الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسجد صيدنايا والذكريات - 3

مريم نجمه

2016 / 10 / 10
سيرة ذاتية


مسجد صيدنايا والذكريات ؟ - 3
الدين لله والوطن للجميع -
سبق وأن نشرت في مقالات سابقة حول هذا الموضوع المساجد في سوريا , تحت عنوان عريض : أعرف بلادك - إبتدأت في مدينة دمشق بتاريخ 5 - 2 - 2015 - واليوم أحببت أن أعرّج على بلدتي صيدنايا - مسقط الرأس - لأكتب بعض الذكريات عن مسجدها الذي هو جزء من معالم القرية القديمة والجديدة .
أنغام وأصوات الأجراس والآذان موسيقى نهارنا ويومنا في هذه البلدة المقدسة .
مثلنا الشعبي يقول : " عنصِرْ واطلع , صلّب وانْزِل " .
فقد كانت العادة في البلدة الصعود للنوم على أسطوح المنزل بعد عيد العنصرة أي بعد 50 يوماً من عيد الفصح ( الكبير ) شهر حزيران - والعودة للداخل بعد عيد الصليب على التقويم الشرقي - 27 أيلول
من بداية فصل الصيف وبالتحديد بعد 21 حزيران , كان أهل بلدتي ينتقلون للنوم على أساطيح المنازل بسبب الحر .
كم كنا نستفيق فجراً على صوت ( الشيخ ) المؤذن وهو يقول " حيّا إلى الصلاة هيا إلى الفلاح ........." كنا ننصت إلى الكلمات والأنغام عندما يرتلها مع هدوء السحَر والنجوم فوق رؤوسنا والأبهى عندما يكون الصوت جميلاً رخيماً لتتحاد الكلمة مع الكون والفضاء والإنسان شئ جميل يعيشه المرء والطفل خاصة في نشأته الاولى فتتحد الأرواح في سيمفونية كونية لتوحيد البشرية في بوتقة تزيل الفوارق والأحقاد والفتن ويسود الحب والإخاء , وقد كانت الصلاة والأنغام جزء من طقوسنا اليومية تبعث فينا السلام والهدوء والجمال وحب الموسيقى والفرح , خاصة وجود بيت أهلي وموقعه في وسط البلدة قريباً من الجامع ( المسجد ) والكنائس .
في ساحة مركزية تتفرع منها عدة شوارع وطرق , الشارع الممتد من كنيسة المجامع " آجيا صوفيا " يمتد باتجاه دير التجلي ( حارة الفوقا ) , وفي نقطة التصالب مع الطريق الممتدة من ساحة العين باتجاه كنيسة مار يوحنا في سفح جبل القلعة - ترتفع مئذنة جامع صيدنايا " .
هنا يختلط صوت( الله أكبر ) مع وقع أنغام نواقسيس الكنائس المنتشرة حوله في البلدة .. هنا يتعانق الحب والإيمان ووحدة المجتمع السوري بأجلى معانيها الروحية والوطنية .. " فالدين لله والوطن للجميع " .
في قلب صيدنايا النابض بالحركة والأسواق والمارّة والزوّار تضيع الفوارق وتتعانق المشاعر النبيلة وتتحد العزائم الخيرة والعلاقات الأخوية من أجل قداسة وروح البلدة المتصفة بالتآخي والمحبة والإيمان .. يعلو بناء الجامع

لقد بُني مسجد صيدنايا في عهد رئاسة السيد تاج الدين الحسيني كما خبرتنا المصادر , في عهد السيد عبد القادر الخطيب مدير الأوقاف السورية أنذاك - فترة الإنتداب الفرنسي , , الشكل الخارجي للجامع نراه من بعيد عبارة عن كتلة معمارية واحدة من الحجر الأبيض الناعم المقصوب , ولكن عندما ندرسه عن قرب من الداخل ونتفحصه نراه يتألف من ثلاثة أقسام رئيسية :
أولاً
* المسجد وفيه المحراب , مزين بنقوش وزخارف جميلة من الفسيفساء
* المنبر المصنوع من الخشب السميك المحفور بالنقوش
* القبة , تتوسط المصلى وتعلوها نوافذ من الزجاج الملون المحجّر
* المئذنة الدائرية , في داخلها سلم حجري حلزوني الشكل يوصل الصاعد إلى أعلاها .
وجدران المسجد مزنرة بالرخام الأبيض والأرضية مفروشة بالسجاد
القسم الثاني :
* منزل السكن المخصص للشيخ أو الإمام عبارة عن شقة سكنية مزودة بكافة مستلزمات المعيشة
ثالث قسم :
يتألف من قاعة الإستقبال وهو عبارة عن بهو لإستقبال الضيوف والزوار .
زوّد الجامع حديثاً بمكبرات الصوت لإيصال الصلاة إلى أبعد بيت في أطراف البلدة بعد توسعها المذهل , مع نظام إنارة تبعاً لتطورالعصر في هندسة الضوء وثورة الألوان
الجامع يتبع مديرية الأوقاف في دمشق للإشراف علىيه وخدمته في جميع النواحي العامة .
جُزء من ملعبنا الطفولي كان دوماً أمامه وبمحاذاته وجواره حيث بيوت كثير من الأقارب ( خالتي هيلانة , أم أسعد ) الزهر , والمعارف و الصديقات هناك في الحارة ومنهن صديقة الطفولة إبنة شيخ الجامع لنا ذكريات معها وفي أرجائه الجميلة النظيفة ... أبوابه الرئيسية مفتوحة دائماً قد كنا ونحن صغاراً نصعد السلم الحجري اللولبي " الحلزوني " أنا وزميلاتي وإبنة الشيخ حتى أعلاه .
... للعلم وللتاريخ , لقد كان شيخ الجامع ومختار البلدة يشاركوا في كثير من الإجتماعات والسهرات في منزل أهلي مع والدي الياس نجمه , وبيوت أخرى , أتذكر منهم : المختار اليان التلي ( أبو عازر) , المختار نايف خبازة ( أبو سليم ) , فؤاد وحبيب نجمه - مرشة - ونقولا معمر ( أبو جريس ) جار الجامع ,.. سرية , الخضر , شحاذة علاوية نجمه , وغيرهم ,, عندما كانوا يتباحثون ويتعاونون في كثير من أمور الضيعة كفتح وإنشاء أول مدرسة إبتدائية و إعدادية .. في أربعينات وخمسينات القرن الماضي وتأمين الأساتذة والمعلمين والسكن المريح لهم واحترامهم وتقديرهم بدعوتهم للسهرات الثقافية والعلمية الجماعية معهم ( الأستاذ إسبر غزال من بلدة صحنايا , و الياس أبو طارة وأخوه من دمشق وووو - أو حل كثير من المشاكل والأمور والمطالب الحياتية والتحديات التي تعيشها وتطلبها صيدنايا حينذاك , وفعلاً أنجزوا بجهودهم الشخصية الكثير من المشاريع التعاونية والخيرية رحمهم الله جميعاً .
وقد كان الشيخ وعائلته يشاركوا أهل البلدة أيضاً في الأحزان والأفراح دون استثناء كعائلة واحدة لا تعرف التمييز والحواجز . .
سألت زوجي الأستاذ جريس الهامس ماذا تعرف عن مسجد صيدنايا فأجابني :
" قام على بناء هذا الجامع وساهم في عمارته الحجرية البيضاء البديعة ومئذنته الشامخة كما كان يحكى لنا خالي على يد بنائي صيدنايا ومعلميها القدامى في تلك الفترة من بداية القرن العشرين عام 1928تقريباً . بناه خالي ( المعلّم ) زكي لطفي . ومن النحاتين : جريس الزين , جريس التلي ( أبو شحاذة ) , جريس أبوعقدة ( أبوجبران ) , نقولا ماريا , حنا الهامس والدي , ...المعري , , ,
. ّمعمَرجيّة أهل البلدة وبناّئيها من رسم وأشاد وحفر الحجرالمقصّوب الناعم للبناء وجلب الحجارة من الجبال المحيطة بالبلدة ( الشرقية والجنوبية الغربية جبل مارجريس.. وجبل القلعة المطل على مارسابا وغيره..
منطقة ( حَرْف العُرْضِي ) في غرب القرية على حدود صيدنايا - تلفيتا , هذه المنطقة لا تصلح حجارتها للبناء إنها رخوة رملية " كذّانية " ولذلك اتجهوا نحو العلو ,,,, وقد كنا نلعب مع زملائنا في داخله ونصعد للمئذنة بفرح الطفولة في اكتشاف الجديد والمجهول . "
.
يعزّ علينا اليوم وكلنا أمل أن نشاهده ثانية ونزور القرية - المدينة - فهو جُزء من ذكرياتنا الطفولية السعيدة الرائعة ومكاننا الأول في رحلة العمر ومحطاته العديدة , وجُزء من تكوين خبراتنا وفكرنا المنفتح الإنساتي المتحرر من عقد الفوارق الدينية والإيمانية , حيث كانت علاقات الوحدة الوطنية الشعبية الطبيعية الصافية " الخام , البور " أصيلة في نشأتنا وتربيتنا الريفية ...
" سقى الله تلك الأيام.. !
مريم نجمه/ هولندا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صيدنايا بلدة مقدسة
ليندا كبرييل ( 2016 / 10 / 11 - 06:19 )
الأستاذة القديرة مريم نجمة المحترمة

هذا مقال ليقرأه المتعصبون المتطرفون، ليعلموا كيف كنا وكيف أصبحنا عليه

من كان فينا يقول هذا سني وهذا مسيحي؟ وهذا درزي وهذا علوي وهذا شيعي؟

كان يجمعنا ملعب واحد وإن اختلفت الانتماءات،ويجمعنا حب للوطن وإن اختلفت مذاهبنا
المسلم يبني بيديه الكريمتين كنيسة، وعلى أكتاف المسيحي العريضة يقوم المسجد
نستيقظ مع الآذان، ويكبّرون مع قرع أجراس الكنائس

ليس في الأفق ما ينذر أن نعود لما كنا عليه
اليأس يتملكنا، والأمور تبدو كالسراب، نظنها من بعيد ماء، فإذا بها وهم وخيال

أحنّ إلى رفيقاتي اللواتي تفرقن بسبب الدين، الذي زرع التعصب في نفوسهن

شكراً لك على هذه الوقفة التي استعدتُ فيها أطيب الذكرى .. كانت في يوم مضى، وأرنو إلى أن تطلع الشمس بعد ليل طال كثيراً لتغسل بشعاعها المقدس نفوسنا من أحقادنا

لك المحبة والسلام يا ابنة صيدنايا المقدسة


2 - الأديبة الفاضلة ليندا كبرييل المحترمة
مريم نجمه ( 2016 / 10 / 11 - 18:05 )
مساء الخير سيدة ليندا تحية وشكر للمرور الكريم


مداخلتك الغنية صديقتي مكملّة للمقال بمشاعرك ومعايشتك الصادقة , فعلاً من كان يسأل منا والسوريين عامة عن الطائفة والمذهب وقد أحسنت القول - المسلم يبني بيديه الكريمتين كنيسة , وعلى أكتاف المسيحي العريضة يقوم المسجد - .. لقد تجاوزها شعبنا بفضل التاريخ الموحد و الوعي والتربية التي نشأنا عليها حقاً قبل أنظمة الإستبداد وثقافتها المشبوهة -


ما أروعك , هكذا كنّ وسنبقى انشاءالله بفضل الفكر المتحرر الراقي الذي نحمله والذي يتجازوز الدين والقومية والطائفة واللون والطبقة الإجتماعية ووو.. أعتقد أن هذه المرحلة القاسية الكارثية التي يمر بها الوطن المستهدف هي امتحان لشعبنا وأصالته ومعدنه
تقبلي اعتزازي ومحبتي يا ابنة بلدي الغالي وأكرر التحية

ينداشكراً

اخر الافلام

.. رئيس الوزراء أتال يقدم استقالته للرئيس ماكرون الذي يطلب منه


.. مدير الشاباك الإسرائيلي يتوجه لمصر لمواصلة المحادثات بشأن وق




.. قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على جنوبي غزة وسط توغل بري وإطلاق ل


.. قراءة عسكرية.. فصائل المقاومة تكثف قصفها لمحور نتساريم.. ما




.. هآرتس: الجيش الإسرائيلي أمر بتفعيل بروتوكول -هانيبال- خلال ه