مجانية على البحر ولكنها كانت بمستوى ردئ جدا.واذ تحن اليوم للدولة الغاربة، شرائح اجتماعية، فلانها الان محرومة حتى من تلك الخدمات السيئة.
ان تلك الليلة اعادت للذهن البشري حقائق بسيطة وساطعة يجري تناسيها من حقبة الى اخرى. مفادها ان العدالة الاجتماعية لايمكن ان تقام الا في مملكلة الحرية واحترام الانسان وكرامته. ومن العبث وقف حركة الوعي الاجتماعي وبلوغ مشارف الجديدة للحياة والفكر والبحث عن الافضل، بوسائل العنف والقمع. ومن المستحيل رسم صورة جاهزة للعالم وبناء حياة المجتمع وفقا لها ورفض كل ما يخرج عن اطارها.وكما سيردد احد العظام نقلا عن جوته" الحياة خضراء اما النظرية فرمادية" ولكن القيادة السوفياتية، كما اتضح بعد رحيلها"لم تتعب ادمغتها بمطالعة الكتب الصعبة، مادام الى جانب كل واحد منها مستشار يقول انه استوعب النظرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مناقشة بعض مبادئ الاشتراكية
عيشوش عبد العزيز ( 2011 / 1 / 5 - 16:12 )
صحيح يا استاذ ان الحياة خضراء و النظرية رمادية لكن النظرية الاشتراكية تتضمن الكثير من الايجابيات كالعدالة الاجتماعية و التقسيم العادل للثروة لكن المشكلة ليست في النظرية و انما في مطبقيها فهم من شوهوا سمعتها

اخر الافلام

.. رائحة غريبة تسبب مرضًا شديدًا على متن رحلة جوية


.. روسيا تتوقع «اتفاقية تعاون شامل» جديدة مع إيران «قريباً جداً




.. -الشباب والهجرة والبطالة- تهيمن على انتخابات موريتانيا | #مر


.. فرنسا.. إنها الحرب الأهلية!




.. نتنياهو تحت الحصار.. كيف ينعكس ذلك على جبهتي غزة ولبنان؟ | #