الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهجرة غير الشرعية ... قراءة هادئة في ملف ساخن

أيمن زهري
كاتب وأكاديمي مصري، خبير السكان ودراسات الهجرة

2016 / 10 / 10
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


كلما غرقت مركب قبالة السواحل المصرية في البحر المتوسط لا ينقطع هاتفي عن الرنين من إعلاميين وصحفيين للتعليق على الخبر باعتباري متخصص في دراسات الهجرة، حتى أن بعضهم يقدمني باعتباري متخصص في "دراسات الهجرة غير الشرعية" فقط وكأن الهجرة غير الشرعية أصبحت تخصصاً مستقلا. حديثي فقد معناه من تكرار ما أقول سواء من خلال الرد على أسئلة بسيطة عبر الهاتف أو في حديث مطول بالتليفزيون، أي تليفزيون. معدوا البرامج لا هم لهم إلا توريد الزبائن، باستثناء القلة القليلة النادرة التي تنسق الحلقة مع الضيف قبل اللقاء. بعضهم يقوم "بتوريد" عدد أكبر من اللازم لضمان وجود ضيف أو ضيفين إن تغيب أحد الضيوف. طبعا الضيافة عادة مجانية ولا مشكلة في استقدام ضيوف أكثر من مبدأ "زيادة الخير خيرين." لا مانع أيضا من دعوة ضيوف ليس لهم علاقة بالملف على الإطلاق، الموضوع بالنسبة للمعد موضوع عام يمكن لأي شخص أن يدلي بدلوه فيه من باب إن الضيف "بيعبّي هوا."

بعيدا عن الصخب الإعلامي والتجاوزات الإعلامية دعونا نقرأ هذا الملف الساخن قراءة هادئة. لابد أن ننطلق من مسلمة بديهية وهي أن الهجرة غير الشرعية، أو إن شئت الدقة الهجرة غير النظامية، جزء من ظاهرة بشرية قديمة ومتأصلة هي ظاهرة الهجرة البشرية. المسلمة الأخرى التي يجب أن ننطلق منها أن الهجرة في مجملها ظاهرة صحية. ساهمت الهجرة الدولية في رسم خريطة توزيع السكان على ظهر البسيطة ومن خلالها إنتقلت الثقافات والأديان والأفكار. من خلالها أيضا إزدهرت إقتصاديات العديد من الدول عن طريق إنتقال العمالة من مناطق الفائض الديموجرافي الي مناطق العجز الديموجرافي ما أدى الى سد العجز في عنصر العمل الذي بدونه لا تكتمل عملية إنتاج السلع والخدمات ودوران عجلة الإقتصاد. كما ساهمت الهجرة الدولية في جهود التنمية في الدول المرسلة والدول المستقبلة على حد سواء. فبالإضافة الي تلبية إحتياجات الإقتصاد للقوى العاملة في الدول المستقبلة، ساهمت الهجرة الدولية، من خلال تحويلات المهاجرين والخبرة المنقولة من خلالهم، في دفع جهود التنمية في بلدان الإرسال.

إذن، عندما نتحدث حول الهجرة غير الشرعية، نحن في الحقيقة نتحدث عن جزء يسير من ظاهرة الهجرة الدولية. حيث يقدر عدد المهاجرين غير الشرعيين بين 10 و15 بالمائة من إجمالي حجم الهجرة الدولية الذي يقدر بحوالي 250 مليون مهاجر يقيمون في بلدان غير التي ولدوا بها. بذلك يقدر عدد المهاجرين غير الشرعيين على مستوى العالم بين 25 و38 مليون شخص. ربما يتصور البعض أن المهاجرين الدوليين يقصدون الدول المتقدمة في أوروبا وأمريكا وأستراليا، لكن البيانات المتاحة تؤكد أن 40 بالمائة من الهجرة الدولية هي هجرة بين دول الجنوب وبعضها البعض. ينطبق ذلك أيضا على الهجرة غير الشرعية التي لا تتجه فقط لبلدان الشمال، فالهند وجنوب أفريقيا ودول جنوبية أخرى تستضيف أعدادا كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين من البلاد المجاورة، لكن التركيز الإعلامي ينحصر عادة في منطقة حوض البحر المتوسط مدفوعا بالهاجس الأوروبي من الهجرة بشكل عام ومن الهجرة غير الشرعة بشكل خاص والضغط الأوروبي في المحافل الدولية المرتبط بتلك الظاهرة والتي تم النص عليها صراحة في إتفاقيات الشراكة بين دول الإتحاد الأوروبي ودول حوض البحر المتوسط والإتفاقيات السابقة واللاحقة لاتفاقيات الشراكة. يزيد من حرج الموقف الأوروبي التدفقات غير المسبوقة للاجئين والمهاجرين غير الشرعيين بعد الأحداث التي شهدتها المنطقة فيما يعرف بالربيع العربي وفقدان بعض دول المنطقة السيطرة على حدودها الوطنية.

أسباب الهجرة غير الشرعية:
من غير المنطقي أن نتحدث عن أسباب محددة للهجرة غير الشرعية. فأسباب الهجرة غير الشرعية هي ذاتها أسباب الهجرة الشرعية وقد باتت معروفة للجميع من خلال الطرح الإعلامي لتلك المسألة والتي يمكن إيجازها في الأسباب الاقتصادية (البطالة، خاصة بين الشباب، وإنخفاض العائد في الوطن الأم وضعف البنية الاقتصادية) والأسباب السياسية (مثل فقدان الأمل في مستقبل أفضل في الوطن الأم وعدم إحتواء الشباب في المؤسسات السياسية والثقافية والإجتماعية) وأسباب إجتماعية (شبكات الهجرة والرغبة في المحاكاة وتقليد النماذج الناجحة وحلم الثراء السريع) وهي ذاتها، كما سلف الذكر، أسباب الهجرة الشرعية.

بذلك يكون السؤال الأنسب هو لماذا يهاجر الشباب هجرة غير شرعية؟ وليس لماذا يهاجر الشباب. فالهجرة في حد ذاتها ظاهرة صحية كما سلف الذكر، ربما تكون الإجابة البديهية لهذا السؤال هي أن الشباب يهاجرون هجرة غير شرعية لأنهم لا يستطيعون الهجرة بطريقة شرعية وبذلك ينحصر الجدل حول طريقة الهجرة وليس الهجرة في حد ذاتها. ويكون التسلسل المنطقي للحوار هو "لكن عدم قدرتهم على الهجرة غير الشرعية لا يبرر هجرتهم غير الشرعية." وتكون الإجابة المنطقية "نعم بالتأكيد لا يبرر."

إذن ما العمل؟ بالتأكيد لابد أن نمنعهم بالقوة من خلال تكثيف الحراسة على الحدود ومكافحة سماسرة الهجرة والمهربن في الداخل (المكافحة الأمنية)، ثم بسن التشريعات وتغليظ العقوبات على سماسرة الهجرة والمهربين (الجانب التشريعي)، ثم العمل على العامل الثالث المهم وهو التأهيل والتنمية. نقصد بالتأهيل في هذا السياق إعادة تأهيل الشباب ليكونوا قادرين على الهجرة الشرعية من خلال إصلاح التعليم وإعداد خريج قادر على المنافسة في سوق العمل المحلي والدولي، وهو هدف طويل المدى في ظل تردي وضع التعليم في العقود الأربعة الأخيرة، والإهتمام بالتدريب التحويلي من خلال برامج تدريبية تتناسب مع متطلبات السوق المحلي والعالمي وهو هدف متوسط وقصير الأجل طبقا للتخصصات المطلوبة. ونظرا لتدهور مستوى كفاءة اليد العاملة بالداخل، أعتقد جازما أننا بتأهيل الشباب سوف ينصرف معظمهم عن حلم الهجرة للخارج حيث سوف يستوعب سوق العمل الداخلي نسبة كبيرة منهم خاصة أن رغبتهم في الهجرة لا تنطلق من رغبتهم في ترك بلدهم والإقامة الدائمة في بلدان المقصد، لكنها بالأساس إعادة إنتاج لنفس نمط الهجرة لبلدان الخليج والأردن (وليبيا سابقا) وهي الهجرة الذكورية من أجل حل مشكلات آنية في بلدهم الأم تتمثل عادة في توفير مبلغ من المال لشراء وحدة سكنية أو تغطية نفقات الزواج والعودة مجددا لبلدهم الأم.

يتزامن مع ذلك الإصلاحات الاقتصادية التي يمكن أن توفر فرص عمل ذات عائد يلبي طموحات الشباب في الداخل، وهو هدف لا يمكن أن يتحقق على المدى القصير. أضف الى ذلك العمل على إحتواء الشباب في المؤسسات السياسية والإجتماعية والثقافية وهي مهمة يتفرق دمها عادة بين القبائل، إذ يجب أن تضطلع بها كافة مؤسسات الدولة وعلى رأسها وزارات الشباب والثقافة والأحزاب السياسية والإعلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توسع الاحتجاجات الجامعية في أنحاء العالم


.. إجراءات اتخذتها جامعات غربية بعد حرب إسرائيل على غزة




.. استشهاد فلسطينيين أحدهما طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزلا شر


.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع




.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر